قصة رسالة إليها(2)

ارايت . ملخص انباء الرابعة ينهض ساخطا و يغلق الراديو ..انهم يريدون ان يلوثوا جونا الجميل المعطر باخبار مزعجة . يشيح بيده . كانهم – و الله – يحسدوننا على سعادتنا . المهم . لا تبالى . دعى هذا العالم كله يتخبط فى شئونه …فماذا يهمنا منه ..اننا لا نريد منه شيئا ابدا انظرى . ان الحجرة مغلقة علينا و لن يزعجنا احد بعد ذلك ابدا و الان دعينى اتحدث اليك حديث الحب و الصداقة يمسك بالقلم . بسم الله نبدأ

صديقتى المخلصة ( ………..)

” وصلتنى رسالتك الاولى فكدت اطير بها فرحا و مع ان خطابك صغير . صغير . الا انه حوى من المعانى اللطيفة ما اعجز عن الاتيان بها …فهل ترانى حقا استطيع . ؟ !

ارجو ذلك يا صديقتى الرائعة . اما طلبك لى لاكتب لك عن حياتى و هواياتى ، فذاك امر على سهل يسير و انه لشرف لى و اى شرف ان اكتب لك عن حياتى و ان كانت الكلمات عن النفس تبعث الملل فى قلوب سامعيها الا اننى و انا اخطو اليك بصداقتى الاولى ، لابد ان اقدم اليك نفسى لاجتاز عتبات قلبك الغض فعلنى بذلك اكون احد ساكنيه ” وضع القلم اعاد قراءة ما كتب … عظيم … نبدا الان فى سرد حياتنا المملة . اسمعى يا ست …….. و امسك بالقلم

” لقد و لدت منذ ثمانية عشر عاما ”

رفع القلم . يا سيد . قف مكانك هذه كذبة ضخمة فى حجم فيل … طيب انتظر دعنى يا اخى ادافع عن نفسى فانت تعلم اننى لا استطيع ان اكتب لها عن سنى الحقيقية الافضل ان تتغاضى عن هذه الكذبة البيضاء لمصلحة المراسلة و الصداقة .. لنكمل

” حياتى ليس فيها شىء جديد فانا ثالث ثلاثة من اخوة اشقاء و اوفرهم حظا فى التعليم فاخى الاكبر يعمل فى الفلاحة بعد وفاة ابينا و الثانى يعمل ناظرا فى محطة اتوبيس …اما انا فقد حصلت على بكالوريوس تجارة ” انتظر ….ماذا كتبت يا شيخ ؟! . انت تريد ان ترمينا فى مصيبة ، انت كتبت سنك 18 سنة …طيب مستحيل تكون فى هذه السن حاصل على بكالوريوس . اف لك حتى الكذب لا تعرف ان تساويه – يا للمصيبة – اياك ان تكتب لها و لم اتزوج بعد . اشطب العبارة الاخيرة يا سيدى . اشطب . امسك بالقلم

” اما انا فلازلت اكمل تعليمى …بعد شهور ، سانتهى من الثانوية العامة فادعى الله ان احصل على المجموع الكافى لادخل كلية الطب او الصيدلة ”

قرا العبارة الاخيرة …اه . هكذا يكون الكذب منسجما كالهارمونى فى الموسيقى …كلية الطب – يا للحسرة – تلك امنية غالية ضاعت منى يا عزيزتى و ها انا ذا اكتب اليك عن امالى التى خابت و ضاعت .. فاعذرينى …ماذا يا ترى اكتب لها بعد هذه الكلمات .. ماذا اكتب ؟! .. ماذا اكتب ؟! … اه

” و اتمنى لك داعيا الى الله ان يحقق لك الامال فى اجتياز هذا المانع المسمى بالثانوية العامة فى عامك القادم ان شاء الله …ترى اية كلية تاملين و تحبين الالتحاق بها ” ؟

” مات ابى منذ سبعة اعوام ، فكلفنى اخى الاكبر الذى هو لى الان بمثابة الاخ و الاب معا ” …قف . عرفت كيف تكذب . اخوك الاكبر كفلك . يا عينى عليك . انه لا يكاد يعرفك …يا مسكين ..اشطب يا عم اشطب . بلا غم ..مات ابوك و كفى

” و ماتت امى بعد ابى باربعة اعوام “

عند هذا الحد و كل شىء صحيح ..لكن – يا حدق – وقعت فى مطب …عندك 18 سنة عظيم ابوك و امك – رحمهما الله – ماتا . فمن يتولى من بعدهما امرك . انتبه …اه …يا سلام . اين انت يا اخى ..فلنكتب :

” وكفلنى اخى الاوسط ..الذى ملأ قلبى عطفا و عوضنى عن ابى و امى خيرا .. جزاه الله عنى كل خير ”

هذه كذبة معقولة على اية حال …فاخوك الثانى عطوف عليك عن الاول و دائما يسال عنك …ماذا افعل ؟ لقد كذبت …فلابد ان اكذب حتى النهاية …انا بهذا الكلام الفاضى اظلم ابى الطيب …فقد جاهد الرجل – عليه رحمة الله – حتى اتممت تعليمى و توظفت …ثم مات ..فلا فضل لاحد على سوى هذا الرجل ..و لكن …ابلع

اما هواياتى …صحيح …ماذا اكتب لها عن هواياتى ؟! هل اكتب لها اننى فى عصر كل يوم اقعد فى المقهى حتى الساعة الحادية عشرة مساء …يا نهار اسود ، لو كتبت لها ذلك فى هذه الحالة …اصبح فى نظرها ولد ( بايظ ) …لا ….لا …. لابد ان اكون امامك الرجل الذى تنشدين يا صديقتى المخلصة . استمر فى الكذب …استمر

” اما هواياتى فانا احب القراءة حبى للحياة و امارس رياضة السباحة فى فترات غير منتظمة و لكن اياك ان تظنيننى بطلا فانا لم ادخل اى مسابقة فيها ابدا …لكنى على اية حال اجيد السباحة و هذا حسبى ..احب ايضا سماع الموسيقى …و كم كنت اتمنى ان اكون عازفا لالة البيانو او الفيولينا غير ان الظروف لم تمكننى من ذلك التعلم فاكتفيت بالسماع فقط دون العزف

وضع القلم . تنهد . القراءة تحبها …معقول ….فانا لا ادعى اننى قارىء نهم و لكن الحقيقة انا اقرا لاتسلى و اضيع الوقت اما السباحة فانت تعلمتها – يا حلو – فى ترعة بلدكم و انت صغير و نسيتها ايضا و الحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه ، و الموسيقى …هل تسمى نفسك اذا استمعت لام كلثوم و فريد الاطراش و عبد الحليم ..انك هاو لسماع الموسيقى …يا اخى اتلم اعمل معروف …انت عندك هوايه ؟ انت يا سيد محسوب على البشر انسان انت فاهم …طيب – ما علهش – اكتب . اكتب .

” صديقتى العزيزة ..اسمحى لى ان امد لك يد الصداقة و دعينى اصافح يدك الصديقة التى شرفتنى و سطرت لى هاته الكلمات التى تكاد تشدو صداحة فوق عساليج السطور ..اشكر لك و اشكر يوما انت فيه صديقتى فلنكن حقا اصدقاء و ساكتب لك كل ما يجول فى نفسى و ساسطر لك امالى و الامى حتى اجعلك تريننى على الصفحات راى العيان تقبلى فى الختام تحياتى و سلامى و السلام ”

صديقك المخلص ابدا

لنقرأ الان ما كتبنا …امسك بالورقة …معقول …معقول …طيب …و لكن الا تلاحظ يا محترم انك تكتب عن انسان اخر غير نفسك . لا حول و لا قوة الا بالله . صمت قليلا احس بشىء ينهار فى اعماقه و ان السعادة التى كانت منذ قليل تسرى فى عروقه بهجة و ثقة قد تبددت هى الاخرى بددا طوى المجلة وضع يده عليها . استغر الله العظيم

اللهم انى استغفرك و اتوب اليك …و تنهدت عيناه بالدموع . نزع ورقة جديدة

امسك بالقلم

” اسمعى يا عزيزتى …انا رجل هرم وحيد قاربت سفينة ايامى على الوصول الى شاطىء الخمسين . تولت عنى يا حبيبتى ايام الصبا و الشباب و ها انا ذا امخر فى بحر الايام وحيدا مسكينا لاشىء يؤنس وحدتى غير صمت مديد مات ابى

و ماتت من بعده امى …فتهت فى الحياة توهانا و تعثرت فيها …لم اتزوج و لن اتزوج هكذا حكمت على الايام دون ما ذنب جنيت …انظر الى الاطفال فيهتز قلبى …احبهم يوما و اكرههم اياما لان وجودهم دليل عجزى و قلة حيلتى ”

امسك بالورقة فى حزن و فتور اخذ يقرا الكلمات فى تأن هز رأسه

هذه السطور ….هل هى حاشية للخطاب ؟ …ما هذا العبث يا محترم انك تلعب لعبة صغيرة . حقيرة . ليست الصبية صديقتك ، و لن تكون لها ابدا صديقا . هل تجرؤ ان تكتب لها عن حقيقتك الخاوية ، المؤلمة …..طيب …هل ممكن ان تدعها تراك ؟!

انت فى كلتا الحالتين جبان و الاعجب انك تستخفى خلف صورتك و انت صغير

طيب ” بذمتك ” لو كنت حقا انسان محترم تفعل هذا ….انا ساقنعك …و امسك بمراة الحلاقة المستديرة ، ووضعها امامه …اين الصورة ؟ اه . هذه هى

انظر يا محترم و قارن . الشارب هنا اسود . الشارب هنا معظمه اشيب . الوجنتان ممتلئتان . انظر فى المراة و تمعن فى الوجنتين الغائرتين و الانف الذى تضخم كبصلة و العينان التى سكنت تحتهما التجاعيد و الشعر ….شعرك يا حبيبى رمادى …بياضه اكثر من سواده …طيب انظر الى يدك و هى تمسك بالصورة . معروقة . نافرة العروق . جلدها مثقوب …ثم تدعى انك صغير …انت تافه …دنىء …طيب هذا هو الخطاب . ارتحت يا سيدى …اخذ يمزقه اربا و المجلة ايضا …تعالى انت الاخرى و امسك بها ممزقا صفحاتها بغيظ . ارتحت يا عم …نفخ فى تعب يائس . يا ستار يا رب . انتابه بعدها صمت طويل . كئيب . اعتمد بمرفقيه على حافة المكتب . اسند راسه على كفيه . كانت كومة الورق تتعالى امامه هشة . مضطربة ، وقعت عيناه على مزقة صغيرة فيها سطور اربعة .. مقطوعة النهايات . قرأها رغما عنه …ماذا تريد اسرائيل من العرب .. و اسرائيل لم تكن فى يوم ما ….قدم العرب اليها …و الامن الذى تزعمه ….و انتهت الكلمات المبتورة عند حافة التمزيق ….فى مزقة اخرى من خطابه ، وقعت على سطر وحيد …فتهت فى الحياة توهانا ، و تعثرت فيها …و غابت بقية الكلمات مع التمزيق …. انثالت العبرات من عينيه نعم ليس فيها من جديد ابدا ….

هذه حقيقة …انا تائه …كلما رايت صبية صغيرة يتراوح عمرها بين الخامس و العشرين

احس بان مغناطيسا جاذبا يشدنى اليها …لماذا ؟ انا شخصيا لا اعرف …اه …انا لا اعرف حتى هذا الزميل الحقير – لماذا يعترض سيرتى

انا فى حالى …يا اخى اعمل معروف . كن فى حالك انت الاخر . الله يسترك . ابعد عنى ابعد . انا تعبان …لو تعرف مقدار – تعبى ، و ضعفى ، اعمل معروف ….يا عالم …اعملوا معروف . اتركونى – لوجه الله – اعيش وحدى فى هدوء . تمت –

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات