قصة المال و الرجل(1)
أغلق الباب خلفه بهدوء ، اسند ظهره عليه قليلا ، نفخ فى ضيق .
– يا ستار يا رب ، لو انها عرفت ،
تمنى لو كان للغرفة مفتاح حتى يضمن ان يكون مع نفسه وحيدا ، و لو ساعة واحدة ، لا يقطع فيها خلوته احد ، استلقى على السرير مرتاحا
– يا سلام .
تنفس الصعداء ، احس بالحرية تنساح حواليه كحقول خضراء . انقلب على جانبه الايمن . هامت نظراته على الجدار الكالح ، ثم حطت بخفة على السروال المعلق هناك على المشجب ،
– الان يمكننى ان افكر بتأن و هدوء .
سكت قليلا نفخ فى غيظ .
– المشكلة يا عالم ان بطاقته موجودة ، و معنى ذلك ان عذرى امام الله انتفى ، و انا الان مبتلى و العياذ بالله … آه يا رب لو لم تكن فى داخلها هذه المصيبة التى اسمها البطاقة لنام ضميرى مستريحا ، و لا ابالى .
مصمص بشفتيه متحسرا ….
ورطة ….ورطة …و الله العظيم ورطة ….يعنى لو فعلتها – اللهم انى استعيذ بك من وساوس الشيطان – لخنت الامانة ، و كنت من الضالين ، و انا رجل مؤمن ، اصلى و اعرف ربنا . يا رب اعنى . لا حول و لا قوة الا بالله . و نفخ يائسا . نهض قليلا ارتكز بكوعه على الوسادة . اعتمد راسه بكفه . تكلم بصوت خافت ليسمعه باذنيه
– لنفترض اننى وضعت الضمير جانبا – افتراض يعنى يا سيدى ، هو الافتراض حرم – فألف جنيه مبلغ لا يستهان به أبدا لمن كان فى مثل حالتى ، و فى وضعى التعبان . مبلغ – اقسم بالله ثلاثا – يمكنه ان يغير من حياتى تماما ، و ينقلنى انا و الاولاد الى الامام …مبلغ لو عشت طول حياتى ما وصلت اليه الا بشق الانفس ….هذا اذا افترضنا طبعا اننى وصلت بالفعل.
صمت قليلا . هز راسه كانه ينصت الى همسات لا يسمعها الا وحده
– ماذا افعل به ؟ ….تقول ماذا افعل به ؟ !! شوف يا سيدى …ممكن اشترى ارض فى البلد ، و ممكن اعمل مشروع . هناك الف مشروع و مشروع . المهم الواحد يعمل اى حاجة . اى حاجة يا اخى تنقذنى من الغم الذى انا فيه ….طبعا ستقول لى : هل تستطيع ؟
استطيع ؟! . مؤكد استطيع ….مليم واحد و اقسم لك برب الكعبة لن يصرف منه على البيت . المشروع اولا و اخيرا ثم بعد ذلك ياتى البيت . المهم يا اخى الواحد يسند ظهره . ظهرى الذى انقسم – بعيد عنك . من ايام الفقر و الحرمان …. يا خبر ….عشرون سنة يا رجل . اشتغلت فيها بالحكومة مثل الطور فى الساقية ، و اخرتها يا حسرة ….ملاليم تكفى اللقمة بالعافية ….يا رجل تعتقد انك عايش . هل تسمى هذه حياة ؟! …انت بصراحة ميت نعم انت مت من زمان يا محترم ، و الفرق بينك و بين الاحياء ….ان كان هناك فرق – انك تتنفس فقط . فاهم . تتنفس فقط
انقلب على ظهره . حملق فى السقف . احس براحة عجيبة تملا جوانحه بجذل ناعم . غادره تعب الجسد الذى كان يحسه على الدوام عند العودة ، حتى النوم الذى ادمنه بعد الغداء ، اخلى سبيله الى يقظة حالمة وديعة . انقلب على جنبه . حدق فى السروال مرة اخرى . ابتسم . نهض بخفة ، امسك بالسروال . اخرج من جيبه الخلفى حافظة النقود . عاد بها الى السرير استلقى على جنبه مرة اخرى . ضغط عليها باصبعين قلقتين . كانت منتفخة . وزنها بكفه هز راسه . لوى شفتيه مندهشا .
– يا نهار ابيض . مرتب الشهر …ريشة حمامة ، بجوار هذه النقود
استخرج المبلغ كله . بدا فى عده مرة اخرى : واحد اثنان ثلاثة ….يا خبر يا ولاد ….مئة ورقة من فئة العشرة جنيهات . ساجن يا عالم
امسك بالنقود . رتبها فوق بعضها فى تساو ضغط عليها بشدة بين اصبعيه . رفعها امام عينيه . بدت سميكة كسمك الكتاب الصغير
– يا سلام على العز يا اولاد … يا سلام ….انا فى حلم او فى علم …..
و انتابه فرح غامر ، رقصت له اعماقه سكرى ، ود لو هتف بزوجه ان تاتى لتشاركه فرحته المعربدة
-2-
سمع صرير الباب و هو يفتح . جفل فجاة ، راى زوجته امامه تطل عليه من فرجة الباب
حملقت فيه بتعجب :
– الا زلت يقظا ….حسبتك فى سابع نومه
لكنها فى ذات الوقت رصدت يده ، و هى تخبىء بسرعة حافظة النقود ، تحت الوسادة سالها هادئا و ثمة خاطر معربد يتصاعد من اعماقه رغبة ملحة ، و يدفعه ان يهتف لها بانها اوشكت ان تلج الباب الساحر ، الى ارض الثراء الفاحش
– ماذا تريدين ؟
لكنها لم تتكلم ، واتجهت اليه بخطوات اشعلتها اللهفة مدت يدها تحت الوسادة باصرار و قوة
– ما الذى تخفيه تحت الوسادة ؟ ! …لابد ان اعرف
تشبث بعناد مرح بالوساده . ضغط عليها بمرفقه ، و ابتسامته البهبجة تتمدد على شفتيه ارتياحا ، و راحة يراه تدفعها عنه فى صدرها بضعف و استسلام
– لاشىء ….لا شىء ….صدقينى
و تضاحك سعيدا
– لا….لابد ان اعرف . انت تخبىء شيئا عنى ، و لا تريد منى ان اعرفه
كان يناضلها بلا قوة ، و الفرحة تهز اعطافه بسرور عميق
– ساحكى لك كل شىء ….فقط اجلسى هنا
– طيب احك
و حملقت فى وجهه ماخوذة ، لكنها اطاعته رغم ذلك ، و جلست على الاريكة فى استغراب
– اسمعى يا ست ….حين كنت اصعد على سلم الوزارة ، وجدت هذه الحافظة ملقاة على السلم فى وضع ربما لا يراه فيها احد
و مد يده تحت الوسادة ، و اخرج الحافظة ، و لوح بها امام وجهها ضاحكا . مدت يدها لتتناولها . شد يده عنها بسرعة :
– لا . ليس بهذه السهولة . انتظرى قليلا
و ابتسم فى وجهها محدقا :
– كانت عيناى تنظران الارض – هكذا رسم القدر لى – فاذا بى المحها فى ركن معتم من السلم ….انحنيت اليها و التقطتها
قاطعته :
– الم يرك احد ؟
– من حسن الحظ لم يكن فى تلك الدقائق احد غيرى يصعد …كان القدر – يا سلام – كان يرتب لى هذا اللقاء الموعود
عدلت من جلستها على الاريكة . سالته بلهفة :
– اه …..و ماذا وجدت فيها ؟
– اصبرى قليلا يا ست . ان الله مع الصابرين . ماذا ترين انى فاعل بها ؟! . هل اقبلها و اضعها بجوار الحائط مثلا كانها لقمة …وضعتها فى جيبى طبعا دون اى كلام . نظرت حولى ، و الى اعلى ، و الى اسفل ، فلم اجد احدا يصعد على السلم او يهبط منه سوى العبد لله ….الحقيقة لا اكذب عليك كنت خائفا ، و كان قلبى يرتج بعنف فى صدرى ، و قد جف حلقى كانى صائم ….المهم – انا لا اريد ان اطبل عليك – دخلت دورة المياه ، و هناك فتحتها ….فاذا …..و امسك فجاة . راح يطل عليها فى صمت ، و كانه يود ان يرى وقع كلماته العجيبة على وجهها
– اكمل يا رجل ….لماذا سكت هكذا ؟
– اه …ارايت …وجدت هذا الذى لا انا و لا انت نحلم به مهما عشنا
و اخذ بطرف المبلغ ، و راح يهزه بيده هزات رتيبة ، و كانه يهز ناقوسا امام وجهها . ابتسمت فى سعادة
– كم وجدته ؟
– خذيه فاعديه ، لتسعدى مثلى يا غلبانة
و ناوله لها . تبسم منها ضاحكا و هو يرى اصابعها ترتعش فى عده بتان ، مثير .
امسك بسيجارة و اشعلها ….هتفت بعد دقائق بصوت كله دهشة و انفعال :
– يا خبر ابيض ….الف جنيه مرة واحدة
ابتسم . جلس على حافة السرير . مد رجليه الى الارض نفث الدخان امامها
– انتظرى هناك مشكلة
– مشكلة ؟!
– نعم مشكلة ….فالبطاقة العائلية لصاحبها موجودة فى داخل الحافظة خذيها هى الاخرى ، و تاملى فيها
تناولتها منه باصابع مرتعشة . نظرت اليها بامعان . فتحتها و حدقت فى الصورة مليا …صاحبها يلبس طاقية . حليق الشارب . مطعهم الوجه . جلبابه البلدى مصور فى الصورة بوضوح . عيناه الواسعتان تلمعان كانهما تنظران اليها بتوعد ….فى الجزء الابيض من الصورة تحت رسمه بدت بصمته ، غليظة ، باهتة ، و كانها طمست بفعل الايام . قرات اسمه بالكامل ….الوظيفة او المهنة : تاجر ادوات صحية ….محل العمل :
– قراته ايضا بصوت مسموع
سالها جادا :
– ما رايك اذن فى هذه الحكاية ؟
– رايى انا ؟
و سكتت قليلا ، و هى تمعن النظرة مرة اخرى الى الصورة
– هل راك احد و انت تاخذها ؟
– قلت لك لا احد ….ربنا فقط هو المطلع
– طيب يعنى ….لا احد شاف و لا احد درى
– يا وليه اتقى الله ….لو اننا سلمناها لصاحبها لاصبح لنا باسم الشرع 10% .
– يعنى 100 جنيه – كلها حلال ، و خالية من اى ذنوب
هزت راسها موافقة . قالت بسرعة و كانها تؤكد كلماته :
– كلامك معقول ، و انا عن نفسى لا اقبل ان اربى اولادى من اى مال حرام
ثم ناولته البطاقة ، و استطردت و هى تشيح بيدها بعيدا :
– نحن فقراء صحيح ، و المرتب على قد حاله ، و لكن ربنا يغنينا بالحلال
– نعم …..هذا هو عين ما قلته لنفسى بالضبط
– عارف …..لو لم تكن البطاقة ….
قاطعها مسرعا فى حسرة :
– فكرت ايضا فى هذه الفكرة قبلك …لو لم تكن هذه البطاقة الملعونة لكان المبلغ حلالا علينا و الحمد لله
– طيب و العمل
حك ذقنه باصبعيه . هز راسه يائسا :
– انا تعبان و الله يا شيخة ….انا تعبان فعلا و ربنا عالم بى
و ساد بينهما صمت فسيح ، كان ارضا بعيدة قطعت بينهما ….كانت عيناه الحائتان تهيمان على الحائط فى قلق ، عقله يقف متعبا ، شاردا بلا فكر ، و لا تفكير .
امسك بعلبة السجائر ، و اشعل سيجارة جديدة . سمعا دقات عالية مضطربة على الباب
نهضت متثاقلة :
– حضر الاولاد من المدرسة ….ساذهب لافتح لهم
ثم التفتت اليه ، و هى تخطو نحو الباب ………تابع
Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء
تعليقات