هاتِفُ أبي عِزَّت المتَحرِّك

(أبو عزّت ذاتُه بطلُ قصّة رفيق الطّريق)

بدأتْ نشأةُ الهواتفِ النَّقّالةِ في أوائلِ السبعينيَّاتِ من القرنِ الماضِي (1972م) حينَما قامَ (مارتنْ كوبر) وهو مخترِعُ الهاتفِ النَّقّالِ بالإعلانِ عن مسابقةٍ برعايتِه بين المهندسينَ في شركةِ (موتورولّا)، واستغرقتْ فكرةُ اختراعِ الهاتفِ النّقّال قرابةَ تسعينَ يوماً.. ويُعدُّ (كوبر) صاحبَ براءةِ اختراعِ أوّلِ هاتفٍ محمُولٍ أو نقّالٍ في العالَمِ.

صَحَّ نومُك يا مارتن.. في السَّبعينَات جاءتْكَ الفكرةُ!! وقد وصلْتَ إلى هذا الاختراعِ بعدَ أن جمعْتَ لفيفاً من المهندسينَ في شركةِ (موتورولا)، وبعدَ تسعينَ يوماً، وبعد كلِّ هذا الجهدِ والتّعبِ وصلتَ إلى اختراعِ الهاتفِ النّقّالِ؟!

لقد سبقَكَ العمُّ أبو عزّت إلى هذا الاختراعِ منذُ السّتينَاتِ.. ولم يكنِ الهاتفُ الثّابتُ قد دقَّ جرسَه في معظمِ أريافِ الوطنِ العربيِّ ومدنِه..

في هذه القصّةِ الطَّريفةِ يُوظِّفُ أبو عِزّت مذياعَه الصَّغيرَ كهاتفٍ نقَّالٍ يستطيعُ أن يتّصلَ به مع كلِّ رؤساءِ العالمِ.. لكنَّ هدفَه كان مع النِّساءِ فقط، فاختارَ نموذجاً مشهوراً آنذاكَ وهي السَّيِّدةُ أنديرا غاندي؛ ليطرحَ عليها موضوعَ زواجِه الثّاني، بعد أنْ عصَتْه زوجتُه الأُولى؛ ولكيْ يُخضِعَها لإمرتِه، ويُقنِعَها بجدِّيّةِ الزّواجِ، فقد كلَّفَ أحدَ أصدقائِه بوشوشةِ الفكرةِ لزوجتِه الّتي تصدّقُ بطبيعتِها الفطريّةِ السّاذجةِ كلَّ ما يرنُّ في أذنِها من حكاياتٍ.. فكان كلّما أبتْ زوجتُه أوامرَه، يرفعُ المذياعَ إلى أذنِه ويُجْري اتّصالاً وهميّاً مع السّيِّدةِ أنديرا غاندي، ويكلِّمُ كبارَ مرافقِيها..

– أينَ وصلتْ عروسِي؟! وصلْتم إلى الشّامِ؟ جميلٌ.. أنا بانتظارِكم.. لا تتأخَّرُوا..

وتغارُ زوجتُه وتنزعِجُ، لكنْ دونَ فائدةٍ؛ لأنّ العروسَ قادمةٌ!!

ويتكرَّرُ مشهدُ عصيانِ الزّوجةِ.. وليسَ أمامَ أبي عزّت سِوى الاتّصالِ مع أنديرا..

o أينَ وصلتُم؟ لقد تأخَّرتُم كثيراً.. كيف عروسِي ؟ هل هي بخيرٍ؟؟

الحمدُ للهِ.. انتبهُوا عليها لا تُتعِبُوها.. أنا مشتاقٌ جدّاً إليها..

أنتمُ الآنَ في منتصفِ الطّريقِ.. ربي يسِّرْ.. تَصِلُون بالسَّلامة!!

وتَكرّرَ التّذمُّرُ، وازدادتِ الاتّصالاتُ، واقتربتِ المسافاتُ.. فلم يكنْ أمامَ زوجتِه إلّا أن تكلِّمَ صديقَ زوجِها الّذي أفشَى إليهِ سرَّه.. لعلَّهُ يملكُ بعضَ مفاتيحِ الحلِّ..

o هل صحيحٌ أنّه سيتزوَّجُ من أنديرا ؟!

o سمعتُه مرّاتٍ كثيرةً يحدِّثُ أصحابَه عن امرأةٍ يحبُّها ويُريدُ الزَّواجَ منها.. ولكنّي لم أعرفْ مَن هذهِ المرأةُ ومِن أينَ هي.. وماذا تعملُ؟ لكنّني رأيتُه كثيراً يتحدَّثُ معهَا على الجهازِ الّذي معَه..

o ولكنْ ماذا أفعلُ لأمنعَه من هذا الزَّواجِ؟ وماذا فعلتُ له ليأتِي بضرَّةٍ عليَّ؟

o أقولُ لكِ السِرَّ.. ولكنْ لا تُخبرِيه بأنّني التقيتُ بكِ..

o طيِّب.. ماذا أفعلُ؟

o أطيعيهِ.. نفِّذي أوامرَه.. لا تُكثرِي من الكلامِ أمامَه.. لا ترفَعي صوتَك فوقَ صوتِه.. جهِّزي له كلَّ ما يريدُ.. وأنا سأُحاولُ أن أثنيَهُ عن هذا الزّواجِ..

o سأفعلُ ما يريدُ.. وأنتَ حاوِلْ أن تُقنِعَه بالعزوفِ عن الموضوعِ.. أطالَ اللهُ في عمرِك ..

وراحتْ أمُّ عزّتْ تُطيعُ أوامرَ زوجِها، وتنفِّذُ ما يريدُ دون تردُّدٍ أو تذمُّرٍ، واختفَى صراخُها.. وانقلبتِ التَّعاسةُ والشَّقاءُ ألفةً ومحبّةً.. وبعدها انقطَعتِ الاتّصالاتُ مع المسكينةِ أنديرا بعدَ آخرِ اتّصالٍ مع مرافقِيها بأنّه أجّلَ موضوعَ الزّواجِ منها إلى أجلٍ غيرِ مُسمّى.. سيناقشُه في حالِ عادتْ زوجتُه إلى سابقِ عهدِها..

وأقنعَ زوجتَه بأنّه قطعَ الاتّصالَ اللّاسلكيَّ مع أنديرا.. وهكذا استطاعَ أبو عزّت الفلّاحُ القرويُّ البسيطُ الّذي لم يدرسْ هندسةَ الاتّصالاتِ ولا تقنيَّةَ المعلوماتِ أن يستخدمَ التِّكنولوجيَا الوهميَّةَ في حلِّ مشاكلِه.. في حينٍ أصبحتْ تكنُولوجيا الاتّصالِ وبالاً على الأزواجِ الّذين يُفكِّرونَ مجرَّدَ تفكيرٍ في ذكرِ اسمٍ أنثويٍّ في مكالماتِهم.. أو كتابةِ رسالةٍ نصّيّةٍ دون أن يمسحُوها قبلَ أن تكتمِلَ.. واستطاعَتِ المرأةُ أن تحدِّدَ مكانَ سهرِ زوجِها باستخدامِ تقنيَّةِ ( الجي بي إس )..

وأصبحَ كلُّ زوجٍ يتناسَى هاتفَه أو يُفرِغْ شحنَه من الكهرباءِ؛ ليظلَّ بعيداً عن المراقبةِ، ومرتاحاً من همِّ المطالبِ ونقيقِ الضَّفادعِ..

مِسكينٌ يا مارتن!! إنّكم لا تقرؤُون.. ولو قرأْتُم لعرفْتُم أنّنا سبقْنَاكم في هذا الاختراعِ بعشرِ سنينَ على أقلِّ تقديرٍ.. لماذا لا تقرؤُون.. فتوفِّرون على أنفسِكم عناءَ البحثِ والاكتشافِ والاختراعِ، وتتحاشَون هذا الضَّجيجَ الإعلاميَّ الكبيرَ حينَما تُطبِّلون وتُزمِّرون لمخترعاتِكم واكتشافاتِكم عبرَ وسائلِ الإعلامِ..

أمّا نحنُ -العربَ- فإنّنا اكتشفْنا واخترعْنا كلَّ ما أعلَنْتم عنه وما لمْ تُعلِنوه.. قلْ لي: ماذا اخترعْتُم أو ماذا اكتشَفْتُم؟!

كلُّ شيءٍ موجودٌ في كتبِنا وتراثِنا وثقافتِنا وفكرِنا، لكنَّ المصيبةَ أنّنا نحنُ العربُ لا نُحبُّ الإعلامَ بشتّى أشكالِه، ولا التّبجُّحَ بمخترعاتِنا ومكتشفاتِنا، ولا نَنْفُجُ ريشَنا كالطّاووسِ تعبيراً عن أفكارِنا الإبداعيّةِ.

ولكنّ الكارثةَ فيكُم! أتَدري لماذا؟ لأنّكم لا تَقْرؤُون تراثَنا وتاريخَنا، ولا تُحلّلُون أفكارَنا وتصوُّراتِنا وخيالاتِنا.

ولو قرأتُم شيئاً من تُراثِنا، أو حلّلْتُم فكرةً أو تصوُّراً أو تَخيُّلاً ممّا عندَنا.. لكنتُم أعلنْتُم إفلاسَكم وقصورَ ذكائِكم منذُ الوَهلةِ الأُولى.. ولردَدْتُم الفضلَ في اختراعاتِكم واكتشافاتِكم إلينا، وتوقَّفْتُم عن ثرثرتِكم وتآمرِكم عليْنا في كلِّ مجالاتِ الحياةِ..

أمّا الطّامّةُ الكُبرى.. وما أدراكَ ما الطّامّة؟!

إنّها فيْنا.. ففيْنا.. ثمَّ فيْنا!! لأنَّنا لا نقرأُ لنكتشِفَ، ولا يُمكِنُ أن نكتشِفَ إلّا بعد أنْ تصرعُنا وسائلُ إعلامِكم بمخترعاتِكم.. وربّما لأنَّ القرّاء منّا لا يُدقِّقُون ولا يَفهمُون الألغازَ والأحاجِي، ولا يُفكِّرونَ ولا يحلِّلُون ولا يَتصوّرونَ.. إلّا بعدَ أن يَنهشَ ضجيجُ إعلامِكم أسماعَنا؟!

قلْ لي ماذا اخترعتُم.. قلْ لي ماذا اكتشفْتُم.. قلْ لي ماذا تخيّلتُم أو تصوَّرتُم!!

وسأُريكَ رأيَ العينِ والفكرِ أنّنا أحرزْنا قصبَ السَّبقِ عليكُم في نومِكم وصحوِكم في وجودِكم أو عدمِكُم!!

لقدْ سبقْنَاكُم في الصُّعودِ إلى القمرِ دونَ مركبةٍ فضائيّةٍ.. وغُصْنا إلى أعماقِ البحارِ والمحيطاتِ دونَ غوَّاصاتٍ.. واخترعْنا فكرةَ الطَّيرانِ، وإن فشِلَت بسببِ إهمالِ الذَّيلِ.. وقطَعَ الصُّوفيُّون منّا مسافاتٍ شاسعةً بين الدُّولِ دون سيّاراتٍ أو قطاراتٍ.. وأجْرى علماؤُنا اتّصالاتٍ مع السَّماءِ عبرَ قنواتِ اتِّصالٍ لا يَراها إلّا أصحابُها.. وخاطَبْنا الجِنَّ، وأجريْنا مكالماتٍ هاتفيّةٍ معهم، وأنتم عاجِزونَ عن تخيُّلِهم.. ونحنُ على اتِّصالٍ دائمٍ مع المخَلِّصِ الأمينِ الّذي سيُنْقِذُ الأمّةَ، وسيُدمِّرُ جميعَ أسلحتِكم من ذرّيّةٍ وكيماويّةٍ وطائراتٍ ومدافعَ وصواريخَ عابرةٍ للقارّاتِ.. بمُفردِه وهو يَمتَطي جوادَه حاملاً سيفَه ذي الفَقَارِ الباترِ الجبَّارِ.

أقولُ لكَ: إنّكم أمّةٌ جاهلةٌ لا تقرؤُون إبداعاتِنا واكتشافاتِنا واختراعاتِنا.. نحنُ صنعْنا الآلهةَ بأيديْنا وأفكارِنا، وأنتُم أنكرْتُم كلَّ إلهٍ..

نحنُ نُمِيتُ الإنسانَ ألفَ مِيْتةٍ في السُّجونِ، ثمَّ نُعيدُهم أحياءَ إلى الحياةِ.. وأنتُم صرعْتُمونا بإنقاذِ قردٍ أو هرّةٍ.. نحنُ مصانعُ الإنجابِ، وأنتمْ صناديقُ خاويةٌ.. أطفالُنا يحمِلُون السِّلاحَ والمِنجلَ والمِعْولَ.. وأطفالُكم يُثيرون الشَّفَقةَ لأنّهم مَحرُومُون من هذهِ الحقوقِ.

ونحنُ قُوّادُنا مُلهمُون من السَّماءِ ويُنفِّذون تعاليمَها، وسلطتُهم مستمَدَّةٌ منها مؤبَّدةَ أبدَ السَّماواتِ والأرضِ.. أمّا حكّامُكم فهُم أناسٌ عاديُّون يستمِدُّون أفكارَهم من مستشارينَ على أعْلى المستوياتِ، ولولا ذلكَ لسقطَ الحاكِمُ عندَكُم من اليومِ الأوّلِ لحكمِه.. وعندَما تَنْتَهي ولايتُه، يَعود إلى صنعتِه الأُولى ممثِّلاً أو نجّاراً أو قائدَ فرقةٍ موسيقيّةٍ ولا تَجِدونَ عيْباً في ذلكَ.. فحكّامُكُم يُثِيرون الشَّفقةَ عليهِم.. لأنّهم إنْ فشِلُوا في إدارةِ شؤونِكم فمصيرُهم المحاكمةُ والعزلُ فوراً.. أمّا ملوكُنا فلا يأتيْ أمرُ عزلِهم إلّا منَ السَّماءِ.. وحتّى لو أفلَتْ شموسُهم.. تستمرُّ ظلالُهم في وراثةِ الكراسِي؛ لأنّها حِكْرٌ عليهِم دونَ سائرِ الخلقِ.

ونحنُ.. وما أدراكَ مَن نحنُ!

فالحديثُ عندَنا ذو شُجُون وأشجانٍ.. علماؤُنا رجالٌ من الطِّرازِ الأسطوريِّ يعلِّمُون النّاسَ أنَّ الخروجَ على طاعةِ السُّلطانِ كفرٌ بالسَّماءِ وإنكارٌ لذاتِ اللهِ.. ولو قَتَلَ كلَّ شعبِه، فهذا حقٌّ إلهيٌّ مقدَّسٌ؛ لأنّ الشّعبَ كلَّه في مزرعتِه خدمٌ وعبيدٌ.

وأصحابُ العِمَاماتِ بشتّى أشكالِها وألوانِها: مُربَّعةً أو دائرةً أو منكسِرةَ الأضلاعِ.. سوداءَ أو بيضاءَ أو حمراءَ أو خضراءَ.. قادرُون على نسفِ طائراتِكم، وتدميرِ دبّاباتِكم، وحرْفِ صواريخِكم عن أهدافِها، وقلبِ قدورِ طعامِكم قبلَ أن يَنضُجَ الطّعامُ فيها.

تعالَوا لتتعَلَّمُوا منّا ماهيةَ الاختراعِ، وحقيقةَ الاكتشافِ، وجوهرَ الإبداعِ، وسرَّ ما لا سرَّ لهُ لا في الأرضِ ولا في السَّماءِ.. تعالَوا لنُدرِّسَكم فنونَ مسْخِ الإنسانِ.. تعالَوا لنُريَكم اللهَ الّذي لا تُؤمنونَ به، فنحنُ أمَّةُ الأممِ وقِمّةُ القِممِ.

الشارقة في 7/1/2016

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات