صراعُ الأضداد- الوطنُ والغربةُ -3

آثارُ الغُربة

لا شكّ في أنّ للغربةِ محاسنَ ومنافعَ، كما أنّ لها أضدادَها من القبائحِ والأضرار، وتختلفُ نظراتُ الأدباءِ والمفكّرين تبعاً للظّروفِ والتّجارب الّتي عانَوا منها أو أنِسُوا إليها. ومن هنا يمكنُنا أن نستشِفَّ ما للغربةِ من آثارٍ إيجابيّة، وما لها من آثارٍ سلبيّة على حياةِ المغتربِ مادّيّاً ومعنويّاً.

فثمّةَ أدباءُ ومفكّرون رأَوا في الغربةِ تجديداً للحياة بعدَ مللِ المقامِ في وطنٍ أماتَ فيكَ كلَّ إحساسٍ جميل بالحياةِ وبين أناسٍ سحقُوا في ذاتِك كلَّ شعورٍ إنسانيّ حرّ نبيلٍ، فالغربةُ تجدّدُ النَّفسَ وتُبعدُ عنك المللَ وتُكسِبُ وجهَك إشراقاً جديداً، كما أنّ النّاسَ يحبُّون الشّمسَ في كلِّ إشراقةِ صباحٍ، ولو أنّها ظلّتْ في إشراقةٍ سرمديّةٍ لملَّها النّاسُ وأبغضُوها، وقد عبّر عن ذلك شاعرُنا أبو تمّام الطّائي في قولِه:

وَطـــــــــولُ مُقــــامِ المَرءِ في الحَيِّ مُخلِــقٌ لِديبـــــــــــاجَتَـــــــــيهِ فَاِغــــــــــــــــتَرِب تَتَجَــــــــــــــدَّدِ

فَإِنّي رَأَيتُ الشَـــــــمسَ زيـــــــدَت مَحَبَّةً إِلى الناسِ أَن لَيسَت عَلَيهِم بِسَرمَدِ

أمّا الإمامُ الشّافعيُّ فإنّه يحثُّنا على السَّفرِ والتّغرُّب عن الأوطان؛ لأنّه يرى في الغربةِ والأسفارِ خمسَ فوائدَ، هي: تفريجُ الهمومِ، وكسبُ الرّزقِ، واكتسابُ العلومِ، والآدابِ، وصحبةُ الرّجالِ النّبلاء الشّرفاء:

تَغَرَّبْ عَـــــــنِ الأَوطـانِ في طَلَبِ العُلا وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ

تَفَــــــــرُّجُ هَـــــــــــمٍّ وَاِكتِســـــــــــابُ مَعــيشَـــــــــةٍ وَعِلــــــــــــــمٌ وَآدابٌ وَصُحـــــبَةُ مــاجِـــــــــــــــــــــــدِ

لكنّ الّذين يرونَ في الغربةِ والأسفار ذلّاً ومحنةً ومشقّةً وشدّة في اجتيازِ الصّحارى، فليس لأمثالِ هؤلاءِ من خيرٍ في الحياةِ سوى الموتِ أو العيشِ في قهرٍ وذلّ وهوانٍ في وطن تنهشُ فيه ذئابُ النّاسِ من الوشاةِ والحاسدينَ لحومَ المحيطينَ بهم:

وَإِن قيــــــــــلَ في الأَســــــــــــفارِ ذُلٌّ وَمِحـنَةٌ وَقَطْعُ الفَيافي وَاِكتِسابُ الشَدائِدِ

فَمَــــــــوتُ الفَتى خَــــــــــــيرٌ لَهُ مِــــــن حَياتِهِ بِــــــــــدارِ هَــــــــــــوانٍ بَــــــــينَ واشٍ وَحاسِــــــــــدِ

ويعبّر البُحتريُّ عن هذه النّظرةِ التَّشاؤميّةِ للحياة، حينَما تَحرِمُك يدُ الزّمانِ عطاءً في وطنِك وتعيشُ مُعْدماً، فالبعدُ والرّحيلُ والتَّغربُ هو دربُ الخلاصِ من الفقرِ والحاجة وكسبِ العيشِ:

وإذا الزَّمانُ كساكَ حلَّةَ مُعدَمِ فالبسْ لها حلَلَ النَّــــوى وتغرَّبِ

وهذا أبو العتاهيةِ يرى أنّ لكلِّ إنسانٍ في الحياةِ حاجاتٍ، وقد تُغلقُ الحياةُ أبوابَها أمامَك، لكنْ لا بدّ من بعدِ الضّيقِ أن يأتيَ الفرجُ؛ لأنّ أرضَ اللهِ واسعةٌ:

مَن عــــــــــاشَ قضَّى كثيراً من لُبَانتِــــهِ وللمضَايقِ أبـــــــــــوابٌ مـــــــــــــنَ الفــــــــــــــــرجِ

مَن ضاقَ عنكَ فأرضُ اللهِ واسعةٌ في كلِّ وجــــــــــهِ مَضِيقٍ وجـــــــــــهُ مُنْفرِجِ

وكذلكَ يرى عروةُ بنُ الورد أنّ الرّزقَ لا يأتي إلّا بالسّعي والجدِّ والكدِّ، ولا يمكنُ الاعتمادُ على الآخرينَ أو لومُهم على فقرِك، وإلّا فإنّكَ ستفقدُ الأصدقاءَ والأقرباءَ، ولن يظفرَ بالحاجاتِ إلّا مَن جدَّ وسعى في سبيلِ العيش، وليس من طريقٍ لنيلِ أسبابِ الغِنى سوى التَّغرّبِ عن الأوطان، فإنْ لم يظفرْ بها فقدْ ماتَ معذوراً ولا ينالُه لومُ اللّائمين:

إذا المـــــــرْءُ لم يطلُبْ معاشاً لنفْسِه شَكَا الفـقرَ أو لامَ الصَّـــــــــديقَ فأكْثرَا

وصــــــــــــارَ على الأدنَيْنَ كَلَّاً وأوشَـــــــكَتْ صِــــــــــلاتُ ذوي القُــــــــــــرْبى لهُ أنْ تَنَكَّرا

وما طالبُ الحاجاتِ من كلِّ وُجهةٍ من النّـــــــــــاسِ إلّا مَـــــــــنْ أجَــــــــــــدَّ وشمَّرا

فسِـــــــــرْ في بلادِ اللهِ والتَمِــــــــــسِ الغِـــــنى تعِشْ ذا يســــــــــارٍ أو تمُــــــــــــوتَ فتُــــــعذَرا

ويرى أبو الفتحِ البُستيّ أنّ الإنسانَ الحرَّ الكريم يتنقَّلُ من مكانٍ إلى آخرَ بحثاً عن حياةٍ حرّة كريمة، فيقيمُ حيثُ يجِدُ ذاتَه، ويحقّقُ عزّتَه وكرامتَه، مثلَ الشّمسِ تضيءُ في كلِّ برجٍ من أبراجِها في السّماء:

لَـــــــــــــــــئِن تنـــقّلْــــــــــــتَ مـــــــــــــــــــــــن دارٍ إلى دارِ وصرْتَ بعـــــــــــدَ ثــــــــواءٍ رهــــــــــــنَ أسفارِ

فالحرُّ حرٌّ عزيزُ النّفسِ حيثُ ثوَى والشَّــــــــمسُ في كلِّ بـــرجٍ ذاتِ أنــــــــوارِ

وكذلك يدعُو نِفْطَويه الإنسانَ إلى المخاطرةِ بالنَّفسِ وعدمِ الاستسلامِ والعَجز، فليس للحرِّ عذرٌ إذا تقاعسَ عن السَّعيِ، فإن لم يظفرِ الإنسانُ بما يصبُو إليه من مجدٍ وعزّة، فإنَّ الطّريقَ إلى ذلك بالأسفارِ والتّغرّبِ والهجرةِ وشحذِ الهمّةِ للتّغييرِ لا بالإحجامِ والقعودِ والكسلِ:

خاطِرْ بنفسِكَ لا تقعُدْ بمعجزةٍ فليسَ حــــــــــرٌّ على عجْــــــــزٍ بمعـــذُورِ

إنْ لم تنَــــــــــلْ في مقــامٍ ما تُطــــالِبُهُ فأَبْـــــــــــــــلِ عُــــــــــــــــذراً بإدلاجٍ وتهْجـــــــــــيرِ

لن يبــــلغَ المــــــــرءُ بالإحْجامِ همَّتَهُ حـــــــــــــتّى يُباشـــــــــــرَها منـــــــــــــهُ بتَغْـــــــييرِ

وإذا نِلْتَ أيُّها الإنسانُ في أيِّ بقعةٍ من بقاعِ الدُّنيا ثروةً وغنىً فلا تُكثِرْ من شوقِكَ وحنينِكَ إلى بلدِك، فما هي إلّا بلدةٌ مثلَ أيّ بلدةٍ، ولكنّ خيرَهما الّتي أعانَتْك على الزّمنِ الصَّعبِ ومنحتْكَ النِّعمةَ والثّروةَ والطّمأنينةَ، كما قالَ الشّاعرُ:

إذا نلْـــــــتَ في أرضٍ مَعاشـــــاً وثــــــروةً فلا تُكثِرنَّ فيها الـنُّزوعَ إلى الوطـــــــنِ

فمَــــــــــا هيَ إلّا بلْــــــــــــدةٌ مثــــــــــــــــــلَ بلْــــــــــــدةٍ فخيرُهما ما كانَ عوناً على الزّمنِ

وإذا لم تجِدْ في وطنِك عزّةً وكرامةً ورزقاً طيّباً وتنكّرَ لك، فدعِ الدّيارَ وشدَّ الرّحالَ إلى بلادِ الله الواسعةِ، فليس مقامُكَ واجباً مقدّساً في دارِك التي أذلَّتْك بعد عزّةٍ، كما قالَ الشّاعرُ:

وإذا الــــدّيارُ تنكَّرَتْ عن حالِها فـــدَعِ الدّيارَ وأسْرعِ التَّحْــــــويلا

ليسَ المقامُ عليكَ حقّاً واجباً في منزلٍ يَـــــــــدَعُ العـــــــــــــزيزَ ذلِيْـــــــــلا

ومن مآثرِ الغربةِ ومحاسنِها أنّها: “تجعلُ من الغرباءِ أصدقاءَ. وتجعلُ من الأصدقاءِ إخوةً”! كما عبّر عن ذلك الأديبُ عبدُ الله العُتيبي.

وشتّانَ ما بينَ وطنٍ يَجني عليكَ بالفقرِ وبينَ غربةٍ تمنحُك الغِنى، فالأوّلُ هو الغربةُ، والثّانيةُ هي الوطنُ، على نحوِ ما عبّر عنه الإمامُ عليُّ بنُ أبي طالب: “الغِنى في الغربةِ وطنٌ والفقرُ في الوطنِ غربةٌ”.

للغربةِ محاسنُ جمّةٌ كما قدّمْنا آنفاً، ولها مثالبُ كثيرةٌ أيضاً، وقد تكونُ المساوئُ ناشئةً عن الظّروفِ الصّعبةِ الّتي يعيشُها الغريبُ، وليس كلُّ مَن يتغرَّبُ يَحْظى بالرّزقِ والنِّعمةِ والحرّيّةِ والكرامةِ، كما أنَّ الغربةَ بعدٌ وفراقٌ عن الأهلِ والأحبّةِ والخلّانِ وذكرياتِ الطّفولةِ والصّبا في مسقطِ الرّأسِ والوطنِ الأمّ.

ولذلكَ نرى بعضَ المفكّرينَ قد وصفُوا الغربةَ وصفاً دقيقاً، فبيّنُوا ما لها من آثارٍ سلبيّةٍ على نفسِ المهاجرِ، إذ نجدُ المثلَ الرّوسيَّ قد شبَّهَ نفسَ الغريبِ بالغابةِ المظلِمة، ومنهم مَن شبَّهَ الغربةَ بالرّبوِ الّذي لا علاجَ له، وأصعبُ أنواعِ الغربةِ هي غربةُ الأديبِ والكاتب والشّاعر؛ لأنّ الكتابةَ بحدِّ ذاتِها غربةٌ، كما في قولِ مُريد البرغوثي: “يُصابُ المرءُ بالغربةِ كما يُصابُ بالرّبو ولا علاجَ للاثنينِ.. والشّاعرُ أسوأُ حالاً؛ لأنّ الشّعرَ بحدِّ ذاتِه غربةٌ.

وما أقْسى الغربةَ “على مَن لا يملكُ زهرةَ ياسمينةٍ أو ذِكْرى ياسمينةٍ.. ومَن يُنكِرُ أنّ الغربةَ حياةٌ مستعارةٌ؟” كما رأتِ الكاتبةُ غادة السّمّان.

وكلُّ الأماكنِ متشابهةٌ إذا أحسَّ الإنسانُ بالغربة، كما في قولِ الكاتب عبده خال: “كلُّ الأمكنةِ متشابهةٌ، إذا أحسستَ بالغربة”. وأغربُ الغرباءِ مَن تأتيه الغربةُ من داخلِه كما في قولِ الكاتب أحمد بهجَت. وأسوأُ أنواعِ الغربة هي الّتي تكون بسببِ سلطةٍ مستبدّة فيموتُ الغريبُ وتتعدّد المقابرُ، كما يرى الشّاعر العراقيُّ الكبير مظفّر النّواب: “سيّدتي صار لنا أكثرُ من مقبرةٍ في الغربةِ والسُّلطةُ من أفضال اللهِ علينا باقيةٌ والحزنُ جميل”. وأقْسى ما في الغربةِ أنّك تعملُ وتُفني حياتَك فيها، وعندَما تكبرُ وتصبح عاجزاً عن العمل تقذفُك لموطنِك، كما رأى الكاتبُ عبده خال: “الغربةُ هكذا تمضغُك وعندما تصبحُ غير صالحٍ لشيءٍ تقذفُك لموطنِك..”.

ويدعو الشّاعرُ عليُّ بن الجَهْم بالرّحمةِ على ذلك الغريبِ الّذي فارقَ أهلَه وأحبابَه دون أن يجنيَ ثمرةً له ولأحبابِه، وكان في دار أهلِه عزيزاً كريماً، وحينَما يئِس ممّا جناهُ من بؤسٍ في غربتِه، عدَّ ذلك قضاءً عادلاً من الله:

وار حْمَتــــا للغــــــــــــريبِ في البلــــدِ النّــــــــــازحِ مـــــــاذا بنفسِهِ صنَعَا

فارقَ أحبـــــــــابَه فمــــــــــا انتفعُوا بالعيشِ من بعدِه ولا انتفَعا

كانَ عـــــــــــــــزيزاً بقُـــــــــــربِ دارهِـــــــــم حتّى إذا مـا تبَــــــاعدوا خشِــــعَا

يقــــــــــــولُ في نأيِــــــــــــــــــهِ وغــــــــــــــــربتِــــــهِ عـــــــــدلٌ مــــن اللهِ كلُّ مـا صنَعا

ومن مساوئِ الغربة أنّ الإنسانَ تتشابهُ عليه الأمورُ فلا يكادُ يميّزُ بين عدوٍّ وصديقٍ، وعلى الغريبِ أن يكرّمَ نفسَه حتّى يُكرّمَ، كما قال زهيرُ بن أبي سلمى:

ومَن يغْترِبْ يحسَبْ عدوّاً صديقَهُ ومَـــــــــــــن لم يُكــــــــــــــــرِّمْ نفسَــــــــهُ لم يُكَــــــــــــرَّمِ

وكلُّ غريبٍ مهما طالَتْ غربتُه لا بدَّ أن يعودَ إلى أهلِه ووطنِه، ولكنَّ الموتَ قد يَحرِمُ الغريبَ من أن يرى أهلَه ووطنَه، فيُدفنُ في غربتِه غريباً، كما في قولِ عبيد بن الأبرص:

وكلُّ ذي غَيبــــــــةٍ يــــــؤوبُ وغائبُ الموتِ لا يؤوبُ

ومن آثارِ الغربةِ السّلبيّةِ أنّ الغريبَ بعد فراقِ أصحابِه لا يعرفُ طعماً للرّاحةِ والنّوم، فهو في سهرٍ دائمٍ يعدُّ النُّجومَ، وقد يَقْضي عمرَه كلَّه دون أن يظفرَ منهُ بغايتِه، ويَقضي أيّامَه في شوقٍ وحزن؛ لأنّ الغريبَ في كمدٍ وحزن وهمٍّ ما ظلَّ غريباً، كما عبّر عن ذلك ابنُ معصومٍ المدنيّ:

هل يَعلمُ الصَّحبُ أنّي بعدَ فُرقَتِهم أبِيــــتُ أرعَى نجــــــــــومَ اللَّيــــــــلِ سَهْرانا

أَقْضي الزّمـــــــانَ ولا أَقْضي بهِ وطَراً وأقطعُ الدَّهــــــرَ أشْـــــواقاً وأشْــجَانا

ولا غـــــــــريبَ إذا أصبحْـــتُ ذا حَــــــــــــزَنٍ إنَّ الغـــــــــــريبَ حـــــــــــــزينٌ حيثُـــمـــــــا كانَـــــا

وقد تكونُ الغربةُ صعبةً ومرّةً إذا ما وقعَ الغريبُ بين أناسٍ جُبِلُوا على البُغضِ، فليس أمامَ الغريبِ إذ ذاكَ إلّا مداراتُهم وإرضاؤُهم؛ لأنّ الدّارَ دارُهم والأرضَ أرضُهم، كما عبّر عن ذلك ابنُ شرفِ القيروانيّ:

إنْ ترمِــــكَ الغـــــــــربةُ في معْشــرٍ قد جُبِلَ الطَّبعُ على بُغضِهم

فدارِهِـــــــــمْ ما دمْــــتَ في دارِهِـــم وأَرْضِــهم مــا دمْــــتَ في أرضِهم

وقد يصلُ الإحساسُ بالغريبِ إلى شعورِه بأنّه يعيشُ بجسدِه في غربتِه، لكنّ قلبَه مع الأحبَّةِ في ديارِهم، وكأنّ البينَ والفراقَ بينهُ وبين أحبابِه قدرٌ من الله قد حرمَه لذّةَ النّوم، ومادام الفراقُ قدراً مقدّراً فلا بدَّ أن يكونَ اللّقاءُ قدراً مؤجّلاً، كما عبّر عن ذلك صقرُ قريشٍ عبدُ الرّحمن الدّاخل:

أيُّهـــــــــــــــــــا الـــــــــــرَّاكبُ الميَــــــمِّـــــــــــــمُ أرضِي أَقْري مِن بَعْضيَ السَّلامَ لبَعْضي

إنَّ جِسْـــــمي كمَــــــــا علِمْـــــــــــتَ بـــــــأرضٍ وفُـــــــــــــــــــــــؤادي ومــــــــالِكِيــــــــــــــــــــهِ بــــــــــــأرضِ

قُـــــــــــــدِّرُ البَــــــــــــــينُ بينَــــــــــنا فافــــــــــــــــــتَرقْــنـــا وطــوَى البَينُ عن جُفُونيَ غَمْضي

قــــــــــــــدْ قضَى اللهُ بالفِـــــــــــــراقِ علَـــــيْــنا فعَسى باجتماعِـــــنَا سوفَ يَقْضي

وثمَّةَ أقوالٌ كثيرةٌ من الشّعر تُصوّر آثارَ الغربةِ القاسيةِ على نفسِ الغريب، وتعبّرُ عن الهمِّ والحزنِ والذّلِّ والهوانِ وصعوبةِ المعشَر، أُوردُها دونَ تعليقٍ، كما قال أحدُ الشّعراء:

غريبٌ يُقاسي الهمَّ في أرضِ غربةٍ

فيَــــــــــا ربِّ قـــــــــــــــــرِّبْ دارَ كلِّ غـــــــــــــــــريبِ

وقال الحلوانيُّ:

يا نفسُ ويحَكِ في التَّغرُّبِ ذلّةٌ فتَجَــــرّعي كأْسي أذىً وهَــــــــــــــوانِ

وإذا نزلْـــــــــتَ بدارِ قـــــــــــومٍ دارِهِــم فلَهُـــــم علــــــيكَ تعـــــــــــزُّزُ الأوطــــــــانِ

وقال آخر:

إنّ الغريبَ بأرضٍ لا عشيرَ بها كبــــائعِ الرّيحِ لا يُعْطى بــهِ ثمَـنَا

وفي الختامِ نرى أنَّ الغربةَ متعدِّدةُ الألوانِ والأشكالِ، منها الغربةُ عن الوطنِ، ومنها الغربةُ عن العالمِ، ومنها الغربةُ عن الذّات.. بعضُها غربةٌ لطلبِ الرّزق، وبعضُها غربةٌ قسريّةٌ، وبعضُها غربةٌ للحصولِ على مكاسبِ هويّةٍ أخرى، وقد يكونُ للغربةِ من المحاسنِ قدَرَ ما لها من المساوئِ، لكنّ الغربةَ مهما كانتْ جميلةً ومحفوفةً بالنّعم، إلّا أنّ الحنينَ إلى ذكرياتِ الأهلِ والأحبّة أقْوى وأشدُّ.

الشّارقة في 12/6/2023

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات