صراعُ الأضدادفي الإنسان والوجود

مقدّمة عامَّة

حينَما تتصارعُ الأضدادُ في ذاتِ الإنسانِ، ويتأمَّلُ الحياةَ بعينِ العقلِ، فلا يرى تفسيراً منطقيّاً لما يعتمِلُ في كيانِها من صراعٍ بين وجوهِها الجميلةِ وبراقعِها القبيحةِ الّتي تُواري ما فيها من جمالٍ، فلا يلوحُ في الأفقِ القريبِ ولا البعيدِ حلٌّ لهذا الصِّراعِ المتجذِّرِ منذُ بدايةِ التَّكوينِ، وإنَّما نَرى أنَّ الحياةَ كلَّما تطوَّرتْ، وكلّما ارتَقى الإنسانُ بعلومِه واختراعاتِه واكتشافاتِه، كلَّما زادَ شقاؤُه وبؤسُه وضياعُه وغربتُه، وحينذاكَ يبحثُ المفكِّرُ عن حلٍّ لهذا الصِّراعِ، فلا يجدُ أمامَه من وسيلةٍ تخفِّفُ وطأةَ هذه التَّناقضاتِ على الإنسانيَّةِ بأسرِها، وهي تعيشُ في قلقٍ ودوَّامةٍ من اليأسِ إزاءَ الهُوَّةِ الشَّاسعةِ ما بين ثنائيّاتِ هذا الصّراعِ، إلّا بتأجيجِ الصِّراعِ بينَه وبين الكلماتِ، لعلّها تنطقُ بما يجلُو الحقائقَ، ولعلَّها تبوحُ بما لا تستطيعُ البوحَ به النَّفسُ إلّا في بيانِ حقائقِ هذا الصِّراعِ الّذي لا تحمِلُ اللُّغةُ وِزْراً منهُ، وإنّما تتّجهُ أصابعُ الاتّهامِ إلى الإنسانِ ذاتِه، هذا المخلوقِ الّذي حباهُ اللهُ كلَّ النِّعمِ، لكنّه تحوَّلَ من آدميٍّ إلى وحشٍ لا يُبالي بآلامِ الآخرينَ ولا بهمومِ الإنسانيّةِ الّتي باتتْ على شَفَا حُفرةٍ من النَّارِ، وهو يسعَى لامتلاكِ القوَّةِ والمالِ في سبيلِ إشباعِ نهمِه في السَّيطرةِ والتَّجبُّرِ على الحياةِ وكلِّ كائناتِها، دونَ ورعٍ ولا خشْيةٍ من السَّماءِ ولا ربِّ السّماءِ، ودون تقديرٍ لسوءِ المصيرِ في جهنَّمَ بالرّغمِ من أنّهُ يرتَدي ثوبَ الخُشوعِ، ويلْتَحي بلِحىْ الشَّرائعِ السّماويّةِ!

وفي خِضمِّ هذا التَّشاؤمِ والصّراعِ مع الحياةِ، لم أرَ من كائنٍ يمتلكُ القدرةَ على توضيحِ تلكَ التَّناقضاتِ، إلّا الكلِماتُ الّتي تمثِّلُ طرَفيّ النَّقيضِ، فوجَّهتُ سهامَ نقْدي وشكِّي إلى مفرداتِ اللُّغةِ عسَاها تجدُ حلّاً، أو تنتبِذُ ركناً قصيَّاً من حياةِ الأممِ، وها أنا أحاورُ تلكَ الكلماتِ وأُنْطقُها، لعلَّها تبوحُ بما يريحُ النَّفسَ ويَشْفي الغليلَ ويُرْضي الضَّميرَ!

ومن هذهِ الثُّنائيَّات اللُّغويَّةِ المتناقضةِ الّتي سأتناولُها بحِواري في هذهِ المقالةِ: (الغِنى والفقْرُ – الجمالُ والقبحُ – الخيرُ والشَّرُّ – الكِبرُ والتَّواضعُ – العلمُ والجهلُ – الحقدُ والتَّسامحُ – الحربُ والسِّلمُ – الحرّيَّةُ والعبوديَّةُ – الحياةُ والفناءُ – السَّعادةُ والشَّقاءُ – الأملُ واليأسُ – التَّفاؤلُ والتَّشاؤمُ..). ربَّما أتناولُ كلَّ واحدةٍ على حدةٍ، وربَّما أجمعُ في مقالةٍ واحدةٍ بينَ النَّقيضينِ حسْبَ ما تَفيضُ به قريحتِي من إبداعٍ أدبيٍّ وفكريٍّ.

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

السّعادةُ والشّقاءُ

يختلفُ مفهومُ السّعادةِ والشّقاءِ باختلافِ المجالِ الفكريِّ والآراءِ والتَّوجُّهاتِ، فنجدُ مفاهيمَ عديدةً تختلفُ بينَ اللُّغةِ والفلسفةِ وعلمِ النَّفسِ والاجتماعِ والدّينِ وغيرِها من مجالاتِ الفكرِ والمعرفةِ…

الحقدُ والتسامحُ

بدايةً أبتدئُ مقالتِي بنظراتِي الأدبيّةِ والفكريّةِ في الحقدِ والتّسامحِ؛ لأصوغَ منها عباراتٍ تفيضُ بمحبَّتي الّتي لا تعرفُ حدوداً في التّسامحِ، ولا تقفُ أمامَ جدارٍ مظلمٍ…

تعليقات