التّفاؤلُ والتَّشاؤمُ -1

في اللُّغة

تفاؤُل: (مصدر تَفَاءلَ) هُوَ دَائِمُ التَّفَاؤُلِ: دَائِمُ الانْشِرَاحِ، مَنْ يَرَى كُلَّ شَيءٍ جَمِيلٍ عَكْسُ التَّشَاؤُمِ. تَفاءلَ: (فِعل) من يتفاءَلُ تفاؤُلاً، فهو مُتفائِل، والمفعولُ متَفاءَل به: تَفاءَلَ به: افْتَألَ تَفَاءلَ بِهِ خَيْراً : تَيَمَّنَ بِهِ جَدِيرٌ أَنْ يَتَفَاءلَ بِهِ، تَفَاءلَ بِرُؤْيَةِ البَشِيرِ : رَأَى أَنَّهُ يَحْمِلُ لَهُ خَبَراً سَارّاً وَصَلاَحاً وَخَيْراً، تَفَاءلُوا بِالخَيْرِ تَجِدُوهُ: غَلِّبُوا الخَيْرَ عَلَى الشَّرِّ.

تَشاؤُم: (اسمٌ) مصدرُ تَشَاءمَ، تَشَاؤُمُهُ يُزْعِجُنِي: تَطَيُّرُهُ، عَكْسُ التَّفَاؤُلِ. تَشاءمَ: (فِعل) تشاءمَ من يتشاءَمُ، تشاؤماً، فهو مُتشائِم، والمفعولُ مُتشاءَمٌ به، تَشَاءَمَ الْمُسَافِرُ: تَطَيَّرَ، أَيْ تَوَقَّعَ حُدُوثَ الشَّرِّ . تَشَاءمَ مِنْهُ، بِهِ فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ: اِعْتَبَرَهُ شُؤْماً.

في الفكرِ والأدبِ

الحياةُ ثَمِلةٌ بالمصائبِ والشُّرورِ والحروبِ، بالخرابِ والدَّمارِ، بالتّنافسِ لقهرِ الشُّعوبِ وإفقارِها وإذلالِها واحتلالِ بلدانِها، انتَهى عهدُ الإمبراطوريّاتِ والاستِعمارِ والاحتلالِ؛ ليبدأَ عصرُ الهيمنةِ بشتَّى أشكالِها وألوانِها، تارةً باسمِ الحضارةِ ونشرِ التَّمدُّنِ، وتارةً أُخرى بمحاربةِ الإرهابِ والتَّطرُّفِ، وتارةً ثالثةً بحُججِ الأمنِ القوميِّ وحفظِ السِّلمِ العالميِّ، وكلٌّ يتسابقُ إلى امتلاكِ أعْتى أسلحةِ الدَّمارِ الشَّاملِ الّتي تُنْهي العالمَ في هنيهةٍ من هُنيهاتِ الجُنونِ والتَّهوُّرِ اللّذينِ يَسِمانِ معظمَ القادةِ العسكريّين.

وفي خِضمِّ هذهِ الصُّورِ المأساويّةِ للعالمِ، هل بقيَ للتَّفاؤلِ مقامٌ أمامَ هولِ التّشاؤمِ ممّا يحيطُ بالعالمِ من نهايةٍ مأساويّةٍ تُنذِرُه بالزّوالِ بتدميرِ الكرةِ الأرضيّةِ وقربِ نهايةِ العالمِ، والدّلائلُ أكثرُ من أنْ تُعدَّ أو تُحْصى، والنُّبوءاتُ الدّينيّةُ والفكريَّةُ تشيرُ بوضوحٍ إلى هذهِ النّهايةِ بلا أدْنى ريبٍ! ولكنْ علَينا ألّا نفقدَ الأملَ مهْما ادلهمَّتِ الحياةُ بجلابيبِ الدُّجى والتّشاؤمِ، فمِنْ بينِ الظَّلامِ الحالكِ لا بدَّ أن يُشرقَ شعاعُ النُّورِ والخلاصِ، كمَا عبَّر عن ذلكَ المفكّرُ العربيُّ مُصطفى محمُود: “على الرّغمِ من الحاضرِ الظّالمِ، فإنّني شديدُ التَّفاؤلِ شديدُ الثّقةِ بأنَّ الفجرَ يقتربُ، وأنّ الصُّبحَ الوليدَ قادمٌ من هذا المخاضِ الدَّمويّ الرَّهيبِ”. وحتّى لو جهِلْنا ماذا يُخبّئُ لنا المستقبلُ من مصيرٍ مجهولٍ، علَينا أن نُخبِّئَ لهُ التَّفاؤلَ، كمَا قال المفكِّرُ الإيرلنديُّ جورج برنارد شُو: “لا أعلمُ ماذا يُخبّئُ لي الغدُ، ولكنّي خبَّأْتُ له التّفاؤلَ”.

ونظلُّ مُتمسِّكينَ بالإيمانِ وبمعرفةِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنّ الإيمانَ بقدرةِ اللهِ على التَّغييرِ وقلبِ الحزنِ إلى فرحٍ والتَّشاؤمِ إلى تفاؤلٍ والضّيقِ إلى فرجٍ هو المخرجُ الحقيقيُّ لنعيشَ بسعادةٍ، كمَا عبّرَ عن ذلكَ ابنُ القيِّمِ رحمَه اللهُ: “في القلبِ حزنٌ لا يُذهِبُه إلّا السُّرورُ بمعرفةِ اللهِ”. والتَّفاؤلُ إيمانٌ مقرونٌ بالأملِ والثّقةِ يُؤدّي إلى الإنجازِ وتحقيقِ ما نتطلَّعُ إليهِ، على نحوِ ما عبَّرتْ عنهُ هيلين كيلر: “التّفاؤلُ هو الإيمانُ الّذي يُؤدّي إلى الإنجازِ. لا شيءَ يُمكنُ أنْ يَتِمَّ دونَ الأملِ والثّقةِ”.

ولذلكَ وجبَ علَينا غرسُ كلِّ يومٍ بفرصةٍ منَ التّفاؤلِ ليكونَ جميلاً، وعلَينا أنْ نُصِرَّ على التَّفاؤلِ؛ لأنّ ذلكَ يُحقِّقُ ما كانَ مُستَحيلاً، كمَا في قولِ مارك توين: “امنحْ كلَّ يومٍ الفرصةَ لأنْ يكونَ أجملَ أيّامِ حياتِكَ”. وكمَا نَرى في قولِ وليَم شِكْسبير: “الإصرارُ على التَّفاؤلِ قد يصنعُ ما كانَ مستحيلاً”. والإحساسُ بالتَّفاؤلِ لا بدَّ أن يَعقِبَه أمرٌ جميلٌ كمَا أنَّ التَّفاؤلَ بالخيرِ يُثمِرُ خيراً، وهذا ما عبَّرَ عنهُ باولو كويللو في قولِه: “شعورُك بالتَّفاؤلِ يَعني أنَّ هناكَ شيئاً جميلاً قادِماً”.

ويجبُ أن يقترنَ الشُّعورُ بالتَّفاؤلِ بالعملِ والسَّعيِ والجهدِ، كما أنَّ الوردةَ لا يُمكنُ أن تتفتَّحَ إلّا بغرسِ نبتَتِها وسقايتِها ورعايتِها، وكذلكَ كلُّ ثمرةٍ لا يُمكنُ أن تنضجَ إلّا بزراعةِ شجرتِها والعنايةِ بها على نحوِ ما نهتمُّ ببناءِ الطُّفولةِ حتّى تكبرَ، فنَبْني الشَّبابَ ونُنتجُ الرُّجولةَ، يقولُ الرّوائيُّ نجيبُ محفُوظ: “كثيرٌ منَ النّاسِ يظنُّ أنَّ التَّفاؤلَ هو انتظارُ خروجِ وردةٍ دونَ أن يزرعَها بعدُ”. ونحنُ مَن يغرسُ بذورَ التّفاؤلِ أو يبذرُ بذارَ التَّشاؤمِ في تفكيرِنا ومُعتَقداتِنا، كما قالَ إبراهيمُ الفقي: “عقلُكَ مثلَ حديقةٍ، إمّا أنْ تزرعَها بورودِ الأملِ والتَّفاؤلِ أو تملَأَها بشوكِ اليأسِ والتَّشاؤمِ.. تفاءَلُوا بالخيرِ تجِدُوهُ”.

ولا أحدَ يَشكُّ في أنَّ التَّفاؤلَ هو أكثرُ العواملِ الّتي تُحقِّقُ النَّجاحَ والسَّعادةَ في الحياةِ، كمَا قالَ بريان تريسي: “التَّفاؤلُ هو الميزةُ الأكثرُ ارتباطاً بالنَّجاحِ والسّعادةِ منْ أيّ شيءٍ آخرَ”.

ويجِبُ علَينا النَّظرُ إلى الحياةِ بعينِ التَّفاؤلِ حتّى لا نقَعَ ضحيَّةَ التَّذمُّرِ والشَّكْوى اللَّذينِ يستَهلِكانِ منّا جلَّ تفكيرِنا ووقتِنا دونَما فائدةٍ، وإنّما يزيدانِ الطّينَ بلَّةً والهمومَ عِبْئاً وعلّةً، كمَا تقولُ كلير أوستن: “انظرْ الى الحياةِ بتفاؤلٍ.. التَّذمُّرُ والشَّكْوى من المشاكلِ الّتي تعترضُ طريقَنا يستهلكُ تفكيرَنا ووقتَنا دونَ طائلٍ”.

ويجبُ أن نضعَ نُصْبَ أعيُنِنا الحقيقةَ الفلسفيَّةَ لنتاجِ كلٍّ منَ التَّشاؤمِ والتَّفاؤلِ، فالأوّلُ يُورثُ الضَّعْفَ، والثّاني يقودُنا إلى القُوَّةِ، كمَا في رأيِ سيغموند فرويد: “التَّشاؤمُ يُفْضي إلى الضَّعفِ، بينَما التَّفاؤلُ يقودُك إلى القوّةِ”. وكذلكَ فإنّ التَّشاؤمَ يحجُبُ عن أبصارِنا كلَّ جميلٍ، مثلمَا تحجُبُ عنَّا دموعُ البكاءِ على غيابِ الشَّمسِ متعةَ النَّظرِ إلى النُّجومِ ليلاً، على نحوِ ما عبَّرتْ عنهُ فيُوليتا بارا: “لا تبكِ إذا ذهبَتِ الشَّمسُ، فدموعُكَ ستَحجبُ عنكَ رؤيةَ النُّجومِ”. ولأنَّ التَّشاؤمَ مرضٌ نفسيٌّ يدفعُ بالمتشائمِ إلى إنكارِ رؤيةِ الضَّوءِ حتّى وإنْ أبصرَتْه مُقلَتاهُ، كمَا يقولُ بيرون: “المتشائمُ.. أحمقُ يَرى الضَّوءَ أمامَ عينَيهِ، لكنَّهُ لا يُصدِّقُ”.

وثمَّةَ فروقٌ جوهريَّةٌ بينَ المتفائِلينَ والمتشائِمينَ، “فالمتفائلُ هوَ مَن ينظرُ إلى عينَيكَ، والمتشائمُ هو مَن ينظرُ إلى قدمَيكَ”، كمَا قالَ تشسترتون. وكذلكَ يتذمَّرُ المتشائمُ في نظرتِه إلى الورودِ حينَما يَراها بينَ الأشواكِ، أمّا المتفائلُ فإنَّه يَرى جمالَ الورودِ فوقَ أشواكِها، على نحوِ ما عبّرَ عنهُ جبرانُ خليل جبران: “هناكَ مَن يتذمَّرُ لأنَّ للوردِ شوكاً، وهناكَ مَن يتفاءلُ لأنَّ فوقَ الشَّوكِ وردةً”. ولذلكَ كانَ لزاماً أنْ نَبتسِمَ؛ لنستقبلَ هِباتِ التَّفاؤلِ من الحياةِ، ونقهرَ عواملَ اليأسِ ونقوّيَ عزيمتَنا، على نحوِ ما عبَّرَ عنهُ نجيبُ محفوظ: “ابتسِمْ لتقهرَ يأسَكَ، ابتسِمْ لتُقوّي عزيمتَكَ، وتستقبلَ هِباتِ الحياةِ بتفاؤلٍ”.

رأيْنا ممَّا سبقَ أنّ المفكّرينَ والأدباءَ دعَونا في أقوالِهم إلى التَّفاؤلِ وعدمِ الاستِسلامِ لليأسِ والتّشاؤمِ، وفي ميدانِ الشّعرِ يطالِعُنا الشُّعراءُ بأبْهى قصائدِهم الّتي تدعُونا إلى التَّحلّي بالتَّفاؤلِ والتَّخلّي عنِ التَّشاؤمِ، وسأَقْصرُ جُهدي هُنا على أجملِ ما وقَعَت عليهِ قريحَتي في ديوانِ الشِّعرِ العربيِّ، وأتناولُه بالتَّحليلِ والتَّعقيبِ والتَّوضيحِ. من ذلكَ ما قالَهُ الإمامُ الشَّافعيُّ رحمَهُ اللهُ:

هِمَّـــــــــتي هِمَّـــــــــــةُ الملُــــــــــــوكِ ونفْسِي

نَفْسُ حُــــــــرٍّ تَرَى الْمَذَلَّـــــــــــــةَ كُفْـــــــــــــرَا

أَنَا إنْ عِشْتُ لَسْتُ أعْدَمُ قُوْتاً

وَإذا مُــــــــــتُّ لَسْـــــــــــتُ أعْـــــــدَمُ قَـــــبْرَا

وإذا مــا قنِعْتُ بالقُـــــوتِ عُمْـري

فَلِمَـــــــــــاذَا أزورُ زَيْـــــــــــــــــــداً وَعَمْــــــــــــــــرَا

إذنْ على المرءِ أنْ يتَحلّى بالشَّجاعةِ وسعةِ الهِمّةِ وعزّةِ النَّفسِ لتَحقيقِ أمانيهِ منْ أجلِ أن يتجنَّبَ ذلَّ السُّؤالِ، فإنْ لم يستطِعْ تحقيقَ جُلَّ أمنياتِه، فلنْ يَقضيَ نحبَهُ جوعاً، وإنْ ماتَ فلنْ يَعدمَ جدَثاً يُوارَى فيهِ جثمانُه، ولذلكَ وجبَ على الإنسانِ أن يقنعَ بما يملكُ من قوتِ يومِه وألّا يُذِلَّ نفسَه لزيدٍ أو عمرٍو منَ النَّاسِ في طلبِ العونِ.

ويقولُ الشَّاعرُ عبدُ الرَّحمنِ العَشْماوي في قصيدتِه (إشراقةُ أملٍ):

سِــــــــــــتارُ ظـــــــــــــــلامِ اللَّــــــــــــيلِ ســـــــــوفَ يُجَــــــابُ

وتُسْــــــــــــقَى بأضـــــــــــواءِ الصَّبـــــــــــاحِ رِحَــــــــــــــابُ

وســــــــــــوفَ يُبِينُ الفَجْـــــــــرُ مـــا كانَ خافِـــــــــــيَاً

ويُفْتَـــــــــــــــــحُ مــــــــــــــــنْ بعـــــــــــــدِ التَّغلُّـــــــــــــــقِ بــــــــــــــــابُ

وتَشْــــــــــــدُو عصــــــــــافيرُ المُنى بعــــــــــــدَ صَمْــــتِها

ويَخْلـــــــــعُ ثـــــــــوبَ الشُّــــــــــؤمِ عنـــــــــهُ غُــــــــــــــــــرابُ

وتَخْلُـــــــــصُ مــــــــــنْ مَعْـــــــــنى التَّشاؤمِ بُومــــــــةٌ

لهَــــــــــــــــــــــــــا لـــــــــغةٌ مـــــــــــــنْ حُبِّهــــــــــــــــــــــا وخِطَــــــــــــــــــابُ

ومَـــــــــا الشُّـــــــــــــــؤمُ إلّا في نفُــــــــــوسٍ مريضَـــــــــةٍ

علَيها مـــــــــــنَ اليَـــــــــــــأْسِ الثَّقــــــــــيلِ حِجَـــــــــــابُ

فهيَ قصيدةٌ تعبِّرُ عن حالِ الأمّةِ الّتي أصابَها الذُّلُّ والخنوعُ وحلَّ بها اليأسُ، يردُّ فيها الشَّاعرُ على هؤلاءِ الغربانِ الّذينَ يُوجّهُونَ سهامَ نقدِهم وحقدِهم على أمَّتِنا فينهالُونَ عليها بالتُّهمِ الباطلةِ بالتَّخلُّفِ والتَّقَهقُرِ ، داعياً إلى شحْذِ الهِممِ بقوّةِ العزيمةِ، فمَهْما طالَ اللّيلُ بظلماتِه، لا بدَّ أن يُولَدَ فجرٌ جديدٌ، وينبعثَ النُّورُ من رحِمِه؛ لتنكشِفَ الحقائقُ ويَبينَ كلُّ مستورٍ وتتفتَّحَ الأبوابُ المغلقةُ، فتُنشِدُ العصافيرُ أجملَ ألحانِها بعدَ صمتٍ طويلٍ، ولا بدّ للغرابِ أنْ يخلعَ عنهُ ثوبَ الشُّؤمِ ولا بدَّ للبومةِ أنْ تتخلَّصَ من دلالتِها على التَّشاؤمِ، فالتَّشاؤمُ مرضٌ يلازمُ كلَّ نفسٍ معتلَّةٍ أثقلَها اليأسُ بالهمومِ فيحجبُ عنها كلَّ بارقةِ أملٍ في الخلاصِ.

ثمّ يوجِّهُ الشّاعرُ نصائحَه لهؤلاءِ اليائسينَ الّذين زلّتْ أقدامُهم في المسيرِ ومَن هانَتْ عزيمتُهم عندَ الخطوبِ بأنّ القمرَ لا بدَّ أن يُصبحَ بدراً ليخترقَ ظلماتِ اللّيلِ بأنصعِ ضيائِه، ولا بدّ أن تُورقَ أشجارُ الوفاءِ وتخلعَ قشورَها الخادعةَ؛ لتمنحَ عطاءَها للصَّادقينَ الصَّابرينَ لُبابَ الخيرِ والجُودِ، ولا بدَّ لأرضِ المحبَّةِ والسَّلامِ أن تُخصِبَ من جديدٍ بعدَ أن أصابَها جدْبٌ وقُحطٌ؛ وموعدُها معَ السَّحابِ قريبٌ، وستُشرقُ شمسُ حضارتِنا من ههُنا ونَعْتلي صهواتِ المجدِ والسُّؤددِ ما دمْنا متمسِّكينَ بأهدابِ الشّريعةِ الإلهيّةِ السَّمحةِ الّتي تستمدُّ أنوارَها من كتابِ اللهِ وسنَّةِ رسولِه الكريمِ:

أقــــــــــــولُ لمـــــــــــــــــــــنْ زلَّ الطَّـــــــــــــــريـــــــقَ بخَطـْـــــــــوهِ

ومَنْ عَــــــــــــــــزْمُهُ عنــــــــــــــدَ الخُطُـــــــــوبِ يُـــــذَابُ

سيَمنَحُنا وجــــــــــــــــهُ الهِــــــــــــــــــــلَالِ اســــــــــــتِدارةً

ويَفْتـــــــــــــحُ بابــــــــــــــاً في الظَّــــــــــــــــــــــــــلامِ شِـــــــــــــــــــهَابُ

ســــتُـــــورِقُ أشـــــــجارُ الوفـــــــــــــــــــــاءِ وتَرتَــــــــــــــــــــمي

قشُـــــــــــــــورٌ، ويَبْــــــــــــقى للصَّـــبُـــــــورِ لُبَـــــــــــــــــــــــــــــابُ

ستُخْصِبُ أرضُ الحُبِّ منْ بعدِ جدْبِها

ويُسْــــــعِفُها بعـــــــــــــــــــــدَ الجَفــــــــــــــــافِ سَحَـــــابٌ

سَـــــــــــــــنَرقَى ونَــــــــــــــرْقى ثـــــــــــــمَّ نَــــــــــــــــــــــــــرْقى، لأنَّنَــــــــــــا

تُحَــــــــــــكَّمُ فـــــــــيْــــــــــــــــــنَــــــا سُــــــــــــــــــــــــنَّــــــــةٌ وكِتَـــــــــــــــــــــــابُ

ويقولُ الشّاعرُ أحمد مطر في قصيدتِه (طائرُ الأماني):

لو بَقِيَتْ لي لحْظةٌ واحِدةٌ

فَسوفَ أحيَاها لأَقْصَاهَا

آخُذُها بشَوقِ مأَخُـــوذٍ بِها

شُكْراً لِمَنْ مَـــــــــنَّ فأَعْطــَاهَــا

أُفرِغُ مِن ذِكْري بِها

ما يَجْعلُ النِّسيانَ يَنْسَاهَا!

أَعِيشُها كأنَّها

مِن لَحظَاتِ العُمْرِ أَحْلاهَا وأَغْلاهَا

إنْ أشْرقَتْ..

فَعَيْشُها يُسْعِدُ قلْبَ سَعْدِهَا

وإن دَجَتْ..

فإنَّهُ.. يُغِيظُ بَلْوَاهَا!

***

لو بَقِيَتْ لي لَفظةٌ واحِدةٌ

فَسَوفَ أحْشُو بالدُّنَا فَاهَا

وَسوفَ أُعْلي صوْتَها

كأنّمَا لَمْ تُخلَقِ الأسْمَاعُ لوْلاهَا!

إن أزْهَرَتْ..

مَدَّتْ لأذْواقِ الوَرَى

رَحِيقَ صَوْتِ لَحْنِها

وَسِحْرَ صَمْتِ كونِها

وَداعبَتْ أنفاسَهُمْ بعِطْرِ مَعْنَاهَا.

وإن ذَوَتْ..

فَحَسْبُها أن تُورِثَ النَّاسَ لَها

في البَذْرِ أشْبَاهَا!

***

بلَحْظةٍ مِنَ المُنَى

وَلَفْظةٍ مِنّي أنَا

سَوفَ أطِيرُ بالدُّنَا

فَوقَ دَنايَاهَا

والبَهاءِ وَالسَّنَا أَحْوي مُحَيّاهَا.

فإنْ دَنَتْ مَنِيَّتي

فَسَوفَ لنْ تَلْقى هُنا

إلاّ مَنَاياهَا!

فعلَى الإنسانِ ألّا يتشاءمَ مهْما شعرَ بدنُوّ الأجلِ، ومهْما أسدلَتِ الحياةُ عليهِ سدولَ الشَّقاءِ والتَّعاسةِ، فيظلُّ للشّاعرِ في الحياةِ لحظةٌ جميلةٌ وكلمةٌ حلوةٌ معبِّرةٌ ومؤثّرةٌ، فهو يتطلَّعُ إلى تلكَ اللّحظةِ؛ ليُحِيلَها إلى سعادةٍ وهناءةٍ وينْسى كآبتَه وشقاءَه؛ لأنّها إن أدبرَتْ لن تعودَ مرّةً أخْرى وفي إدبارِها شقاءٌ وبؤسٌ، وإن بقيَتْ للشّاعرِ في فمِه كلمةٌ سيقولُها، وسيملأُ الدُّنا بها، ويسحرُ بمَعْناها ومَغْناها آذانَ الورَى إن أزهرَتْ، وإن ذوَتْ فلا بدَّ أن تُولِّدَ عندَ النّاسِ ما يُشبِهُها في البَذْرِ، وفي بهاءِ الكلمةِ وجمالِ اللّحظةِ يُحلّقُ الشّاعرُ في السّماواتِ حاملاً أمانيَهُ الجميلةَ وكلماتِه البهيَّةَ، فإنْ أقبلَتِ المنيَّةُ فلن تَلْفى إلّا الأمواتَ على الأرضِ.

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

الأمَلُ واليأسُ

مهْما ادلهمَّتِ الحياةُ وقسَت على البشرِ بأيدي وحوشِ البشريَّةِ، لا بدَّ من أملٍ نسْعى إليهِ ونجدُ فيه لذّةَ السَّعادةِ وتجدُّدِ الحياةِ، ومهْما احلولكَتِ اللّيالي يجبُ…

تعليقات