شرح معلقة عمرو بن كلثوم – ألا هبي بصحنك فاصبحينا

شرح معلقة عمرو بن كلثوم - ألا هبي بصحنك فاصبحينا

هو: عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن زهير التغلبي، من بني تغلب بن وائل، وينتهي نسبه إلى معد بن عدنان، وأمه هي ليلي بنت مهلهل الذي هو أخو كليب المشهور.

وقد ساد عمرو بن كلثوم قومه وهو ابن خمسة عشر عامًا. ومات وله من العمر مائة وخمسون سنة “150”.

وكان فارسًا أبيًا جريئًا، حتى بلغ من أمره أن فتك بالطاغية عمرو بن هند، في بلاط سلطانه.

وكان عمرو بن كلثوم شجاعًا مظفرًا مقدامًا فتّاكًا. وبه يضرب المثل في الفتك، فيقال: أفتك من عمرو بن كلثوم لفتكه بعمرو بن هند.

وكانت وفاته سنة 600 لميلاد المسيح عليه السلام، وسنة 52 قبل الهجرة النبوية. وله من العمر خمسون سنة ومائة “150”.

كان شاعرًا فحلًا مطبوعًا، صافي الديباجة، كثير الطلاوة، حسن السبك، واضح المعاني، شديد الفخر، قوي الشكيمة في الحماسة.

معلقة عمرو بن كلثوم أشهر شعره وأشعره. وهي حماسية فخرية. وما وصل إلينا منها هو جزء يسير منها.

وقد قام عمرو بها خطيبًا في سوق عكاظ، وقام بها في موسم مكة. وبنو تغلب تعظمها جدًّا، ويرويها صغارهم وكبارهم.

والخطب الذي دعا إلى نظمها ليس واحدًا على ما يتراءى لمن يتتبع أبيات القصيدة. ويفهم ذلك من اختلاف الرواة في سبب نظمها. ففي “كتاب الأغاني” يصرح أنه قالها على أثر ما جرى لأمه عند عمرو بن هند وفي كتاب “خزانة الأدب” أنه أنشدها بحضرة الملك عمرو بن هند. فلعله نظمها في الواقعتين.

 

نسبه ونشأته

هو أبو عبّاد عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

أمّا تاريخ ولادته فلا نعرف عنه شيئًا إذ لم تذكره المصادر التي بين أيدينا، وقد جعل كوسين دي برسفال: Caussin de Perceval، مولده حوالي السنة 525م ، وكل ما نستطيع تأكيده هو أن الشاعر عاصر عمرو بن هند، 554م- 570م، وأنه أدرك النعمان بن المنذر، 580- 602م، فهجاه.

وأما مكان ولادته فهو أيضًا غير معروف بالتحديد، وأغلب الظن أنه ولد في بلاد ربيعة، أي في شمالي الجزيرة العربية.

وكان والده من سادات قومه، فتزوج ليلي بنت المهلهل: عدي بن زيد، الشاعر والفارس الذي اشتهر في حرب تغلب وبكر، فنشأ عمرو يكتنفه الشَّرف من الطرفين في قبيلة كانت من أقوى القبائل العربية في العصر الجاهلي، إن لم تكن أقواها، وقد قيل فيها: “لو أبطأ الإسلام قليلًا لأكلت بنو تغلب الناس”.

نشأ عمرو بن كلثوم إذن، في بيت من أسياد تغلب، هذه القبيلة المرهوبة الجانب، فكان من الطبيعي أن يكون معجبًا بنفسه، فخورًا بأهله وقومه، ويظهر أن شاعرنا توافرت لديه من الخصائل الحميدة كالشاعرية، والفروسية، والخطابة والكرم، والشجاعة، ما جعله يسود قومه في سن مبكرة، فقد ذكر أنه ساد قومه وهو ابن خمس عشرة سنة.

أما أخباره، فلم يصلنا منها إلا النزر القليل، ومنه أن الشاعر قضي حياته مدافعًا عن قومه، مشاركًا إياهم في الحروب والغزوات، متنقلًا معهم كرًّا وفرًّا حتى وافته المنية. وأهم أخباره ثلاثة: إنشاده لمعلقته مدافعًا عن قومه عند عمرو بن هند، وقتله لعمرو بن هند، وأسره.

إنشاده لمعلقته

يروي ابن الأنباري والخطيب التبريزي قصة إنشاد عمرو بن كلثوم لمعلقته، فيقولان: “جاء ناس من بني تغلب إلى أبي بكر بن وائل يستسقونهم، فطردتهم بكر (وقيل: دلّوهم على متاهة ضلوا فيها فهلكوا، وقيل: إن سَمَّوما أصابتهم في طريقهم فأبادتهم.) للحقد الذي كان بينهم، فرجعوا فمات منهم سبعون رجلًا عطشًا، ثُمَّ إن بني تغلب اجتمعوا لحرب بكر بن وائل، واستعدت لهم بكر. حتى إذا التقوا كره كلٌّ صاحبه، وخافوا أن تعود الحرب بينهم كما كانت، فدعا بعضهم بعضًا إلى الصلح، فتحاكموا في ذلك إلى عمرو بن هند. فقال عمرو: ما كنت لأحكم بينكم، حتى تأتوني بسبعين رجلًا من أشراف بكر بن وائل، فأجعلهم في وثائق عندي، فإن كان الحق لبني تغلب دفعتهم إليهم، وإن لم يكن لهم حق خليت سبيلهم، ففعلوا، وتواعدوا ليوم بعينه يجتمعون فيه. فقال الملك لجلسائه: من ترون تأتي به تغلب لمقامها هذا؟ فقالوا: شاعرهم وسيدهم عمرو بن كلثوم. قال: فبكر بن وائل؟ فاختلفوا عليه، وذكروا غير واحد من أشراف بكر بن وائل. قال: كلا، والله، لا تفرج بكر بن وائل إلا على الشيخ الأصم، يعثر في ريطته، فيمنعه الكرم من أن يرفعها قائده، فيضعها على عاتقه. فلما أصبحوا، جاءت تغلب يقودها عمرو بن كلثوم، حتى جلس إلى الملك.

وقال الحارث بن حلِّزة لقومه: إني قد قلت خطبة، فمن قام بها ظفر بحجته، وفَلَج على خصمه. فروّاها ناسًا منهم. فلما قاموا بين يديه لم يرضهم. فحين علم أنه لا يقوم بها أحد مقامه. قال لهم: والله إني لأكره أن آتي الملك، فيكلمني من وراء سبعة ستور، وينضح أثري بالماء إذا انصرفت عنه -وذلك لبرص كان به- غير أني لا أرى أحدًا يقوم بها مقامي، وأنا محتمل ذلك لكم، فانطلق حتى أتى الملك. فلمَّا نظر إليه عمرو بن كلثوم قال للملك: أهذا يناطقني، وهو لا يطيق صدر راحلته؟ فأجابه الملك حتى أفحمه، وأنشد الحارث قصيدته: “آذنتنا ببينها أسماء”، وهو من وراء سبعة ستور، وهند تسمع. فلمّا سمعت قالت: تالله ما رأيت كاليوم قط رجلًا يقول مثل هذا القول، يكلم من وراء سبعة ستور! فقال الملك: ارفعوا سترًا، ودنا، فما زالت تقول، ويرفع ستر فستر، حتى صار مع الملك على مجلسه. ثم أطعمه من جفنته، وأمر ألا ينضح أثره بالماء، وجز نواصي السبعين الذين كانوا في يديه من بكر، ودفعها إلى الحارث، وأمره ألا ينشد قصيدته إلا متوضئًا، فلم تزل تلك النواحي في بني يشكر بعد الحارث.

وقام عمرو بن كلثوم، فأنشد جزءًا من معلقته مفتخرًا على خصومه، غير منتبه لمركز الملك، وما يلزم لمداراته واستمالته، فحكم عمرو بن هند على التغلبيين، فانصرف عمرو ورهطه غاضبين. ولعله قال، بعد هذه الحادثة، ما ذكر في ديوانه من هجاء له؛ ثم أكمل معلقته بعد ذلك، وخاصة بعد قتله للملك، كما سنفصل، ثم قام بها خطيبًا بسوق عكاظ وقام بها في موسم مكة.

قتله لعمرو بن هند سنة 570م

يظهر أن الملك عمرو بن هند أضمر للشاعر عمرو بن كلثوم الحقد لما رأى عنده من شدة فخر، وتباهٍ، وتشامخ فأراد أن يذله بإذلال أمه، ورُوي أنه قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحدًا من العرب تأنف أمه من خدمة أمي؟ فقالوا: نعم! أم عمرو بن كلثوم. قال: ولِمَ؟ قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو، وهو سيد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويسأله أن يزير أمه أمه، فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة بني تغلب، وأقبلت ليلى بنت مهلهل في ظعن من بني تغلب. وأمر عمرو بن هند برواقه، فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته، فحضروا في وجوه بني تغلب. فدخل عمرو بن كلثوم على عمرو بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق، وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس، وبينهما هذا النسب، وقد كان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطُّرَف، وتستخدم ليلى. فدعا عمرو بمائدة، ثم دعا بالطرف فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق. فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها، وألحت، فصاحت ليلى: وأذلاه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم، فثار الدم في وجهه، ونظر إليه عمرو بن هند، فعرف الشر في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيف لعمرو بن هند معلق بالراق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرواق، وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة.

أسره

بعد مقتل عمرو بن هند، أصبح التغلبيون في عداوة مع جميع القبائل الخاضعة للمناذرة أو المحالفة إياهم، ومنهم بنو بكر أعداء التغلبيين الألداء، فاضطروا إلى مقاتلتهم جميعًا، وفي إحدى غزواتهم، أغار عمرو بن كلثوم على بني تميم، ثُمَّ مر من غزوة ذلك على حي من بني قيس بن ثعلبة فملأ يديه منهم وأصاب أسارى وسبايا، وكان فيمن أصاب أحمد بن جندل السعدي، ثم انتهى إلى بني حنيفة باليمامة وفيهم أناس من عجل، فسمع به أهل حجر، فكان أول من أتاه من بني حنيفة بنو سحيم عليهم يزيد بن عمرو بن شمر

. فانتهى إليه يزيد بن عمرو، فطعنه فصرعه عن فرسه، وأسره. وكان يزيد شديدًا جسيمًا، فشدّه في القِدّ، وقال له: أنت الذي تقول “من الوافر”:

متى نعقد قرينتنا بحبل

نجذ الحبل أو نقصِ القرينا

أما إني سأقرنك إلى ناقتي، فأطردكما جميعًا. فنادى عمرو بن كلثوم: يا لربيعة! أمثلة! قال: فاجتمعت بنو لجيم، فنهوه، ولم يكن يريد ذلك به، فسار به حتى أتى قصرًا بحجر من قصورهم، وضرب عليه قبة، ونحر له، وكساه، وحمله على نجيبة، وسقاه الخمر.

 ديانته وأخلاقه:

كان عمرو بن كلثوم نصرانيًّا، على الأغلب، وذلك لأن نصرانية تغلب ثابتة حتى القرن الثالث والرابع بعد الهجرة، لكنّ ليس في ديوانه وأخباره التي وصلت إلينا ما يؤكد ذلك. أما صفاته وأخلاقه، فيظهر من أخباره وشعره، أنه كان فارسًا مقدامًا، سيدًا في قومه، شاعرًا مفلقًا، شديد الأنفة إلى حد الكبرياء، فخورًا بنفسه وبقبيلته إلى حد الادِّعاء الصبياني، كريْمًا سخيًّا، فاتكًا، وقد ضرب المثل بفتكه، فقيل: “أفتك من عمرو بن كلثوم” ولعل سبب هذا لقول فتكه بالملك عمر بن هند.

 

وفاته:

لم تذكر لنا المصادر العربية السنة التي توفي فيها عمرو بن كلثوم، مثلما لم تذكر سنة ولادته، لكن من المؤكد أنه عمّر طويلًا، فقد ذكر الأصفهاني أنه عمر مائة وخمسين سنة، وقال كوسين دي برسفال: إنه عاش مائة سنة، وتوفي حوالي الهجرة، وعيَّن الأب لويس شيخو لوفاته السنة 600م دون أن يذكر المصدر الذي استند إليه في هذا التعيين، وذهب خير الدين الزركلي وعمر كحالة إلى أنه توفي حوالي السنة 40 ق هـ.

وذكر الأصفهاني أنه عندما حضرت ابن كلثوم الوفاة، جمع بنيه، وقال لهم: “يا بني، قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من آبائي، ولا بد أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت، وإني، والله، ما عَيَّرت أحدًا بشيء إلا عيرت بمثله، إن كان حقًّا فحقًّا، وإن كان باطلًا فباطلًا، ومن سَبَّ سُبَّ، فكفوا عن الشِّتم، فإنه أسلم لكم، وأحسنوا جواركم يحسن ثناؤكم، وامنعوا من ضيم الغريب، فربّ رجل خير من ألف، وردّ خير من خلف. إذا حدثتم فَعُوا، وإذا حدثتم فأوجزوا، فإن مع الإكثار تكون الأهذار.

وأشجع القوم العطوف بعد الكرّ، كما أن أكرم المنايا القتل. ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب، ولا من إذا عوتب لم يعتب. ومن الناس من لا يُرجى خيره، ولا يخاف شره، فبكؤه خير من دره، وعقوقه خير من بره. ولا تتزوجوا من حيكم فإنه يؤدي إلى قبيح البغض”.

وقد شكك بعضهم في نسبه هذه الوصية إلى عمرو بن كلثوم أو إلى العصر الجاهلي لما فيها من تكلف البديع اللفظي.

 

شرح معلقة عمرو بن كلثوم

أَلَا هُبّي بصحنِكِ فاصبحينا

وَلَا تُبْقِي خُمُورَ الأَنْدَرِينا

هبّ من نومه هبًّا: إذا استيقظ. الصحن: القدح العظيم، والجمع الصحون. الصبح: سقي الصبوح، والفعل صبح يصبح. أبقيت الشيء وبقيته بمعنى. الأندرون: قرى بالشام.

يقول: ألا استيقظي من نومك أيتها الساقية واسقيني الصبوح بقدحك العظيم، ولا تدخري خمر هذه القرى.

مُشَعْشَعَةً كَأَنّ الْحُصَّ فِيهَا

إِذَا مَا الْمَاُء خَالَطَهَا سَخِينَا

شعشعت الشراب: مزجته بالماء. الحص: الورس نبت له نوّار أحمر يشبه الزعفران. ومنهم من جعل سخينًا صفة ومعناه الحار، من سخن يسخُن سخونة، ومنهم من جعله فعلًا من سخي يسخى سخاءً، وفيه ثلاث لغات: إحداهن ما ذكرنا، والثانية سَخُوَ يسخو، والثالثة سخا يسخو سخاوة.

يقول: اسقينيها ممزوجة بالماء كأنها من شدة حمرتها بعد امتزاجها بالماء ألقي فيها نَوْر هذا النبت الأحمر، وإذا خالطها الماء وشربناها وسكرنا جُدنا بعقائل أموالنا وسمحنا بذخائر أعلاقنا، هذا إذا جعلنا سخينًا فعلًا، وإذا جعلناه صفة كان المعنى: كأنها حال امتزاجها بالماء وكون الماء حارًّا، نور هذا النبت. ويروى شحينًا، بالشين المعجمة، أي إذا خالطها الماء مملوءة به. والشحن: الملء، والفعل شحن.

يشحَن، والشحين، بمعنى المشحون كالقتيل بمعنى المقتول، يريد أنها حال امتزاجها بالماء وكون الماء كثيرًا تشبه هذا النَّور.

تَجُورُ بِذِي اللُّبَانَةِ عَنْ هَوَاهُ

إِذَا مَا ذَاقَها حَتَّى يَلِينَا

يمدح الخمر ويقول: تميل صاحب الحاجة عن حاجته وهواه إذا ذاقها حتى يلين، أي هي تنسي الهموم والحوائج أصحابها، فإذا شربوها لانوا ونسوا أحزانهم وحوائجهم.

تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيحَ إِذَا أُمِرَّتْ

عَلَيهِ لِمَالِهِ فِيهَا مُهِينَا

اللحز: الضيق الصدر. الشحيح: البخيل الحريص، والجمع الأشحة والأشحاء، والشحاح أيضًا مثل الشحيح، والفعل شح يَشح، والمصدر الشح وهو البخل معه حرص.

يقول: ترى الإنسان الضيق الصدر البخيل الحريص مهينا لماله، فيها أي في شربها إذا أمرت الخمر عليه، أي إذا أديرت عليه.

صَبَنْتِ الكَأسَ عَنّا أمَّ عمروٍ

وَكَانَ الكأسُ مَجراهَا الْيَمِينَا

الصبن: الصرف، والفعل صبن يصبن.

يقول: صرفت الكأس عنا يا أم عمرو، وكان مجرى الكأس على اليمين فأجريتها على اليسار.

وَمَا شَرُّ الثَّلاثَةِ أمَّ عمروٍ

بِصَاحِبِكِ الذي لا تَصْبَحِينَا

يقول: ليس بصاحبك الذي لا تسقينه الصبوح شر هؤلاء الثلاثة الذين تسقينهم، أي لستُ شرَّ أصحابي، فكيف أخرتني وتركت سقيي الصبوح؟

وِكَأسٍ قَدْ شَرِبْتُ بِبَعْلَبَكٍّ

وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصِرِينا

يقول: ورب كأس شربتها بهذه البلدة، ورب كأس شربتها بتينك البلدتين.

وَإِنّا سَوْفَ تُدْرِكُنا الْمَنَايَا

مُقَدَّرَةً لَنا ومُقَدَّرِينا

يقول: سوف تدركنا مقادير موتنا، وقد قدّرت تلك المقادير لنا وقدرنا لها.

المنايا: جمع المنية وهي تقدير الموت.

قِفي قَبلَ التَفَرُّقِ يا ظَعينا

نُخَبِّركِ اليَقينا وَتُخبِرينا

أراد يا ظعينة فرخَّم، والظعينة: المرأة في الهودج، سميت بذلك لظعنها مع زوجها، فهي فعيلة بمعنى فاعلة، ثم كثر استعمال هذا الاسم للمرأة حتى يقال لها ظعينة وهي في بيت زوجها.

يقول: قفي مطيّتك أيتها الحبيبة الظاعنة نخبرك بما قاسينا بعدك، وتخبرينا بما لاقيت بعدنا.

قِفي نَسأَلكِ هَل أَحدَثتِ صَرمًا

لِوَشكِ البَينِ أَم خُنتِ الأَمِينَا

الصرم: القطيعة. الوشك: السرعة، والوشيك: السريع. الأمين: بمعنى المأمون.

يقول: قفي مطيتك نسألك هل أحدثت قطيعة لسرعة الفراق، أم هل خنت حبيبك الذي تؤمن خيانته؟ أي هل دعتك سرعة الفراق إلى القطيعة أو إلى الخيانة في مودة من لا يخونك في مودته إياك؟

بِيَومِ كَريهَةٍ ضَربًا وَطَعنًا

أَقَرَّ بِهِ مَواليكِ العُيونا

الكريهة: من أسماء الحرب، والجمع الكرائه، سميت لأن النفوس تكرهها، وإنما لحقتها التاء لأنها أخرجت مخرج الأسماء مثل: النطيحة والذبيحة، ولم تخرج مخرج النعوت مثل: امرأة قتيل وكف خضيب، ونصب ضربًا وطعنًا على المصدر أي يضرب فيه ضربًا ويطعن فيه طعنًا.

قولهم: أقر الله عينك قال الأصمعي: معناه أبرد الله دمعك، أي سَرّك غاية السرور، وزعم أن دمع السرور بارد ودمع الحزن حار، وهو عندهم مأخوذ من القرور وهو الماء البارد، ورد عليه أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب هذا القول وقال: الدمع كلّه حار جلبه فرح أو ترح. وقال أبو عمرو الشيباني: معناه أنام الله عينك وأزال سهرها لأن استيلاء الحزن داعٍ إلى السهر، فالإقرار على قوله إفعال من قر يقر قرارًا، لأن العيون تقرّ في النوم وتطرف في السهر, وحكى ثعلب عن جماعة من الأئمة أن معناه: أعطاه الله مناك ومبتغاك حتى تقر عينك عن الطموح إلى غيره؛ وتحرير المعنى: أرضاك الله؛ لأن المترقب للشيء يطمح ببصره إليه، فإذا ظفر به قرت عينه عن الطموح إليه.

يقول: نخبرك بيوم حرب كثير فيه الضرب والطعن، فأقر بنو أعمامك عيونهم في ذلك اليوم، أي فازوا ببغيتهم وظفروا بمناهم من قهر الأعداء.

وَإِنّ غَدًا وإنّ اليومَ رَهْنٌ

وَبَعْدَ غَدٍ بِمَا لَا تَعْلَمِينَا

أي بما لا تعلمين من الحوادث.

يقول: فإن الأيام رهن بما لايحيط علمك به أي ملازمة له.

تُرِيكَ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى خَلَاءٍ

وَقَدْ أَمِنَتْ عُيُونَ الْكَاشِحِينَا

الكاشح: المضمر العداوة في كشحه، وخصت العرب الكشح بالعداوة لأنه موضع الكبد، والعداوة عندهم تكون في الكبد، وقيل: بل سمي العدوّ كاشحًا؛ لأنه يكشح عن عدوه أي يعرض عنه فيوليه كشحه، يقال: كشح عنه يكشح كشحًا.

يقول: تريك هذه المرأة إذا أتيتها خالية وأمنت عيون أعدائها.

ذِراعَيْ عَيطَلٍ أَدماءَ بِكرٍ

هِجَانِ اللَّونِ لَم تَقرَأ جَنينًا

العيطل: الطويلة العنق من النوق. الأدماء: البيضاء منها. والأُدْمة البياض في الإبل، البِكْر: الناقة التي حملت بطنًا واحدًا، ويروى بَكر بفتح الباء، وهو الفتي من الإبل وبكسر الباء أعلى الروايتين؛ ويروى: تربعت الأجارع والمتونا. تربعت: رعت ربيعًا. الأجارع جمع الأجرع وهو المكان الذي فيه جرع، والجرع: جمع جرعة، وهي دعص، من الرمل غير منبت شيئًا. المتون: جمع متن وهو الظهر من الأرض. الهجان: الأبيض الخالص البياض، يستوي فيه الواحد والتثنية والجمع، وينعت به الإبل والرجال وغيرهما. لم تقرأ جنينًا أي لم تضم فيه رحمها ولدًا.

يقول: تريك ذراعين ممتلئتين لَحْمًا كذراعي ناقة طويلة لم تلد بعد أو رعت أيام الربيع في مثل هذا الموضع، ذكر هذا مبالغة في سمنها، أي ناقة سمينة لم تحمل ولدًا قط، بيضاء اللون.

وَثَدْيًا مِثْلَ حُقّ العَاجِ رَخْصًا

حَصانًا مِنْ أكُفِ اللّامِسِينَا

رخصًا: لينا. حصانًا: عفيفة.

يقول: وتريك ثديًا مثل حق من عاج بياضًا واستدارة، محرزة من أكف من يلمسها.

وَمَتْنَي لَدْنَةٍ سَمَقَتْ وَطالَت

رَوادِفُها تَنوءُ بِما وَلينا

اللدن: اللين، والجمع لُدن، أي ومتني قامة لدْنَة. السُّموق: الطول، والفعل سمق يسمق، الرادفتان والرانفتان: فرعا الأليتين، والجمع الروادف والروانف. النَّوء: النهوض في تثاقل. الوَلْيُ: القرب، والفعل ولي يلي.

يقول: وتريك متني قامة طويلة لينة تثقل أرادفها مع ما يقرب منها، وصفها بطول القامة وثقل الأرداف.

وَمَأكَمَةً يَضيقُ البابُ عَنها

وَكَشحًا قَد جُنِنتُ بِهِ جُنونا

المأكَمة والمأكِمة: رأس الورك والجمع المآكم.

يقول: وتريك وركًا يضيق الباب عنها لعظمها وضخمها وامتلائها باللحم، وكشحًا قد جننت بحسنه جنونا.

وَساريَتَي بَلَنطٍ أَو رُخامٍ

يَرِنُّ خُشاشُ حَليِهِما رَنينًا

البلنط: العاج. السارية: الأسطوانة والجمع السواري. الرنين: الصوت.

يقول: وتريك ساقين كأسطوانتين من عاج أو رخام بياضًا وضخمًا يصوت حليهما، أي خلاخيلهما، تصويتًا.

فَمَا وَجَدَت كَوَجدي أُمُّ سَقبٍ

أَضَلَّتهُ فَرَجَّعَتِ الْحَنينا

قال القاضي أبو سعيد السيرافي: البعير بمنزلة الإنسان، والجمل بمنزلة الرجل، والناقة بمنزلة المرأة، والسقب بمنزلة الصبي، والحائل بمنزلة الصبية، والحوار بمنزلة الولد، والبكر بمنزلة الفتى، والقلوص بمنزلة الجارية. الوجد: الحزن، والفعل وجد يجد. الترجيع: ترديد الصوت.

الحنين: صوت المتوجع.

يقول: فما حزنت حزنًا مثل حزني ناقة أضلت ولدها فرددت صوتها مع توجعها في طلبها، يريد أن حزن الناقة دون حزنه فراق حبيبته.

وَلا شَمْطاءُ لَم يَترُك شَقاها

لَها مِن تِسعَةٍ إَلَّا جَنينًا

الشمط: بياض الشعر. الجنين: المستور في القبر هنا.

يقول: ولا حزنت كحزني عجوز لم يترك شقاء جَدّها لها من تسعة بنين إلا مدفونًا في قبره، أي ماتوا كلهم ودفنوا، يريد أن حزن العجوز التي فقدت تسعة بنين دون حزنه عند فراق عشيقته.

تَذَكَّرْتُ الصِّبا وَاِشتَقتُ لَمّا

رَأَيتُ حُمولَها أُصُلًا حُدينا

الحمول: جمع حامل، يريد إبلها.

يقول: تذكرت العشق والهوى واشتقت إلى العشيقة لما رأيت حمول إبلها سيقت عشيًّا.

فَأَعرَضَتِ اليَمامَةُ وَاِشمَخَرَّت

كَأَسيافٍ بِأَيدي مُصلِتينا

أعرضت: ظهرت، وعرضت الشيء أظهرته، عرضت الشيء فأعرض، ومثله كببته فأكب، ولا ثالث لهما فيما سمعنا. اشمخرت: ارتفعت. أصلت السيف: سللته.

يقول: فظهرت لنا قرى اليمامة وارتفعت في أعيننا كأسياف بأيدي رجال سالّين سيوفهم، شبه ظهور قراها بظهور أسياف مسلولة من أغمادها.

أَبَا هِنْدٍ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْنَا

وأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ الْيَقِينَا

يقول: يا أبا هند لا تعجل علينا وانظرنا نخبرك باليقين من أمرنا وشرفنا، يريد عمرو بن هند فكناه.

بِأَنَّا نُوردُ الرَّايَاتِ بِيضًا

وَنُصْدِرُهُنّ حُمْرًا قَدْ رَوِينَا

الراية: العلم، والجمع الرايات والراي.

يقول: نخبرك باليقين من أمرنا بأنا نورد أعلامنا الحروب بيضًا، ونرجعها منها حمرًا قد روين من دماء الأبطال. هذا البيت تفسير اليقين من البيت الأول.

وأيَّامٍ لَنَا غُرٍّ طِوَالٍ

عَصَيْنَا الْمَلْكَ فِيهَا أَنْ نَدِينَا

يقول: نخبرك بوقائع لنا مشاهير كالغر من الخيل عصينا الملك فيها كراهية أن نطيعه ونتذلل له. الأيام: الوقائع هنا. الغُرّ بمعنى المشاهير كالخيل الغرّ لاشتهارها فيما بين الخيل. قوله: أن ندين، أي كراهية أن ندين، فحذف المضاف، هذا على قول البصريين، وقال الكوفيون: تقديره أن لا ندين، أي لئلا ندين، فحذف لا.

وَسَيّدِ مَعْشَرٍ قَدْ تَوَّجُوه

بِتَاجِ الْمُلْكِ يَحْمِي الْمُحْجَرينا

يقول: ورب سيد قوم متوج بتاج الملك حام للملجئين قهرناه. أحجرته: ألجأته.

تَرَكْنَا الْخَيلَ عَاكِفَةً عَلَيهِ

مُقَلَّدَةً أَعِنّتَهَا صُفُونَا

العكوف: الإقامة، والفعل عكف يعكف. الصُّفون: جمع صافن، وقد صفن الفرس يصفن صفونًا إذا قام على ثلاث قوائم وثَنَّى سنبكه الرابع.

يقول: قتلناه وحبسنا خيلنا عليه وقد قلّدناها أعنتها في حال صفونها عنده.

وَأَنْزَلْنَا البُيُوتَ بِذِي طُلُوحٍ

إلى الشَّامَاتِ نَنْفِي الْمُوعِدِينَا

يقول: وأنزلنا بيوتنا بمكان يعرف بذي طلوح إلى الشامات ننفي من هذه الأماكن أعداءنا الذين كانوا يوعدوننا.

وَقَد هَرَّت كِلابُ الْحَيِّ مِنّا

وَشذَّبنا قَتادَةَ مَن يَلينا

القتاد: شجر ذو شوك، والواحدة منها قتادة. التشذيب: نفي الشوك والأغصان الزائدة والليف عن الشجر. يلينا، أي: يقرب منا.

يقول: وقد لبسنا الأسلحة حتى أنكرتنا الكلاب وهرّت لإنكارها إيانا، وقد كسرنا شوكة من يقرب منا من أعدائنا، استعار لفَلِّ الغرب وكسر الشوكة تشذيب القتادة.

مَتى نَنقُل إِلى قَومٍ رَحَانا

يَكُونوا في اللِّقاءِ لَها طَحينا

أراد بالرحى: رحى الحرب وهي معظمها.

يقول: متى حاربنا قومًا قتلناهم، لما استعار للحرب اسم الرحى استعار لقتلاها اسم الطحين.

يَكُونُ ثِفَالُهَا شَرْقِيِّ نَجْدٍ

وَلُهْوَتُهَا قُضَاعَةَ أَجْمَعِينَا

الثِّفال: خرقة أو جلدة تبسط تحت الرحى ليقع عليها الدقيق. اللُّهوة القبضة من الحب تلقى في فم الرحى، وقد ألهيت الرحى ألقيت فيها لُهْوَة.

يقول: تكون معركتنا الجانب الشرقي في نجد، وتكون قبضتنا قضاعة أجمعين، فاستعار للمعركة اسم الثفال وللقتلى اسم اللهوة ليشاكل الرحى والطحين.

نَزَلْتُم مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنَّا

فأعْجَلْنا القِرَى أَنْ تَشْتِمُونَا

يقول: نزلتم منزلة الأضياف فجعلنا قِراكم كراهية أن تشتمونا ولكي لا تشتمونا، والمعنى: تعرضتم لمعاداتنا كما يتعرض الضيف للقِرى فقتلناكم عجالًا كما يحمد تعجيل قِرى الضيف، ثم قال تهكمًا بهم واستهزاء: أن تشتمونا، أي قريناكم على عجلة كراهية شتمكم إيانا إن أخّرنا قراكم.

قَرَيناكُم فَعَجَّلنا قِراكُم

قُبَيْلَ الصُّبحِ مِرداةً طَحُونا

المرداة: الصخرة التي يكسر بها الصخور، والمرداة أيضًا الصخرة التي يرمى بها، والردي الرمي والفعل ردى يردي، فاستعار المرداة للحرب. الطَّحون: فعول من الطحن. مرداة طحونًا أي حربًا أهلكتهم أشد إهلاك.

نَعُمُّ أُنَاسَنَا وَنَعِفُّ عَنْهُمْ

وَنَحْمِلُ عَنْهُمُ ما حَمَّلُونا

يقول: نَعُمّ عشائرنا بنوالنا وسيبنا، ونعفّ عن أموالهم ونحمل عنهم ما حملونا من أثقال حقوقهم ومؤنتهم، والله أعلم.

نُطَاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّا

وَنَضْرِبُ بالسُّيُوفِ إِذَا غُشينا

التراخي: البعد. الغشيان: الإتيان.

يقول: نطاعن الأبطال ما تباعدوا عنا، أي وقت تباعدهم عنا، ونضربهم بالسيوف إذا أُتينا، أي أتونا، فقربوا منا، يريد أن شأننا طعن من لا تناله سيوفنا.

بِسُمْرٍ مِنْ قَنَا الْخَطّيّ لُدْنٍ

ذَوَابِلَ أَوْ بِبِيضٍ يَخْتَلينا

اللَّدْن: اللين، والجمع لُدن.

يقول: نطاعنهم برماح سمر لينة من رماح الرجل الخطيِّ، يريد سمهرًا، أو نضاربهم بسيوف بيض يقطعن ما ضرب بها، توصف الرماح بالسمرة؛ لأن سمرتها دالة على نضجها في منابتها.

كَأَنّ جَمَاجِمَ الأَبْطالِ فِيهَا

وُسُوقٌ بالأماعِزِ يَرْتَمِينَا

الأبطال: جمع بطل وهو الشجاع الذي يبطل دماء أقرانه. الوسوق: جمع وسق وهو حمل بعير. الأماعز: جمع الأمعز وهو المكان الذي تكثر حجارته.

يقول: كأن جماجم الشجعان منهم أحمال إبل تسقط في الأماكن الكثيرة الحجارة، شبه رءوسهم في عظمها بأحمال الإبل، والارتماء لازم ومتعد، وهو في البيت لازم.

نَشُقُّ بِها رُءوسَ القَومِ شَقًّا

وَنَخْتَلِبُ الرِّقَابَ فَتَختَلينا

الاختلاب: قطع الشيء بالمخلب وهو المنجل الذي لا أسنان له. الاختلاء: قطع الخلا وهو رطب الحشيش.

يقول: نشق بها رءوس الأعداء شقًّا ونقطع بها رقابهم فيقطعن.

وإنَّ الضِّغْنَ بَعْدَ الضِّغْنِ يَبْدُو

عَلَيْكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينَا

يقول: وإن الضغن بعض الضغن تفشو آثاره ويخرج الداء المدفون من الأفئدة أي يبعث على الانتقام.

وَرِثْنَا الْمَجْدَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ

نُطَاعِنُ دُونَهُ حَتّى يَبينَا

يقول: ورثنا شرف آبائنا قد علمت ذلك معد، نطاعن الأعداء دون شرفنا حتى يظهر الشرف لنا.

وَنَحْنُ إِذَا عِمَادُ الْحَيِّ خَرَّتْ

عَنِ الأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِينَا

الحفض: متاع البيت، والجمع أحفاض، والحفض البعير الذي يحمل خرثي البيت، والجمع أحفاض. من روى في البيت: على الأحفاض، أراد بها الأمتعة، ومن روى: عن الأحفاض، أراد بها الإبل.

يقول: ونحن إذا قُوِّضت الخيام فخرَّت على أمتعتها، نمنع ونحمي من يقرب منا من جيراننا، أو ونحن إذا سقطت الخيام عن الإبل للإسراع في الهرب نمنع ونحمي جيراننا إذا هرب غيرنا حمينا غيرنا.

نَجُذُّ رُءوسَهُمْ فِي غَيْرِ بِرٍّ

فَمَا يَدْرُونَ مَاذَا يَتّقُونا

الجذ: القطع.

يقول: نقطع رءوسهم في غير بِرٍّ، أي في عقوق، ولا يدرون ماذا يحذرون منا من القتل وسبي الْحُرَم واستباحة الأموال.

كَأَنّ سُيُوفَنا مِنَّا ومِنْهُمْ

مَخَارِيقٌ بأيْدِي لاعِبينَا

المخراق: معروف، والمخراق أيضًا سيف من خشب.

يقول: كنا لا نحفل بالضرب بالسيوف كما لا يحفل اللاعبون بالضرب بالمخاريق، أو كنا نضرب بها في سرعة كما يضرب بالمخاريق في سرعة.

كَأَنَّ ثيابَنا مِنّا وَمِنهُم

خُضِبنَ بِأَرجوانٍ أَو طُلينا

يقول: كأن ثيابنا وثياب أقراننا خضبت بأرجوان أو طليت.

إِذا ما عَيَّ بِالإِسنافِ حَيٌّ

مِنَ الهَولِ الْمُشَبَّهِ أَن يَكونا

الإسناف: الإقدام.

يقول: إذا عجز عن التقدم قوم مخافة هول منتظر متوقع يشبه أن يكون ويمكن.

نَصَبْنَا مِثْلَ رَهْوَةَ ذاتَ حَدٍّ

مُحَافَظَةً وَكُنَّا السَّابِقِينَا

يقول: نصبنا خيلًا مثل هذا الجبل، أو كتيبة ذات شوكة محافظة على أحسابنا وسبقنا خصومنا، أي غلبناهم؛ وتحرير المعنى: إذا فزع غيرنا من التقدم أقدمنا مع كتيبة ذات شوكة وغلبنا، وإنما نفعل هذا محافظة على أحسابنا.

بِشُبَّانٍ يَرَوْنَ القَتْلَ مَجْدًا

وَشِيبٍ فِي الْحُرُوبِ مُجَرَّبينا

يقول: نسبق ونغلب بشبان يعدون القتال في الحروب مجدًا، وشيب قد مرنوا على الحروب.

حُدَيّا النَّاسِ كُلّهِمُ جَمِيعًا

مُقَارَعَةً بَنِيهِمْ عَنْ بَنِينَا

حُديَّا: اسم جاء على صيغة التصغير مثل ثريا وحميّا وهي بمعنى التحدي.

يقول: نتحدى الناس كلهم بمثل مجدنا وشرفنا، ونقارع أبناءهم ذابين عن أبنائنا، أي نضاربهم بالسيوف حماية للحريم وذبًّا عن الحوزة.

فَأَمَّا يَوْمَ خَشْيَتِنَا عَلَيْهِمْ

فَتُصْبِحَ خَيْلُنَا عُصَبًا ثُبِينَا

العصب: جمع عصبة وهي ما بين العشرة والأربعين. الثبة: الجماعة، والجمع الثبات، والثبون في الرفع والثبين في النصب والجر.

يقول: فأما يوم نخشى على أبنائنا وحرمنا من الأعداء تصبح خيلنا جماعات، أي تتفرق في كل وجه لذبّ الأعداء عن الْحُرَم.

وأمَّا يَوْمَ لَا نَخْشَى عَلَيْهِمْ

فَنُمْعِنُ غَارَةً مُتَلَبِّينا

الإمعان: الإسراع والمبالغة في الشيء. التلبُّبُ: لبس السلاح.

يقول: وأما يوم لا نخشى على حرمنا من أعدائنا فنمعن في الإغارة على الأعداء لابسين أسلحتنا.

بِرَأسٍ مِنْ بَنِي جُشَمِ بنِ بَكْرٍ

نَدُقُّ بِهِ السّهُولَةَ وَالْحُزُونَا

الرأس: الرئيس والسيد.

يقول: نغير عليهم مع سيد من هؤلاء القوم ندق به السهل والْحَزْن، أي نهزم الضعاف والأشداء.

أَلَا لَا يَعْلَمُ الأَقْوَامُ أَنَّا

تَضَعْضَعْنَا وَأَنَّا قَدْ وَنينا

التضعضع: التكسّر والتذلل، ضعضعته فتضعضع أي كسرته فانكسر.

الونى: الفتور.

يقول: لا يعلم الأقوام أننا تذلّلنا وانكسرنا وفترنا في الحرب، أي لسنا بهذه الصفة فتعلمنا الأقوام بها.

أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا

فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا

أي لا يسفهن أحد علينا فنسفه عليهم فوق سفههم، أي نجازيهم بسفههم جزاء يُرْبِي عليه، فسمِّيَ جزاء الجهل جهلًا لازدواج الكلام وحسن تجانس اللفظ،. سمي جزاء الاستهزاء والسيئة والمكر والخداع استهزاء وسيئة ومكرًا وخداعًا لما ذكرنا.

بِأيّ مَشِيئَةٍ عَمْرَو بن هِنْدٍ

نَكُونُ لِقَيْلِكُمْ فِيهَا قَطِينًا

القطين: الخدم. القَيْلُ: الملك دون الملك الأعظم.

يقول: كيف تشاء يا عمرو بن هند أن نكون خَدَمًا لِمَن وليتموه أمرنا من الملوك الذين وليتموهم؟ أي: أيّ شيء دعاك إلى هذه المشيئة المحالة؟ يريد أنه لم يظهر منهم ضعف يطمع الملك في إذلالهم باستخدام قيله إياهم.

بِأيّ مَشِيئَةٍ عَمْرَو بن هِنْدٍ

تُطِيعُ بِنَا الوُشَاةَ وَتَزْدَرِينَا

ازدراه وازدرى به: قصر به واحتقره.

يقول: كيف تشاء أن تطيع الوشاة بنا إليك وتحتقرنا وتقصر بنا؟ أي: أيّ شيء دعاك إلى هذه المشيئة؟ أي لم يظهر منا ضعف يطمع الملك فينا حتى يصغي إلى من يشي بنا إليه ويغريه بنا فيحتقرنا.

تَهَدَّدنَا وَأَوْعِدْنَا رُوَيْدًا

مَتَى كُنّا لأُمّكَ مُقْتَوِينَا

القَتْو: خدمة الملوك، والفعل قتا يقتو، والمقتى مصدر كالقتو، تنسب إليه فتقول: مقتويّ، ثم يجمع مع طرح ياء النسبة فيقال مقتوون في الرفع، ومقتوين في الجر والنصب، كما يجمع الأعجمي بطرح ياء النسبة فيقال أعجمون في الرفع، وأعجمين في النصب والجر.

يقول: تَرَفّق في تهددنا وإيعادنا ولا تمعن فيهما، فمتى كنا خدمًا لأمك؟ أي: لم نكن خدمًا لها حتى نعبأ بتهديدك ووعديك إيانا، ومن روى: تهددنا وتوعدنا، كان إخبارًا، ثم قال: رويدًا أي دع الوعيد والتهديد وأمهله.

فإنّ قَنَاتَنَا يا عَمْرُو أَعْيَتْ

عَلَى الأَعْدَاءِ قَبْلَكَ أَنْ تَلِينَا

العرب تستعير للعز اسم القناة.

يقول: فإن قناتنا أبت أن تلين لأعدائنا قبلك، يريد أن عزهم أبى أن يزول بمحاربة أعدائهم ومخاصمتهم ومكايدتهم، يريد أن عزهم منيع لا يرام.

إِذَا عَضَّ الثِّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ

وَوَلَّتْهُ عَشَوْزَنَةً زَبُونَا

الثقاف: الحديدة التي يقوم بها الرمح، وقد ثقفته: قومته. العشوزنة: الصلبة الشديدة. الزبون: الدّفوع، وأصله من قولهم: زبنت الناقة حالبها، إذا ضربته بثفنات رجليها أي بركبتيها ومنه الزبانية لزبنهم أهل النار، أي لدفعهم.

يقول: إذا أخذها الثّقاف لتقويمها نفرت من التقويم، وولت الثقاف قناة صلبة شديدة دفوعًا، جعل القناة التي لا يتهيأ تقويمها مثلًا لعزتهم التي لا تضعضع، وجعل قهرها من تعرض لهدمها كنفار القناة من التقويم والاعتدال.

عَشَوْزَنَةً إِذَا انْقَلَبَتْ أَرَنَّتْ

تَشُجُّ قَفَا الْمُثَقِّفِ وَالْجَبينا

أرنت: صوتت، والإرنان، هنا لازم وقد يكون متعديًا ثم بالغ في وصف القناة بأنها تصوت إذا أريد تثقيفها، ولم تطاوع الغامز بل تشج قفاه وجبينه، كذلك عزّتهم لا تضعضع لمن رامها بل تهلكه وتقهره.

فَهَلْ حُدّثْتَ فِي جُشَمِ بنِ بَكْرٍ

بِنَقْصٍ فِي خُطُوبِ الأَوَّلِينَا

يقول: هل أخبرت بنقص كان من هؤلاء في أمور القرون الماضية أو بنقض عهد سلف.

وَرِثْنَا مَجْدَ عَلْقَمَة بنِ سَيْفٍ

أَبَاحَ لَنَا حُصُونَ الْمَجْدِ دِينا

الدين: القهر،

يقول: ورثنا مجد هذا الرجل الشريف من أسلافنا، وقد جعل لنا حصون المجد مباحة قهرًا وعنوة، أي غلب أقرانه على المجد ثم أورثنا مجده ذلك.

وَرِثْتُ مُهَلْهِلًا وَالْخَيْرَ مِنْهُ

زهيرًا نِعْمَ ذُخْرِ الذَّاخِرِينَا

يقول: ورثت مجد مهلهل، ومجد الرجل الذي هو خير منه وهو زهير فنعم ذخر الذاخرين هو، أي مجده وشرفه للافتخار به.

وَعَتّابًا وَكُلْثُومًا جَميعًا

بِهِمْ نِلْنَا تُرَاثَ الأَكْرَمِينَا

يقول: ورثنا مَجْدَ عتاب وكلثوم وبهم بلغنا ميراث الأكارم أي حزنا مآثرهم ومفاخرهم فشرفنا بها وكرمنا.

وذا البُرَةِ الّذِي حُدّثْتَ عَنْهُ

بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي الْمُحْجَرِينَا

ذو البرة: من بني تغلب، سُمّي به لشعر على أنفه يستدير كالحلقة.

يقول: وورثت مجد ذي البرة الذي اشتهر وعرف وحُدِّثْتُ عنه أيها المخاطب وبمجده يحمينا سيدنا وبه نحمي الفقراء الملجئين إلى الاستجارة بغيرهم.

وَمِنّا قَبْلَهُ السّاعِي كُلَيبٌ

فَأَيُّ الْمَجْدِ إلّا قَدْ وَلِينا

يقول: ومنا قبل ذي البرة الساعي للمعالي كليب، يعني كليب وائل، ثم قال: وأي المجد إلا وقد ولينا، أي قربنا منه فحوينا.

مَتَى نَعْقِدْ قَرِينَتِنَا بِحَبْلٍ

تَجُذَّ الْحَبْلَ أَو تَقِصِ القَرِينا

يقول: متى قرَنّا ناقتنا بأخرى قطعت الحبل أو كسرت عنق القرين، والمعنى: متى قرنا بقوم في قتال أو جدال غلبناهم وقهرناهم. الجذ: القطع والفعل جذ يجذ. الوقص: دق العنق، والفعل وقص يقص.

وَنُوجَدُ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَارًا

وَأَوْفَاهُمْ إِذَا عَقَدُوا يَمِينَا

يقول: تجدنا أيها المخاطب أمنعهم ذمة وجوارًا وحلفًا وأوفاهم باليمين عند عقدها. الذمار: العهد والحلف والذمة، سُمِّي به لأنه يتذمر له أي يتغضب لمراعاته.

وَنَحْنُ غَدَاةَ أُوقِدَ في خَزَازَى

رَفَدْنَا فَوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِينَا

الرّفد: الإعانة، والرفد الاسم.

يقول: ونحن غداة أوقدت نار الحرب في خزازى أعنّا نزارًا فوق إعانة المعينين، يفتخر بإعانة قومه بني نزار في محاربتهم اليمن.

وَنَحْنُ الْحَابِسُونَ بِذِي أَرَاطَى

تَسَفُّ الْجِلَّةُ الْخُورُ الدَّرِينَا

تسف: أي تأكل يابسًا، والمصدر السفوف. الْجِلّة: الكبار من الإبل، الخور: الكثيرة الألبان، وقيل: الخور الغزار من الإبل والناقة خوراء. الدَّرين: ما اسود من النبت وقدم.

يقول: ونحن حبسنا أموالنا بهذا الموضع حتى سفت النوق الغزار قديم النبت وأسوده لإعانة قومنا ومساعدتهم على قتال أعدائهم.

وَنَحْنُ الْحَاكِمُون إِذَا أُطِعْنَا

وَنَحْنُ العَازِمُونَ إِذَا عُصِينَا

وَنَحْنُ التّارِكُون لِمَا سَخِطْنَا

وَنَحْنُ الآخِذُونَ لِمَا رَضِينَا

وَكُنّا الأَيْمَنِينَ إِذَا التَقَيْنَا

وَكَانَ الأَيْسَرَيْنِ بَنُو أَبِينَا

يقول: كنا حماة الميمنة إذا لقينا الأعداء وكان إخواننا حماة الميسرة، يصف غناءهم في حرب نزار واليمن عندما قتل كليب وائل لبيد بن عنق الغساني عامل ملك غسان على تغلب حين لطم أخت كليب وكانت تحته.

فَصَالُوا صَوْلَةً فيمَنْ يَليهِمْ

وَصُلْنَا صَوْلَةً فيمَنْ يَلينا

يقول: فحمل بنو بكر على من يليهم من الأعداء، وحملنا على من يلينا.

فَآبُوا بالنِّهَابِ وبالسَّبَايَا

وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا

النِّهاب: الغنائم، الواحد نهب. الأوب: الرجوع، التصفيد: التقييد، يقال: صَفَدْته وَصَفَّدْتُه أي قيدته وأوثقته.

يقول: فرجع بنو بكر بالغنائم والسبايا ورجعنا مع الملوك مقيدين، أي اغتنموا الأموال وأسرنا الملوك.

إِلَيْكُمْ يَا بَنِي بَكْرٍ إِلَيْكُمْ

أَلَمّا تَعْرِفُوا مِنَّا اليَقِينَا

يقول: تنحوا وتباعدوا مُساماتنا ومباراتنا يا بني بكر، ألم تعلموا من نجدتنا وبأسنا اليقين؟ أي قد علمتم ذلك لنا فلا تتعرضوا لنا، يقال: إليك إليك، أي تَنَحَّ.

أَلَمَّا تَعْلَمُوا مِنَّا وَمِنْكُمْ

كَتَائِبُ يَطَّعِنَّ وَيَرْتَمِينَا

يقول: ألم تعلموا كتائب منا ومنكم يطعن بعضهم بعضًا، ويرمي بعضهم بعضًا؟ وما في قول: أَلَمّا صلة زائدة. الاطِّعان والارتماء: مثل التطاعن والترامي.

عَلَيْنَا البَيْضُ وَاليَلَبُ اليَمَانِي

وَأَسْيَافٍ يَقُمْنَ وَيَنْحَنِينَا

اليلب: نسيجة من سيور تلبس تحت البيض.

يقول: وكان علينا البيض واليلب اليماني وأسياف يقمن وينحنين لطول الضِّراب بها.

عَلَيْنَا كُلُّ سَابِغَةٍ دِلاصٍ

تَرَى فَوقَ النّطاقِ لَهَا غُضُونَا

السابغة: الدرع الواسعة التامة. الدِّلاص: البراقة. الغضون: جمع غَضَن وهو التشنج في الشيء.

يقول: وكانت علينا كل درع واسعة براقة ترى أيها المخاطب فوق المنطقة لها غضونًا لسعتها وسبوغها.

إِذَا وُضِعَتْ عَنِ الأَبْطَالِ يومًا

رَأَيْتُ لَهَا جُلُودَ القَومِ جُونَا

الْجَون: الأسود والجون الأبيض، والجمع الجون.

يقول: إذا خلعها الأبطال يومًا رأيت جلودهم سودًا للبسهم إياها. قوله: لها، أي للبسها.

كَأَنّ غُضُونَهُنَّ مُتُونُ غُدْرٍ

تُصَفّقُهَا الرّياحُ إِذَا جَرَيْنَا

الغُدْر: مخفّف غُدُر وهو جمع غدير. تصفقه: تضربه، شبه غضون الدرع بمتون الغدران إذا ضربتها الرياح في جريها، والطرائق التي تُرَى في الدروع بالتي تراها في الماء إذا ضربته الريح.

وَتَحْمِلُنَا غَدَاةَ الرَّوْعِ جُرْدٌ

عُرِفْنَ لَنَا نَقَائِذَ وَافْتُلِينا

الرَّوع: الفزع ويريد به الحرب هنا. الجرد: التي رق شعر جسدها وقصر، والواحد أجرد والواحدة جرداء. النقائذ: المخلصات من أيدي الأعداء، واحدتها نقيذة وهي فعيلة بمعنى مفعلة، يقال: أنقذتها، أي: خلصتها، فهي منقذة ونقيذة. الفلو والافتلاء: الفطام.

يقول: وتحملنا في الحرب خيل رقاق الشعور قصارها، عُرفن لنا وفُطمت عندنا وخلصناها من أيدي أعدائنا بعد استيلائهم عليها.

وَرَدْنَ دَوارِعًا وَخَرَجْنَ شُعْثًا

كَأَمْثَالِ الرّصائِعِ قَدْ بَلينا

رجل دارع: عليه درع، ودروع الخيل تجافيفها. الرصائع: جمع الرصيعة وهي عقدة العنان على قذال الفرس.

يقول: وردت خيلنا وعليها تجافيفها، وخرجن منها شعثًا قد بلين بِلَى عُقَد الأعنة لما نالها من الكلال والمشاق فيها.

وَرِثْناهُنّ عَنْ آبَاءِ صِدْقٍ

وَنُورِثُهَا إِذَا مُتْنَا بَنينا

يقول: ورثنا خيلنا من آباء كرام شأنهم الصدق في الفعال والمقال ونورثها أبناءنا إذا متنا، يريد أنها تناتجت وتناسلت عندهم قديْمًا.

عَلَى آثَارِنا بِيضٌ حِسَانٌ

نُحَاذِرُ أَنْ تُقَسَّمَ أَوْ تَهُونَا

يقول: على آثارنا في الحروب نساء بيض حسان نحاذر عليها أن يسبيها الأعداء فتقسمها وتهينها، كانت العرب تشهد نساءها الحروب وتقيمها خلف الرجال ليقاتل الرجال ذبًّا عن حرمها فلا تفشل مخافة العار بسبي الحرم.

أَخَذْنَ عَلَى بُعُولَتِهِنَّ عهدًا

إِذَا لَاقَوا كَتَائِبَ مُعْلِمِينَا

يقول: قد عاهدن أزواجهن إذا قاتلوا كتائب من الأعداء قد أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها في الحروب أن يثبتوا في حومة القتال ولا يفروا، والبعول والبعولة جمع بعل، يقال للرجل: هو بعل المرأة، وللمرأة هي بَعْلَه وَبَعْلَتُه، كما يقال: هو زوجها وهي زوجه وزوجته.

لَيَسْتَلِبُنَّ أَفْرَاسًا وَبِيضًا

وَأَسْرَى فِي الْحَديدِ مُقَرَّنينا

أي ليستلب خلينا أفراس الأعداء وبيضهم وأسرى منهم قد قرنوا في الحديد.

تَرَانَا بارِزِينَ وَكُلُّ حَيِّ

قَدِ اتّخَذُوا مَخافَتَنا قَرينا

يقول: تَرَانَا خارجين إلى الأرض البراز، وهي الصحراء التي لا جبل بها، لثقتنا بنجدتنا وشوكتنا، وكل قبيلة تستجير وتعتصم بغيرها مخافة سطوتنا بها.

إِذَا مَا رُحْنَ يَمْشِينَ الْهُوَيْنَى

كَمَا اضْطَرَبَتْ مُتُونُ الشَّارِبِينَا

الهوينى: تصغير الهونى وهي تأنيث الأهون، مثل الأكبر والكبرى.

يقول: إذا مشين يمشين مشيًا رفيقًا لثقل أردافهن وكثرة لحومهن، ثم شبههن في تبخترهن بالسكارى في مشيهم.

يَقُتْنَ جِيادَنَا وَيَقُلْنَ لَسْتُمْ

بُعُولَتَنَا إِذَا لَمْ تَمْنَعُونَا

القوت: الإطعام بقدر الحاجة، والفعل قات يقوت، والاسم القوت والقيت، والجمع الأقوات.

يقول: يعلفن خيلنا الجياد ويقلن: لستم أزواجنا إذا لم تمنعونا من سبي الأعداء إيانا.

ظَعَائِنُ مِنْ بَنِي جُشَمِ بنِ بَكْرٍ

خَلَطْنَ بِمِيسَمٍ حَسَبًا وَدِينًا

الميسم: الحسن وهو من الوسام والوسامة وهما الحسن والجمال، والفعل وسم يوسم، والنعت وسيم. الحسب: ما يحسب من مكارم الإنسان ومكارم أسلافه، فهو فعل في معنى مفعول مثل النفض والخبط والقبض واللقط في معنى المنفوض والمخبوط والمقبوض والملقوط، فالحسب إذن في معنى المحسوب من مكارم آبائه.

يقول: هن نساء من هذه القبيلة جمعن إلى الجمال الكرم والدين.

وَمَا مَنَعَ الظَّعَائِنَ مِثْلَ ضَرْبٍ

تَرَى مِنْهُ السَّواعِدَ كالقُلِينَا

يقول: ما منع النساء من سبي الأعداء إياهن مثل ضرب تندر وتطير منه سواعد المضروبين كما تطير القلة إذا ضربت بالمقلى.

كَأَنَّا والسُّيوفُ مُسَلَّلاتٌ

وَلَدْنَا النَّاسَ طُرًّا أَجْمَعِينَا

يقول: كأن حال استلال السيوف من أغمادها، أي حال الحرب، ولدنا جميع الناس، أي نحميهم حماية الوالد ولده.

يُدَهْدونَ الرُّءُوسَ كَمَا تُدَهْدي

حَزَاوِرَةٌ بِأَبْطَحِهَا الكُرِينا

الْحَزَّوْر: الغلام الغليظ الشديد، والجمع الحزاورة.

يقول: يدحرجون رءوس أقرانهم كما يدحرج الغلمان الغلاظ الشداد الكرات في مكان مطمئن من الأرض.

وَقَدْ عَلِمَ القَبائِلُ مِنْ مَعَدٍّ

إِذَا قُبَبٌ بِأَبْطَحِهَا بُنينَا

يقول: وقد علمت قبائل معد إذا بنيت قبابها بمكان أبطح. القبب والقباب جمعا قبة.

بِأَنَّا الْمُطْمِعُونَ إِذَا قَدَرْنَا

وَأَنَّا الْمُهْلِكُونَ إِذَا ابْتُلِينَا

يقول: قد علمت هذه القبائل أنا نطعم الضيفان إذا قدرنا عليه، ونهلك أعداءنا إذا اختبروا قتالنا.

وَأَنَّا الْمَانِعُونَ لِمَا أَرَدْنَا

وَأَنَّا النَّازِلُونَ بِحَيْثُ شِينَا

يقول: وأنا نمنع الناس ما أردنا منعه إياهم، وننزل حيث شئنا من بلاد العرب.

وَأَنَّا التَّارِكُونَ إِذَا سَخِطْنَا

وَأَنَّا الآخِذُونَ إِذَا رَضِينَا

يقول: وأنّا نترك ما نسخط ونأخذ إذا رضينا، أي لا نقبل عطايا من سخطنا عليه ونقبل هدايا من رضينا عليه.

وَأَنَّا العَاصِمُونَ إِذَا أُطِعْنَا

وَأَنَّا العَازِمُونَ إِذَا عُصِينَا

يقول: وأنا نعصم ونمنع جيراننا إذا أطاعونا ونعزم عليهم بالعدوان إذا عصونا.

وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا الْمَاءَ صَفْوًا

وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدِرًا وَطِينَا

يقول: ونأخذ من كل شيء أفضله وندع لغيرنا أرذله، يريد لهم السادة والقادة وغيرهم أتباع لهم.

أَلَا أَبْلِغْ بَنِي الطّمّاحِ عَنّا

وَدُعْمِيًّا فَكَيْفَ وَجَدْتُمُونَا

يقول: سل هؤلاء كيف وجدونا؟ شجعانًا أم جبناء؟

إِذَا مَا الْمَلْكُ سَامَ النَّاسُ خَسْفًا

أَبَيْنَا أَنْ نُقِرَّ الذُّلَّ فِينَا

الْخَسْف: والْخُسْف: بفتح الخاء وضمها: الذل. السَّوم: أن تجشّم إنسانًا مشقة وشرًّا، يقال: سامه خسفًا، أي حمله وكلفه ما فيه ذل.

يقول: إذا أكره الملك الناس على ما فيه ذلهم أبينا الانقياد له.

مَلَأنَا البَرَّ حَتّى ضَاقَ عَنّا

وَمَاءُ البَحْرِ نَمْلَؤهُ سَفِينا

يقول: عممنا الدنيا برًّا وبحرًا فَضَاقَ البر عن بيوتنا والبحر عن سفننا.

إِذَا بَلَغَ الفِطَامَ لَنَا صَبِيٌ

تَخِرُّ لَهُ الْجَبَابِرُ سَاجِدِينَا

يقول: إذا بلغ صبياننا وقت الفطام سجدت لهم الجبابرة من غيرنا.

 

Recommended1 إعجاب واحدنشرت في شرح المعلقات

قد يعجبك أيضاً

تعليقات