Skip to main content
search

بادِر شَبابَكَ قَبلَ الشَيبِ وَالعارِ

وَحَثحِثِ الكَأسَ مِن بِكرٍ لِإِبكارِ

مِن قَهوَةٍ لَم تَزَل تَخفى وَيَحجُبُها

كِنُّ الحَرائِرِ عَصراً بَعدَ إِعصارِ

ظَلَّت مِنَ الدَهرِ أَزماناً مُخَدَّرَةً

يَصونُها كَنَفٌ مِن بَيتِ خَمّارِ

مِن قَعرِ جَوفٍ ذي ساقٍ بِلا قَدَمٍ

نيطَت بِدَنٍّ عَظيمِ البَطنِ هَدّارِ

مُمازِجُ الخَلقِ مِن زِفتٍ بِطانَتُهُ

وَالظَهرُ مِن فَوقِهِ بِنيانُ فَخّارِ

فيهِ مُدامٌ كَعَينِ الديكِ صافِيَةٌ

مِن مِسكِ دارينَ فيها نَفحَةُ الغارِ

يا رُبَّ لَيلٍ طَرَقنا بَيتَ صاحِبِها

بِفِتيَةٍ كَنُجومِ اللَيلِ أَحرارِ

فَقامَ مُستَنبِطاً لِلراحِ في ظُلَمٍ

يَسعى إِلى شَبَحٍ في كِنِّ أَستارِ

فَقالَ بَعضُهُمُ لَمّا رَأَوا عَجَباً

في الكَأسِ تَحتَ الدُجى مِن زِندِها الواري

شَمسُ النَهارِ وَماذا وَقتُ طَلعَتِها

وَقالَ بَعضُهُمُ ضَوءٌ مِنَ النارِ

حَتّى إِذا نَقَلَت كاساتِها خُرُدٌ

مِن بَينِ ذي قُرطُقٍ أَو ذاتِ زِنّارِ

جاءَت بِمُشرِقَةٍ تُهدى السَراةُ بِها

إِن ضَلَّ في ظُلمَةٍ عَن قَصدِهِ الساري

كَأَنَّها عِندَ مَسِّ الماءِ مِنجَزَعٍ

وَالماءُ يَجزَعُ مِنها شِبهَ فَرّارِ

في حَلبَةِ الحانِ جانٌ خَلفَهُ شُهُبٌ

مُبادِرٌ راعَهُ شَخصٌ بِإِنفارِ

وَالكَأسُ تُمسِكُها مِن أَن تُراعَ فَما

تَنفَكُّ فيها بِإِقبالٍ وَإِدبارِ

عَروسُ خِدرٍ مِنَ الياقوتِ نَشرَبُها

تُكِنُّ تَحتَ سَماها بَدرَ أَقمارِ

تَبدو لَنا عُطُلاً حَتّى إِذا مُزِجَت

حَلّى لَها المَزجُ سِمطَي دُرِّ قَسطارِ

كَأَنَّهُ بَرَدٌ في الطَوقِ مِنتَظِمٌ

في غَيرِ سِلكٍ وَلَم يوثَق بِمِسمارِ

وَخادِلٍ مِن جَواري الحَيِّ تُسعِدُها

أَصواتُ مُختَلِفٍ مِن وَقعِ أَوتارِ

مِن بَينِ بَمٍّ إِلى مَثنىً وَمَثلَثِهِ

وَما خَلى ذاكَ مِن أَصواتِ أَوتارِ

نيطَت إِلى بَدَنٍ كَالخَلقِ لَيسَ لَهُ

روحٌ وَلَكِنَّهُ مِن تَحتِ نَجّارِ

أَتاهُ في غَيضَةٍ فَاِختارَ جَيِّدَهُ

وَظَلَّ يَنحى لَهُ قَطعاً بِمِنشارِ

مُعَقرَبُ الرَأسِ كَالمِسراجِ صَنعَتُهُ

سِحرٌ وَما مَسَّهُ تَعقيدُ سَحّارِ

تَمَّت مَلاويهِ حَتّى خِلتَ خِلقَتَها

أَصابِعاً حُرِّكَت مِن مِفصَلِ جارِ

يَحكي صَداهُ مَجيدَ الصَوتِ إِذ نَطَقَت

مِنهُ اللُغاتُ عَلى طَبلٍ وَزَمّارِ

فَذاكَ قَبلَ نُزولِ الشَيبِ عادَتُنا

لَكِنَّنا نَرتَجي غُفرانَ غَفّارِ

أبو نواس

أبو نواس أو الحسن بن هانئ الحكمي الدمشقي شاعر عربي من أشهر شعراء عصر الدولة العباسية. ويكنى بأبي علي وأبي نؤاس والنؤاسي. وعرف أبو نواس بشاعر الخمر. ولكنه تاب عما كان فيه وأتجه إلى الزهد وقد أنشد عدد من الأشعار التي تدل على ذلك

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024