بادر شبابك قبل الشيب والعار

ديوان أبو نواس

بادِر شَبابَكَ قَبلَ الشَيبِ وَالعارِ

وَحَثحِثِ الكَأسَ مِن بِكرٍ لِإِبكارِ

مِن قَهوَةٍ لَم تَزَل تَخفى وَيَحجُبُها

كِنُّ الحَرائِرِ عَصراً بَعدَ إِعصارِ

ظَلَّت مِنَ الدَهرِ أَزماناً مُخَدَّرَةً

يَصونُها كَنَفٌ مِن بَيتِ خَمّارِ

مِن قَعرِ جَوفٍ ذي ساقٍ بِلا قَدَمٍ

نيطَت بِدَنٍّ عَظيمِ البَطنِ هَدّارِ

مُمازِجُ الخَلقِ مِن زِفتٍ بِطانَتُهُ

وَالظَهرُ مِن فَوقِهِ بِنيانُ فَخّارِ

فيهِ مُدامٌ كَعَينِ الديكِ صافِيَةٌ

مِن مِسكِ دارينَ فيها نَفحَةُ الغارِ

يا رُبَّ لَيلٍ طَرَقنا بَيتَ صاحِبِها

بِفِتيَةٍ كَنُجومِ اللَيلِ أَحرارِ

فَقامَ مُستَنبِطاً لِلراحِ في ظُلَمٍ

يَسعى إِلى شَبَحٍ في كِنِّ أَستارِ

فَقالَ بَعضُهُمُ لَمّا رَأَوا عَجَباً

في الكَأسِ تَحتَ الدُجى مِن زِندِها الواري

شَمسُ النَهارِ وَماذا وَقتُ طَلعَتِها

وَقالَ بَعضُهُمُ ضَوءٌ مِنَ النارِ

حَتّى إِذا نَقَلَت كاساتِها خُرُدٌ

مِن بَينِ ذي قُرطُقٍ أَو ذاتِ زِنّارِ

جاءَت بِمُشرِقَةٍ تُهدى السَراةُ بِها

إِن ضَلَّ في ظُلمَةٍ عَن قَصدِهِ الساري

كَأَنَّها عِندَ مَسِّ الماءِ مِنجَزَعٍ

وَالماءُ يَجزَعُ مِنها شِبهَ فَرّارِ

في حَلبَةِ الحانِ جانٌ خَلفَهُ شُهُبٌ

مُبادِرٌ راعَهُ شَخصٌ بِإِنفارِ

وَالكَأسُ تُمسِكُها مِن أَن تُراعَ فَما

تَنفَكُّ فيها بِإِقبالٍ وَإِدبارِ

عَروسُ خِدرٍ مِنَ الياقوتِ نَشرَبُها

تُكِنُّ تَحتَ سَماها بَدرَ أَقمارِ

تَبدو لَنا عُطُلاً حَتّى إِذا مُزِجَت

حَلّى لَها المَزجُ سِمطَي دُرِّ قَسطارِ

كَأَنَّهُ بَرَدٌ في الطَوقِ مِنتَظِمٌ

في غَيرِ سِلكٍ وَلَم يوثَق بِمِسمارِ

وَخادِلٍ مِن جَواري الحَيِّ تُسعِدُها

أَصواتُ مُختَلِفٍ مِن وَقعِ أَوتارِ

مِن بَينِ بَمٍّ إِلى مَثنىً وَمَثلَثِهِ

وَما خَلى ذاكَ مِن أَصواتِ أَوتارِ

نيطَت إِلى بَدَنٍ كَالخَلقِ لَيسَ لَهُ

روحٌ وَلَكِنَّهُ مِن تَحتِ نَجّارِ

أَتاهُ في غَيضَةٍ فَاِختارَ جَيِّدَهُ

وَظَلَّ يَنحى لَهُ قَطعاً بِمِنشارِ

مُعَقرَبُ الرَأسِ كَالمِسراجِ صَنعَتُهُ

سِحرٌ وَما مَسَّهُ تَعقيدُ سَحّارِ

تَمَّت مَلاويهِ حَتّى خِلتَ خِلقَتَها

أَصابِعاً حُرِّكَت مِن مِفصَلِ جارِ

يَحكي صَداهُ مَجيدَ الصَوتِ إِذ نَطَقَت

مِنهُ اللُغاتُ عَلى طَبلٍ وَزَمّارِ

فَذاكَ قَبلَ نُزولِ الشَيبِ عادَتُنا

لَكِنَّنا نَرتَجي غُفرانَ غَفّارِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان أبو نواس، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات