Skip to main content
search

حَقّاً أَقولُ لَقَد تَبَلتِ فُؤادي

وَأَطَلتِ مُدَّةَ غَيِّيَ المُتَمادي

بِجَوىً مُقيمٍ لَو بَلَوتِ غَليلَهُ

لَوَجَدتِهِ غَيرَ الجَوى المُعتادِ

وَلَقَد عَرَفتِ جَوى الهَوى في مِنَّتي

وَرَأَيتِ طاعَةَ قَلبِيَ المُنقادِ

وَالحُبُّ شَكوٌ لِلنُفوسِ يَسُرُّني

سَهوُ العَوائِدِ عَنهُ وَالعُوّادِ

هَل أَنتَ صارِفُ شَيبَةٍ إِن غَلَّسَت

في الوَقتِ أَو عَجِلَت عَنِ الميعادِ

جاءَت مُقَدِّمَةً أَمامَ طَوالِعٍ

هَذي تُراوِحُني وَتِلكَ تُغادي

وَأَخو الغَبينَةِ تاجِرٌ في لِمَّةٍ

يَشري جَديدَ بَياضِها بِسَوادِ

لا تَكذِبَنَّ فَما الصِبا بِمُخَلَّفٍ

فينا وَلا زَمَنُ الصِبا بِمُعادِ

وَأَرى الشَبابَ عَلى غَضارَةِ حُسنِهِ

وَجَمالِهِ عَدَداً مِنَ الأَعدادِ

إِنَّ الخِلافَةَ أَحمَدَت مِن أَحمَدِ

شِيَماً أَنافَ بِها عَلى الإِحمادِ

مَلِكٌ تُحَيِّهِ المُلوكُ وَدونَهُ

سيما التُقى وَتَخَشُّعُ الزُهّادِ

وَقَذَت مُوالاةُ الصِيامِ تَصَرُّفاً

مِن لَحظِ ظَمآنِ الهَواجِرِ صادِ

مُتَهَجِّدٌ يُخفي الصَلاةَ وَقَد أَبى

إِخفاءَها أَثرَ السُجودِ البادي

سَمحُ اليَدَينِ إِذا اِحتَبى في مَجلِسٍ

كانَ النَدى صِفَةً لِذاكَ النادي

أُنظُر إِلَيهِ إِذا تَلَفَّتَ مُعطِياً

نَيلاً وَقُل في البَحرِ وَالوُرّادِ

وَإِذا تَكَلَّمَ فَاِستَمِع مِن خُطبَةٍ

تَجلو عَمى المُتَحَيِّرِ المُرتادِ

أَفضى إِلَيهِ المُسلِمونَ فَصادَفوا

أَدنى البَرِيَّةِ مِن تُقى وَسَدادِ

بِفَضيلَةٍ في النَفسِ توصَلَ عِندَهُ

بِفَضائِلِ الآباءِ وَالأَجدادِ

وَمَحَلَّةٍ تَعلو فَتَسقُطُ دونَها

هِمَمُ العِدى وَنَفاسَةُ الحُسّادِ

وَزَنوا الأَصالَةَ مِن حِجاهُ وَإِنَّما

وَزَنوا بِها طَوداً مِنَ الأَطوادِ

وَوَراءَ ذاكَ الحِلمِ لَيثُ خَفِيَّةٍ

مِن دونِ حَوزَتِهِم وَحَيَّةُ وادِ

مُتَيَقِّظٌ عَصِمَت بَوادِرُ أَمرِهِ

بِعُرىً مِنَ الرَأيِ الأَصيلِ شِدادِ

كَالسَيفِ في ذاتِ الإِلَهِ وَقَد يَرى

كَرَماً كَفَرعِ النَبعَةِ المُنآدِ

راعٍ أَراهُ الحَقُّ قَصدَ سَبيلِهِ

فَغَدا يُناضِلُ دونَهُ وَيُرادي

وَدَّت رَعِيَّتُهُ لَوَ اَنَّ لَيالِياً

قَدُمَت بِهِ في المُلكِ وَالميلادِ

تَبِعَت بَنو العَبّاسِ هَديَ مُوَفَّقٍ

ثَبتِ البَصيرَةِ بِالمَحَجَّةِ هادِ

مُستَجلِبٍ لَهُمُ اِجتِهادَ نَصيحَةٍ

مِن أَولِيائِهِم وَذَودَ أَعادِ

وَكَأَنَّهُم لَمّا اِقتَفَوا آثارَهُ

تَبِعوا ضِياءَ الكَوكَبِ الوَقّادِ

يَنسى الذُنوبَ وَما تَقادَمَ عَهدُها

مُلقى الضَغائِنِ دارِسُ الأَحقادِ

تَعفو لِعَفوِ اللَهِ عَنكَ تَحَرِّياً

وَالعَفوِ خَيرُ خَلائِقِ الأَمجادِ

بَلَغَ اِحتِياطُكَ وَفدَ كُلِّ قَبيلَةٍ

وَأَغاثَ عَدلُكَ أَهلَ كُلِّ بِلادِ

لا تَخلُ مِن عَيشٍ يَكُرُّ سُرورُهُ

أَبَداً وَنَيروزٍ عَلَيكَ مُعادِ

وَبَقيتَ يَفديكَ الأَنامُ وَإِنَّهُ

لَيَقِلُّ لِلمَفدِيِّ قَدرُ الفادي

أَخشى الخَراجَ وَقَد دَعَوتُ لِعُظمِهِ

مَلِكَ المُلوكِ وَرافِدَ الرُفّادِ

البحتري

البحتري (205 هجري - 284 هجري): هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي. البحتري بدوي النزعة في شعره، ولم يتأثر إلا بالصبغة الخارجية من الحضارة الجديدة. وقد أكثر من تقليد المعاني القديمة لفظيا مع التجديد في المعاني والدلالات، وعرف عنه التزامه الشديد بعمود الشعر وبنهج القصيدة العربية الأصيلة ويتميز شعره بجمالية اللفظ وحسن اختياره والتصرف الحسن في اختيار بحوره وقوافيه وشدة سبكه ولطافته وخياله المبدع.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024