نظَراتٌ وعبَرات بعينِ الفِكر 1

قِيمٌ ومواقفُ

o ضاعَتْ لذّةُ العلمِ بضياعِ هَيبةِ المعلِّمِ، وضاعَتْ هيْبةُ المعلِّمِ بضياعِ حقِّهِ، وضاعَ حقُّه بضياعِ الضَّميرِ، وضاعَ الضّميرُ بضياعِ الإنسانيّةِ، وضاعَتِ الإنسانيّةُ بطُغيانِ المادّةِ الّتي أصبَحتْ جرثومةً تَسْري في عروقِ غالبيّةِ البشرِ.

o ارتكبَتِ الأمّةُ العربيّةُ جرائمَ حينَ تَواطأتْ واحتُلَّتْ أراضِيها، وحينَ تناحَرَت، فاستَعانَ بعضُها على بعضٍ بالعدوِّ، وحينَ نسيَتْ تُراثَها وتاريخَها واهتمَّتْ بكلِّ دخيلٍ على أنّهُ البديلُ في بناءِ حضارتِها.

o وجدْتُ الذَّوقَ العربيَّ على درجاتٍ:

 درجةٍ يَتذوَّقُ فيها النَّاسُ نغَماتِ الماضِي بمَا فيها مِن مُثيرٍ لأعْمقِ المشاعرِ، وخاملٍ لا يُحرِّكُ إلّا المشاعرَ الضَّحْلةَ.

 ودرجةٍ يتذوّقُ فيها النّاسُ النَّغماتِ الصَّافيةَ العذْبةَ الّتي لحَّنتْها قريحتُهم المعاصِرةُ موشَّاةً بألحانِ الماضِي الجميلةِ.

 ودرجةٍ يتذوَّقُ فيها الجيلُ الصّاعدُ الثّرثراتِ المقَرقِعةَ المفرقِعةَ الّتي تَخدُشُ العواطِفَ النَّبيلةَ، وتُحوِّلُ الأنغامَ العذبةَ من ألحانِ الأوتارِ الحسَّاسةِ إلى قُدورٍ نُحاسيّةٍ تُطرَقُ بالمعاولِ.

o القوانينُ كالغرابيلِ تسْقُطُ مِن خلالِها الحبّاتُ الصَّغيرةُ، وتَعلُو علَيها الحبّاتُ الكبيرةُ الّتي تُمثِّلُ ذوي البُطونِ الواسِعةِ الممتلِئةِ، وأصحابَ السُّلطةِ والنُّفوذِ، والكلابَ الّتي تَعيشُ على فضَلاتِها.

o يَتحوَّلُ الطُّموحُ من مجرَّدِ فكرةٍ تُراودُ حلُمَ المرءِ، إلى حقيقةٍ حينَ لا يألُو جهْداً أو طاقةً لتَعبيدِ الطّريقِ أمامَهُ نحوَ المستقْبلِ الّذي يَنشُدُهُ.

o إذا أردْتَ بلوغَ هدفٍ في حياتِكَ، فتَسلَّحْ بإرادةٍ صُلبةٍ، ولا تتردَّدْ، ولا تخْشَ إلّا اللهَ، وضَعْ نُصْبَ عينَيكَ النَّجاحَ، ولا تدَعِ العراقيلَ تنالُ مِن عزيمتِكَ، ولا تيْأَسْ، فالرّجالُ العظماءُ الّذينَ صنعُوا التّاريخَ إنْ هُم إلّا بشرٌ مثلُنا، لكنّ اللهَ هيّأَ لهمُ الأسبابَ الّتي فجّرتْ طاقاتِهم، فعرفُوا أهدافَهم، وسعَوا إليها بكلِّ ما أُوتُوا من فكرٍ وعزيمةٍ، حاملينَ أرواحَهم بأيدِيهم، فحقَّقُوا ما هَدفُوا إليهِ، وسجَّلُوا أسماءَهم بينَ النُّجومِ.

o كان الحبُّ والاحترامُ بمِكيالِ القلُوبِ، أمّا اليومَ فأصبَحَا بمِكيالِ الجُيوبِ.

o فقدْنا قيَمَنا حينَ تَرجْرجَ موقِفُنا، وخسِرْنا موقِعَنا حينَ أضَعْنا كلِمتَنا، وماتَتْ كلِمتُنا حينَ لانَتْ عزيمَتُنا.

o ما أشبهَ القوانينَ بمَطّاطةِ الصّيدِ! فإنّها تَمتَطُّ حسْبَ الفريسةِ الّتي أمامَها.

o الشَّجاعةُ مَضْمونٌ لا شكلٌ، وموقفٌ وكلِمةٌ لا ادّعاءٌ ولا تَباهٍ.

o ما أشبهَ بعضَ الجامِعاتِ بالقِمارِ! فإنّهُ لا يربحُ فيها إلّا ذو الحظِّ الميمُونِ، وأصحابُ العُملاتِ الصَّعبةِ.. أمّا الفقراءُ والأذكياءُ، فهيْهاتَ هيْهاتَ إلّا بعدَ فواتِ الأوانِ.

o الدِّينُ سلُوكٌ ومُعاملةٌ، لا شِعاراتٌ ومُناحَرةٌ.

o ليس المهمُّ في طريقةِ عبادةِ اللهِ، المهمُّ أن تَعبُدَه وتُخلِصَ له النّيّةَ والعملَ.

o غالباً ما يَحتقرُ النّاسُ الحمارَ، ويُشبِّهونَ بهِ إذلالاً وتَحقيراً، بيدَ أنّ الحِمارَ أرفعُ شأْناً، وأنبلُ فضْلاً منْ كثيرٍ ممَّن لا ذيولَ لهُم.

o البشرُ أصنافٌ: صِنفٌ يَفهمُ بالإشارةِ، وصِنفٌ يَفهمُ بالهَمْسةِ، وصِنفٌ يَفهمُ بالكلمةِ، وصِنفٌ يَفهمُ بالسَّوطِ، وصِنفٌ لا يَفهمُ إلّا بضربةٍ تُريحُ الحياةَ منهُ.

o الفضيلةُ شجرةٌ أحرقَتْها نيرانُ المدنيّةِ، وخنقَتْها سحُبُ دخانِها الحَمقاءُ.

o الأمّةُ الّتي يَغيبُ فيها حِسابُ الضّميرِ، مُهدَّدةٌ باقترابِ الأجلِ والمصيرِ.

o الأمّةُ الّتي تكثرُ فيها جواسيسُ الخَليفةِ وزبانيَّتُه، تمُوتُ قبلَ أن يَنْتهي أجلُها.

o الأمّةُ الّتي تُفرّطُ بحقٍّ من حقُوقِ أحدِ أفرادِها، يُمْكنُ أن تُفرِّطَ بكثيرٍ من حقوقِ شعْبِها.

o الأمّةُ الّتي تُكثِرُ مِن رواياتِ البُطولةِ والتَّمْجيدِ، تَنْسى روايةَ نفسِها، فتَضيعُ وتَمحُوها رياحُ الزّمنِ العاتيةُ.

o حينَما كنّا صِغاراً، حفِظْنا أناشيدَ الطُّفولةِ.. وحينَما كبُرنا، كرِهْنا قصائدَ التَّمجيدِ والبُطولةِ.

o عِشْقُ القلْبِ للقلبِ خلُودٌ وهناءٌ.. وعشْقُ الجسدِ للجسدِ كلَلٌ وفناءٌ.

o ثلاثٌ رفضْتُ الزَّواجَ منهنَّ: ذاتُ مُلْكٍ ستُحيلُني إلى خادمٍ تحتَ إمرتِها.. وذاتُ علمٍ فارغٍ مِن مَضامينِه ستَجْعلُني تلمِيذاً بينَ يديْها.. وذاتُ صِلةِ قُربى ستَجلُدُ مشاعرِي بسَوطِ شيخِ القبيلةِ.

o أُقدِّسُ الزَّواجَ مِن فتاةٍ أهمُّ خصالِها ثلاثٌ: غِنى النَّفسِ معَ الفقْرِ، والتّواضُعُ معَ رِفعةِ الشّأنِ، وقِلَّةُ الكلامِ معَ سَعةِ المعرفةِ.. وهذهِ، بالطّبعِ، فتاةٌ لا تجِدُها إلّا في جُمهوريّةِ أفلاطونَ.

o وجدْتُ اللّذّةَ في:

 عملٍ أمارسُهُ مِن تلْقاءِ ذاتِي، دونَ أن يُملَى عليَّ..

 وفي دراستِي المتواصِلةِ دونَ أن تُفرضَ عليَّ..

 وفي مجالسةِ مُتبحِّرٍ في العلمِ يُمتِعُني بعَبابٍ يُداعبُ مركبِي؛ ليتَمرَّسَ على الإبحارِ..

 وفي خَلْوةٍ أعيشُ فيها معَ ذاتِي، دونَ أن يُعكِّرَ صفْوَها ذرّةٌ من غُبارِ الحياةِ، فأَرى فيها غياهِبَ وبراقعَ نفسِي، وأَتأمّلُ عوالمَ هَذا الوجودِ المعقَّدِ، وأتلمَّسُ آياتِ الإبداعِ الّتي سطَّرَها الخالقُ العظيمُ على عرينِ هذا الوجودِ.

 ثلاثةٌ أكرهُ مجالسَتَهم:

 رجلٌ يُكثرُ منَ القالِ والقيلِ..

 ورجلٌ يتَحدَّثُ عن مغامراتِه معَ السّندبادِ البحريِّ..

 ورجلٌ يلُفُّ رأسَه بعمامةِ العلماءِ، لكنَّه يتَّكئُ على عصَا الجُهلاءِ.

o اتّهاماتٌ: اتّهمُوني بـ :

 البساطةِ؛ لأنّني أحببْتُ التّواضعَ..

 والبخلِ؛ لأنّني أوفّرُ كلَّ إمكانيّاتي من أجلِ طلبِ العلمِ..

 والضَّعفِ؛ لأنّني فضَّلْتُ العيشَ في أحضانِ الطَّبيعةِ على العَيشِ في مُجتمعٍ أسيرِ التَّخلُّفِ والثَّرثرةِ والفَوضَى..

 وضحالةِ الثَّقافةِ؛ لأنّني لا أُريدُ مُجادلةَ الجَهلةِ..

 والباطلِ، حينَ أشرْتُ إلى أسبابِ جهلِهم وتَخلُّفِهم..

 والتَّعالي والتَّكبُّرِ، حينَ سمَوْتُ بعِلْمي وتكلَّمتُ بمعرفتِي..

 والكفْرِ، حين طالبتُهم بإصلاحِ ما أفسدُوهُ من طهارةِ دينِهم..

 والتَّخلُّفِ، حينَ رفضْتُ مُنادمتَهم وجنونَهم العصْريَّ..

 والجنونِ، حينَ خرجْتُ على غثِّ أعرافِهم وعُقْمِ تقاليدِهم..

 والشُّذوذِ، حين ثُرتُ على أساليبِ سلوكِهم في الحياةِ..

 والتَّطرُّفِ، حين دحضْتُ آراءَهم وتمسَّكْتُ بمبادِئي..

 والنَّشازِ، حينَ تذمَّرتُ من أذواقِهم المريضةِ..

o ما أكثرَ المغامرينَ في هذا الزَّمانِ الّذينَ يُعدِمُون من وقتِكَ ساعاتٍ على مشانِقِ حماقاتِهم! فكلُّ مَن يُجيدُ فنَّ التَّلفيقِ، يظنُّ أنّه بطلُ المسرحيَّةِ يُمثِّلُ الدّورَ الرّئيسَ فيها، وتَدورُ أحداثُها حولَ جبروتِه، وما على المسْتمِعينَ إلّا أنْ يَفْتحُوا آذانَهم وقلُوبَهم ليَتلقَّفُوا ما يَرويهِ البطلُ المغامرُ.

o ما أكثرَ الثّرثارينَ الّذينَ يظنُّونَ أنّ كثرةَ لَعيِهم ثقافةٌ وفنٌّ من فنُونِ الكلامِ، ويَنسَونَ أنَّ جُلَّ ما يقولُونَ ما هوَ إلّا هُراءٌ وقرعٌ بالطُّبولِ، وجَعْجعةٌ بلا طَحينٍ.

o الّذين يتحدَّثُون عن أنفسِهم طواويسُ مَغرورةٌ تنفُجُ ريشَها في الظَّلامِ، فتظنُّ أنَّ الكونَ كلَّه مُعجَبٌ بنفاجتِها.

o كذَبَ الّذين يظنُّون أنّ تلفيقَ الكلماتِ شجاعةٌ وحِنكةٌ، فالتّلفيقُ خداعٌ ونفاقٌ تأْباهُ كلُّ عناصرِ الوجودِ.

o نقيقُ الضَّفادعِ، على كراهيَّتِه، خيرٌ من جعجعةِ ملايينِ البشرِ؛ لأنَّ النَّقيقَ صوتٌ طبيعيٌّ مبعثُه فرحُ الضَّفادعِ بإشراقةِ الطّبيعةِ.. وجعْجعةُ النّاسِ مبْعثُها فراغُ الرّوحِ والفكرِ.

o كثيرٌ من أصواتِ البشرِ لا يختلِفُ في حقيقتِه عن أصواتِ دوابِّ الأرضِ، لكنّ صوتَ الدَّابّةِ يقعُ أحياناً في القلبِ.. في حين يَضيقُ الصّدرُ، وتشمئِزُّ الرّوحُ حينَ سماعِ أصواتٍ بشريّةٍ مبعثُها حيوانيّةٌ بشريّةٌ قاتلةٌ.

o كثيرٌ من النّاسِ يقتلُون الوقتَ بالثّرثرةِ، ويَعدُّون ذلكَ أسلوباً إنسانيّاً حافلاً بالنّجاحِ، فيَجترُّون الأحاديثَ مِراراً وتَكراراً، ويتناقلُون الكلماتِ بالأطنانِ، دونَ أدنَى فائدةٍ، لكنّنا نَرى في اجترارِ الحيواناتِ فوائدَ كثيرةً لا يُدركُها إلّا العقلاءُ.

o أسمعُ في تغريدِ الطّيورِ أنغاماً تأسرُ الرّوحَ والجسدَ، ولا أسمعُ في أصواتِ كثيرٍ منَ المغنّينَ اليومَ إلّا ما يُحرّكُ في النّفسِ مشاعرَ الاشمئزازِ والامتِعاضِ.

o أسمعُ في سكونِ اللّيلِ كلماتٍ ومعانيَ تعجزُ عن الإيماءِ بها آلافُ المؤلَّفاتِ الّتي تُثْقِلُ أذهانَ البشرِ بسفاسفِ الأفكارِ، وتكلِّفُهم منَ الجُهدِ و المالِ والزَّمانِ و المكانِ كلَّ غالٍ ونفيسٍ.

o الفراغُ صحراءُ قاحلةٌ تقتلُ المواهبَ، وتُضيْعُ الإنسانَ في متاهاتِها، فيَسيْرُ خبطَ عشواءَ دونَ هدفٍ.

o الوظيفةُ روتينٌ يكبِّلُ المواهبَ، ويُسيّرُ الإنسانَ ولا يُخيّرُه، فيقعُ أسيرَ عاداتٍ تُمْليها عليه عُفونةُ الحياةِ.

o للرّوحِ همْسٌ لا يسمعُه إلّا مَن قَدَّتْ أوتارَ قلبِه أناملُ ملائكةِ الحبِّ، وللنَّفسِ نَجْوى لا يُدركُها إلّا مَن امتلكَ روحاً شاعريّةً طارتْ من أرضِ الواقعِ، وهامتْ في الخيالِ.

o معظمُ الّذين يتطوَّعُون في الجيوشِ ليس حبَّاً في خدمةِ الأوطانِ، وإنّما ليُطوِّعُوا ما فيها من ثرواتٍ لحسابِهم الخاصِّ.

o الغِنى والسُّلْطةُ: سألْتُ الغِنى: مِن أينَ أنتَ؟ فأجابَ: من ثلاثةٍ: الخِسّةِ، أو الاستِغلالِ، أو الاختِلاسِ. ثمّ سألتُه عن وسيلتِه، فأجابَ: النَّفسُ؛ لأنّها تستطيعُ أن تفعلَ ما تشاءُ. والسُّلْطةُ؛ لأنّها عاهِرةٌ لا تُراعي حُرمةً ولا عهْداً.

o السّياسةُ في البلدانِ المتَطوِّرةِ مُسخَّرةٌ لخدمةِ المجتمعِ، أمّا في المجتمعاتِ المتخلِّفةِ، فالمجتمعُ بأسْرِه عبيدٌ تحتَ أقدامِ السِّياسةِ.

o على الإنسانِ أنْ يعملَ في ثلاثِ وظائفَ، كي يعيشَ عيشةَ الحيوانِ؛ لأنّ الوظيفةَ الواحدةَ لا تَكْفي للضَّرائبِ والرَّشاوَى، والوظيفةُ الثّانيةُ لا تكْفي لسدِّ أفواهِ التُّجّارِ والمحتكِرينَ الّتي غدتْ كالنّارِ لا تُوفّرُ رطْباً ولا يبَساً، والوظيفةُ الثّالثةُ لا تكْفِيه غذاءً من الأعلافِ المتوفِّرةِ في الأسواقِ.

o الرّشوةُ هي القانونُ الّذي تُنفِّذُه السُّلطةُ في العالمِ، ويَخضعُ له الأغنياءُ والفقراءُ.

o كلابُ السُّلطةِ في العالمِ تنْبحُ حينَ تصطادُ طريدةً صغيرةً، وتَخْرسُ حين تصطادُ طريدةً كبيرةً.

o إنّنا في الشّرق نتخلَّفُ ثلاثةَ أضعافِ ما يتقدَّمُ به الغربُ، فلذلكَ لا غرابةَ في أن يحتلَّ العربُ الكرةَ الأرضيّةَ في نهايةِ الزّمانِ قبلَ أن يهبِطَ المسيحُ عليه السّلامُ إلى الكوكبِ الأرضيِّ، بعدَ أنْ يكونَ العالمُ قدْ سكَنَ كواكبَ الفضاءِ.

o ما سألْتُ أحداً من العامّةِ عن حالِه، إلّا وأجابَ: الحمدُ للهِ الّذي لا يُحمَدُ على مكروهٍ سواهُ! بالرّغمِ مِن شدّةِ ظلامِ سجونِ الفقْرِ والتّعاسةِ والشّقاءِ! فمَن يا تُرى صمَّمَ هندسةَ هذهِ الأهرامِ من شقاءِ وتعاسةِ الإنسانيّةِ؟

أليسُوا تنِّيناً من شياطينِ البشرِ، قد غصُّوا بخيراتِ وثرواتِ الشُّعوبِ، فلم يتركُوا لخلقِ اللهِ كلمةً تُحرِّرُهم منَ الطُّغيانِ، أو كِسرةَ خبزٍ تُداوي بطونَهم المثْخَنةَ بالجراحِ والآلامِ!

o العاملُ والفلّاحُ والفقراءُ يَدفعُون.. وأصحابُ السُّلطةِ والنُّفوذِ والتُّجّارُ والأغنياءُ يَجمعُون.

o الحياةُ تبتسمُ بشفاهِها للأغنياءِ، فتمُدُّ لهم بساطَ الغِنى والثَّراءِ، لكنَّ قلبَها يظلُّ كالِحاً؛ لأنّه ينظرُ إليهم بعينِ البصيرةِ، فلا يَرى إلّا قُبحَهم وجشعَهم وأحابيلَ خُبثِهم. أمّا الفقراءُ؛ فإنّها تكلَحُ في وجوهِهم، فلا تُريهم إلّا التَّعاسةَ والشَّقاءَ، لكنَّهم استطاعُوا أن يمتلِكُوا قلبَها؛ ليستمدُّوا منه القناعةَ والهناءةَ والسَّعادةَ، وأكبرُ دليلٍ على كرهِ الحياةِ للأغنياءِ وحبِّها للفقراءِ، أنّ التّاريخَ لم يتحدَّثْ عن الأغنياءِ في صفحةٍ واحدةٍ من صفحاتِه، لكنّه ملأَ وجهَ الأرضِ حكاياتٍ تَروِي ثوراتِ المستَضعَفينَ على المستبدِّينَ، والفُقراءِ على الأغنياءِ، والعلماءِ على الجهلاءِ، والمخترعينَ والمبتكِرينَ على الآسنينَ الخانِعينَ الّذينَ يُريدونَ إيقافَ الحياةِ عن دورةِ نموِّها وتطوُّرِها.

o مَن يُريدُ أن يحقِّقَ السَّلامَ، عليهِ بإحْدى ثلاثٍ: إمّا أن يكونَ قويّاً ليفرِضَه على الآخرينَ فرضاً، وإمّا أنْ يكونَ حرباءَ تتلوَّنُ حسْبَ الظّرفِ والمكانِ اللّذينِ تكونُ فيهما، أو يستسلمَ استسلامَ الشَّاةِ للمِدْيةِ في يدِ الجزَّار.

o قوّةُ الشَّخصيّةِ في أربعةٍ: الشَّجاعةُ، والرّضَا عن الذّاتِ، والقدرةُ على التّعبيرِ عن النَّفسِ، وقوَّةُ التّأثيرِ والإقناعِ.

o النّاسُ أصنافٌ: الأقاصِي والأواسِطُ والأدانِي.

 فالأقاصِي: مَن يتحدَّونَ كلَّ الظُّروفِ والعقباتِ؛ لتحقيقِ أهدافِهم، ولا يَحيدُون عنها حتّى آخرِ قطرةٍ من دمائِهم.

 والأواسطُ: مَن يَسيرُون تحتَ رحمةِ الجُدرانِ، ولا يَطلبُون إلا السُّترةَ.

 والأدانِي: مَن ينتظرونَ رحمةَ ربِّهم؛ كي يُخلِّصَ الحياةَ منهم.

o يحتفلُ معظمُ النّاسِ بأعيادِ ميلادِهم، يرقصونَ ويتغنَّونَ، وكأنَّهم فتحُوا للحياةِ فتحاً مُبيناً، وأنأ أحتفِلُ في ذاتي، كلَّما وُلِد لي كتابٌ على رفوفِ مكتبتِي، أو كلَّما نضجَتْ قريحتِي بكلمةٍ أُحسُّ بها من وجْداني.

o بعضُ النّاسِ فئرانٌ تتحوَّلُ إلى هِررةٍ حين تَغيبُ القِططُ الحقيقيَّةُ.

o كلّما ازدادَ الإنسانُ غروراً، خفَّ عقلُه، وكثُر جهلُه، وقرُبَ حتفُه، وكلّما ازدادَ الإنسانُ تواضعاً، كبُرَ عقلُه، وازدادَ عِلمُه، وارتفعَ شأنُه، وذاعَ صيتُه.

o ما أكثرَ الّذين يَطرحُون المبادئَ والأفكارَ، وما أقلَّهم حينَ التَّطبيقِ!

o تقومُ الأخلاقُ العامّةُ على ثلاثِ دعائمَ: الوجدانُ، والضَّميرُ، والدّينُ النَّقيُّ.. والعلاقةُ بينها علاقةٌ جدليّةٌ. فالوجدانُ يُغذّي الضَّميرَ والدّينَ، والنّقيضُ صحيحٌ، فإذا غابَ أحدُهما ماتتِ الأخلاقُ.

o سألْتُ الشّجاعةَ عن موطنِها، فأجابتْ: في ثلاثةٍ.. القبرُ ، أو السِّجنُ، أو في نفوسٍ تُخطّطُ وتعملُ لقلبِ الواقعِ رأساً على عقبِ في الوقتِ المناسبِ.

o ثلاثةٌ ترفعُ النَّفسَ إلى معانقةِ النُّجومِ: السَّهرُ مع خيرِ جليسٍ، والسَّفرُ في طلبِ علمٍ نفيسٍ، والصَّبرُ على شتّى أنواعِ عذابِ النَّفسِ.

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات