Skip to main content
search

قيل فيما سلف، أيام تولي محمد علي بيك زمام الحكم بمصر بعد النهضة لبلدان الشرق الأوسط، و يرجع ذلك لمساندة أتباع رفاعة الطهطاوي لايديوليجيته ، و ذلك إثرالتغييرات الكبيرة التي تمت بسلك التشريعات القضائية مباشرة بعد اعتلائه منصبه بالحكومة الجديدة .

بعدها بقليل، انجر آلاف الطلبة بمختلف الكليات و الجامعات المصرية للتضاهر في شوارع القاهرة و مختلف المقاطعات بالبلد, مما أدى لاحتدام الأمر و تفاقم الأوضاع ل بعد وقوع مشادات عنيفة بين المعارضة الطلابية و البوليس، و لتهدءة الانفجار الطلابي بجامعات القاهرة حينها، أمر عميد كلية الأزهر، و آنذاك لم يكن اسمه معروفا كثيرا بينهم يلقلب بعلي عزت العمداوي، من كفر الإمام الشيخ أبو أحمد المنشاوي. إذ  نصحه وجهاء بمسجد السيدة زينب بالنظر إلى النصوص القانونية المستوحاة من تشاريع اوروربية بعد قيام الثورة الفرنسية ، يقال عنهم  أنهم كانوا يعملون في السلك القضائي لمحكمة دير شمس بالرحمانية، و انضموا مؤخرا لحزب الدعوة و الإرشاد، و كذا صفوف حزب فتح للانتفاضة الفلسطينية، و كلفوا بدعم الثائرين ضد الاحتلال الاسرائيلي.

كان الفصل شتاءا، و ما تمكن غالبية الطلبة من الحصول على القرضية التي كان يرسلها لهم ذووهم للتمكن من مواصلة تعلميهم العاليبالجامعة، فمعظمهم كان بلا دخل ثابت، و ينتظر بفارغ الصبر تلك المعونة النقدية من أهله في كل مرة احتاج لسد مصاريفة اليومية. لذا يمكن ترجيح السبب الجوهري للغضب العارم هنالك بمصر هو سوء الوضعية المعيشية بمعظم المراقد الجامعية، كما قيل أن حالتهم في العنابر بالسجون كانت جد كارثية، توحي بالبؤس و الظلم الذي تعرضوا له جراء تلك المظاهرات العنيفة، و لايجاد حل سريع لهذه المعضلة، تفطن المحامي الدمياطي المدعو حكمت بدران إلى حل مناسب، طرحه على الإمام أبو شريف، مفادها أن في الحقيقة، الطلاب المسجونين ليسوا مذنبين حين تظاهروا بأحياء القاهرة بحجة إلغاء القوانين الموضوعة قبلا، و سببه وضعيتهم المعيشية المتدنية بالجامعات المصرية، و عدم تمكن العديد منهم من الحصول على القرضية لسبب ما، لذا وجب النظر في قائمة المسجونين الذين لا يملكون دخلا إضافيا، و لا يزاولون حرفة  ثانية غير الدراسة بالجامعة، و التحقيق في قائمة الطلبة الوافدين من خارج القاهرة، و لم يحصلوا فعلا على القرضية  المعتادة. لذا وافق الإمام مباشرة على اقتراح المحامي الذي يبدو أنه محنك في هذا النوع من المسائل القانونية!! ثم مرت فترة وجيزة و اطلق سراح الطلبة المعوزين، من الذين لا يملكون حرفة أو دخلا خاصا. و لما حان دور مرافعة المتهم الذي توكل بنفسه الدفاع عن قضيته، و هو الطالب الملقب بجبران رامي متولي الشعراوي، حفيد الشيخ الإمام الشعراوي الذي ذاع صيته بدار الافتاء المصرية زمنها.

سأله الوكيل: أيها الطالب ، ما الذي اضطرك للتجهر مع زملاءك بساحة القاهرة و خرق القوانين، و المشاركة في العصيان ضد الحكومة المصرية الموضوعة مؤخرا ؟!

فأجابه خائفا و العرق يتصبب من جبينه: أني بريىء يا سيدي القاضي من هذه التهمة الخطيرة، و كل ما يمكن أن اعترف به أن يومها كنت متجها لمحطة القطار في نية الرجوع للبلد بعد نفاذ القرضية التي كنت استلمها دوريا من أهلي من طرف غفير العمدة، حيث وصلني خبر وقوع مضاهرات طلابية بالحرم الجامعي ليلتها، و في الصباح الباكر، أردت ركوب القطار و الرجوع فورا للبلد، لكن كانت الخطوط متوقفة مؤقتا، مما اضطرني للرجوع للحي الجامعي، فوجدت أن الشوارع صارت عارمة بجمع غفير من مختلف الكليات و صرت بينهم دون قصد مني، و فجأة تتدخل قوات البوليس و ها أنا حبيس هنا بلا ذنب اقترفته سوى كوني كنت بينهم صدفة فقط يا سيدي..

ثم عاد الوكيل و  سأله مجددا: و هل تملك دليلا على صدق أقوالك أيها الشاب؟؟

قال محامي الدفاع: إنها تذكرة القطار يا حضرة الوكيل، و أيضا هناك شاهد آخر من بلده يقول أنه قد اتصل بالبيت ، و يمكن لك التأكد من صحة أقواله يا سيادة القاضي.

عند نهاية المرافعة لم يجد القاضي ما يضيفه له للتحقق من صحة اعترافاته، و بعد التشاور مع لجنة المحامين تم فعلا الافراج عن الطالب المتهم بالخطإ. فما قولك من هذا الحادثة؟

أقول مبتسمة: إنها مجرد تداخلات في مجرى الأحداث ، و ما گانت إلا مشيئة الله عز و جل أن يجد نفسه بين الطلاب المتضاهرين وقتها بالضبط فيسجن معهم، غير أن حجة محامي الدفاع كانت كافية، و استطاع ان ينقذ موكله و أرواحا بريئة من غيائب السجن، لذا كانت الحجة الدامغة حاسمة لما غاب الدليل الحسي عند الواقعة  و تم فك الالتباس بالقضية.

 




Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024