ماوية و منصور.

عن ماوية بنت ربيعة الحلبي، التقينا باحدى الجنائز و كان صاحبها رجلا ثريا  يسمى منصور، مات و ترك وراءه رزقا وفيرا، من ضياع و محاصيل و متاجر لبيع القمح. و نحن في العزاء، تعالت الصيحات و توافد الخلق لحضور الجنازة، لما كانت للرجل من مكانة و هيبة بالمنطقة، و لما كانت لحظة الدفن، إختلف ابناؤه عن مكان دفنه، فمنهم من أراد أن يكون القبر عند البيت الكبير هناك، و هنالك من امتنع عن ذلك خاصة ماوية، فقد آثرت أن يدفن ببيتها. اشتد الخلاف و اختلف اشقاؤه أي مكان يكون ضريحا للمغفور له، و لحل هذه المعضلة، جيء بالإمام من باب المشورة و حسم الامر، فسال اكبر ابنائه : هلا أوصى والدكم قبل وفاته بمكان دفنه حتى ناخذ بوصيته و يدفن أين رغبت نفسه، فقال الابن: أيها الامام، إن وفاته جاءت على حين غفلة، و ما علمنا بذلك، فما كان معلولا ولا موجوعا، و ما سمعنا عنه بوصية قالها حتى يوم وافته المنية. فكان في صحة وعافية، و ما خلنا أن الموت ستطرق بابه و هو في عز غناه و اوج ثراءه، لكنه في الايام الأخيرة كان يتردد كثيرا على هذا البيت، و قد طلب منا ان نحافظ على المال والبيت وما فيه، فربنا أحس بقرب الأجل و خشي على تركته من الضياع، اذا فأقر على لسان اخواني، نحن نأثر أن يدفن هنا بالبيت الكبير، فهو اول بيت عشنا و ترعرعنا فيه.

ثم بعد ذلك، التفت لماوية و كانت جديدة العهد بزوجها منصور، و لم يمر على ارتباطهما الا بعض الشهور، و كانت حبلى في شهرها التاسع و توشك على الوضع، فسألها: و ما خطبك أيتها المليحة، أنت عروس جديدة ، فهلا قبلت باقتراح ابنائه، فبكت المرأة و صارت تقول: بالله عليك يا إمامنا، لدي بعض الحديث الذي أسره لك، فهلا سمحت أن أكلمك فيه على انفراد، فسكت الجميع ثم  راح الامام و ماوية لاحدى الغرف و دار بينهما حديث لا يعلم به إلا الله، ثم رجع الامام و قال: اقترح أن يدفن المغفور له ببيت بنت ربيعة، فذهل الجميع من مشورة الإمام، و ما كان إلا أن دفن ببيتها، و بعدها بقليل رزقت بابن سمي على إسم ابيه أي منصور .

و الغريب في القصة أنه بعد مرور اعوام، خسر اولاد منصور تركم، لأنهم كانوا يلعبون بالقمار و يهملون مصالحهم، إلى أن اضطروا لبيع البيت الكبير، اما الفتى ابن ماوية فقد تمكن من خلافة والده و انماء ما ورثه عنه، إلى حد أن تمكن من شراء بيت اخوانه الذين ما تمكنوا من المحافظة على املاك منصور المرحوم. عندها سالت ماوية من باب الفضول و قلت لها: و ما الذي دار بينك و بين الامام حتى دفن منصور عندك؟ فقالت: لقد ترك لي قبل وفاته رسالة مختومة كتب عليها: لا يخلف منصور إلا من صان عرضه وماله واسمه. و قد استنتج الامام من فحوى الكلام أن ابناء المرحوم ليسوا أهل ثقة ، فاشار بدفن منصور عندي والتكفل بتربية الولد ، فشب على الطاعة وحسن الخلق. فما قولك في هذا الحديث؟

فأقول: نعم المشورة، و صدق من قال: ذاك الشبل من ذاك الأسد.

Recommended2 إعجاباننشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات