برقية المساق بتمام الترياق.

كيف صار حال مدينتي التليدة؟! تداعب اناملي لحن الناي و تروي الحانه رواية مضت بمخيلتي و تقول: كان يا مكان..اين هي تلك الحواري المعبقة بمسك الفل، الممزوج بالورد و الرياحين بكامل البساتين و بقرب ساقية الوادي،كلما مددت النظر ينشرح مزاجي بطلة الفاتنات ذوات الحلم و الحياء، من تاه في مملكة الحوريات يخشع فؤاده و بردد داعيا المولى عساه يطول عقد الياسمين، فيفرح اهله و احبابه بتحقق وعد طال انتظاره..

تحكي دنيا زاد للملك السعيد شهريار ،ذات عشية و هو بقصره بالرحمانية ، فقالت الخليلة: قد بلغني ابها الملك الهمام ان الغريب الولهان،نام ليلة البارحة عند شيخ معروف بديار بالريف، يقال له الشيخ علي محند بو لزواق، استضافه بديرته و قام بالواجب معه على اكمل وجه، فعشاه و رواه و اواه بغرفة فسيحة، بها سرير و غطاء من اجود ما يملك ،و لما داهمه النعاس، ودعه و قال له مبتسما: ليلتك جميله يا سواح، تغطى جيدا و استرح من تعب السفر، و ان شاء الله حاجتك مقضية فنم قرير العين و ضع ثقتك بالله العظيم، فدوام الحال من المحال،و ابشر دوما و لا تقنط من رحمة الله فقد وسعت كل شيء..

استلقى الضيف لبضع ساعات و استغرق في نوم عميق،ثم لم يدري ما بحوله.. فاذا به يفتح عينيه لمرة اخرى و بلا وعي منه.. وجد ان الوقت يداهمه و ظن ان الصبح قد اشرق فعلا، لان فوانيس الغرفة كانت شديدة الاضاءة، و لم يدري حينها قط انه في النصف الثالث من الليل، كما انه لم يحن بعد وقت صلاة الفجر، فانتفض مسرعا من فوق فراشه، و هم بالخروج من الغرفة، ففتح الباب و سار ببهو البيت حتى بلغ صالون الضيافة، فاذا به يجده مزدانا بمواءد خلابه، بها كل ما لذ و طاب من ماكولات شهية، و الجميع تواق و ينتظر قدومه ليشاركهم متعتهم في تلك الليلة الزردية.. تعجب الغريب لحفاوة اهل الديرة و جلس قرب صاحب المؤدبة و قريبه المدعو الحاج الهادي مول البرهان، و ما زاد في غبطته و سروره تلك المليحة ذات الوجه الصبوح، الفاتنة الملقبة بالرايدية بنت قيس الغيواني..

كانت ليلة و لا في الخيال!! ها قد تحققت بعد طول كتمان، تزينت القعدة بطلة الخوذيات و ترانيم الملك السعيد… وافقت الليلة 824 ما بعد الف ليلة وليلة، و خيرا لما اطاعت الجارية مرجانة السلطانة الجميلة للملك جودر، فشمرت و حلمت على اكتافها الترياق بتمام الساعة الى بستان بارم، عند جدتها ام ابى ثم العودة و في لمح البصر للمة عندهم، حتى يتمكن ضيوف الحضرة تبيان سوالفه الغيبية؟!

بين ساعة و اخرى اضحى الغريب المحظوظ واحدا من بين افراد الديرة، و لم يتوانى عن شد الانتباه و كذا محاولة التقرب من الفاتنة التي سلبت لب عقله، فدنى قليلا نحوها و استطاع مداعبة خدها الوردي و كاد ان يجثوا على صدرها بلا وعي منه، لوما ان نهره صاحب الدار، و ابعدها عنه ثم قال معقبا: ما بك ايها الضيف الهمام؟؟ كيف صرت الان مع مساق ترياق هذه الليلة المخملية، ولو احتجت لما يسرك بيننا فلا تحزن بتاتا، و باذن الله راحتك ستجدها عندنا في هذه الليلة.. بهت من جمال البنت و طلتها الملاءكية، فكانت ذات فتنة و حلة تنم بالحلاوة و الروقان،و علم العاشق للمليحة انها باتت تستولي على دقات قلبه المسكين.. ففار الدم بعروقه و شرب من شرارة حبها حتى الثمالة.

ما ان استحوذت الملهمة على زمام روحه، قالت له مترنحة: الا هلا بالضيف العزيز، قد حضيت يالمحبة و العرفان، فان سقيناك من شراب الهوى؟! هلا اسررتنا بما يمحي الغبن عنا؟! فتروق لنا الحياة معك هنا !! ترنح السكران و طلب مزيدا من كؤوس الشراب العنابي، ثم قال :و هل لي سوى بلسمك الشافي من جور الليالي وطعون العزال، اني لرهن اشارتك يا مهجتي، و لا يغنيني سوى تلك الشفاه التي تنسيني مصابي..ما ان عاد لمغازلتها ،حتى يشكمه مرة اخرى الشيخ صاحب القعدة ، و يقول له رادعا: ويحك يا هذا؟؟ على رسلك ايها الغريب، هذا مالا يجوز ان يحدث بيننا!! ان عاندت مع صاحبة الهمة هنا الساعة، عليك بحط الوثاق ببيان صادق، و كذا اظهار الزاد و ما غايتك منا..والا فاغرب من هنا ولا حاجة لنا بك!!فاجابه متلعثما و هو لا يكاد يتخيل ان رغبته قد تتحقق اخيرا فقال: ان اخبرتكم سرا دفينا، فهل لي منكم الامان، فقال الشيخ صاحب العشوة: لك ذلك ايها الضيف الغريب: فقال له هذا الاخير:اذا،ابلغك يا ولعي ان غريمتك و من خانت وصالي دولت الخاتون قد رجعت سالمة بعد انقاضها من حبال الموت،و قد جءت بابن ملك مصر، و هو الذي برح بالقصر المشيد هناك، و اطبق على ابن الملك الازرق، فباعت ودي واثرته عني،و اضحى لا يفارق مجالسها.. فما ردك على ملامي يا لؤلؤة سهادي؟؟ تنهدت ثم اردفت على ما سمعت منه معللة: تعرف اني لا ابه لمثلها، و قد كتب الله لها حياة جديدة، فذاك حضها من دنياها، اما و قد تحررت يا خاتمي منها، و ذلك بعد تفريطها في وصالك ،فهو ما يعنيني تماما يا بهجتي، و لهذه البشرى ساتوجتك سراجا وهاجا ينير دروبا نشقها معا و لن نحيد عنها باذن الواحد الاحد،طال او قصر الزمن، فما ردك يا ترى؟؟ لم يتحمل كلبهما و سالت دموع الشوق السابحة باعماق حبهما الاسطوري و حمدا كثيرا الله تعالى على تلك النعمة السماوية..و يعزف مداح الغيوان و يطربنا : ما خلت الدنيا قد تبتسم للمحبين يوما، و يبلغ الهدي محله بعد صبر على الهجران و نكران للخير الوفير.

Recommended1 إعجاب واحدنشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات