من مثلها كنت تخشى أيها الحذر

ديوان الشريف المرتضى

مِن مِثلها كنتَ تخشى أيّها الحَذِرُ

والدَّهرُ إنْ همَّ لا يُبقي ولا يَذَرُ

نعاك ناعٍ إلى قلبٍ كأنّ به

لواذعَ الجمر لمّا ساءَه الخبرُ

فَلَم يَكن لِيَ إلّا أَن أَقول لَهُ

بفِيكَ ناعِي هذا الرَّاحِلِ الحَجَرُ

كم ذا نداءٍ لماضٍ غير ملتفتٍ

وكم عتابٍ لجانٍ ليس يعتذرُ

فَكلّما اِستُلّ منّا صاحبٌ فمَضى

ولا إيابَ له قالوا هو القَدَرُ

وَلَيسَ يَدرِي الفتى لِمْ طالَ عمرُ فتىً

وَلا لأيّةِ حالٍ يُنقَصُ العُمُرُ

وَقَد طلبنا فلا نجحٌ ولا ظَفَرٌ

وقد هربنا فلا منجىً ولا عَصَرُ

وَهَذهِ عِبرٌ لا شكّ مالئةٌ

منّا العيونَ ولكنْ أين مُعتبِرُ

نُعَلُّ مِن كلِّ مَكروهٍ ويملِكنا

حُبُّ الحياةِ الّتي أيّامُها غَرَرُ

وَما اِلتِزامُ المُنى والمرءُ رهنُ ردىً

إلّا جنونٌ يغول العقلَ أو سُكُرُ

يا قاتلَ اللّه هَذا الدّهرَ يزرعنا

ثمّ الحصاد فمنه النّفعُ والضّرَرُ

فإن يكن معطياً شيئاً فمرتجِعٌ

وَإِنْ يكن مبطئاً يوماً فمبتدِرُ

داءٌ عرا آل قحطانٍ فزال بهمْ

وذاق منه نِزارٌ وَاِحتَسى مُضَرُ

مِن بعد أَن لبِسوا التّيجان وَاِعتَصموا

وأُركبوا ثَبَجَ الأعواد واِشتهروا

وَأَوسعوا النّاس مِن رَغْبٍ ومن رَهَبٍ

وَعاقَبوا بِاِجتِرامِ الذّنبِ وَاِغتَفَروا

تَندى مِفارِقُهمْ مِسْكاً فإنْ جُهلوا

نمّت عليهمْ برَيّا نشرها الأُزُرُ

وَيَسحَبونَ ذُيولَ الرّيْطِ ضامنةً

أن ليس تُسحَبُ إلّا منهمُ الحِبَرُ

قالوا قَضى غيرَ ذي ضَعفٍ ولا كِبَرٍ

فقلت ما كلُّ أسبابِ الرّدى كِبَرُ

وغرّني فيك بُرْءٌ بعد طولِ ضنىً

ومنْ يَبِتْ خَطِراً أودى به خَطَرُ

ما ضَرّ فَقدُك والأيّامُ شاهدةٌ

بأنّ فضلك فيها الأنجُمُ الزُّهُرُ

أَغنيت في الأرض والأقوام كلّهمُ

من المحاسن ما لم يُغنِه المَطَرُ

فَأَنتَ شَمسُ الضُّحى للسّاربينَ وَلل

سارينَ في جُنحِ ليل ضوءُك القمرُ

إِن تُمسِ موتاً بلا سمعٍ ولا بصرٍ

فطالما كنت أنتَ السمعُ والبصرُ

وإن تَبِتْ حَصِراً عن قول فاضلةٍ

فطالما لم يكن من دَأْبك الحَصَرُ

قالوا اِصطَبِر عنه بأساً أو مجاملةً

والصّبرُ يُلعَقُ من أثنائه الصَّبِرُ

وَلَو دَرى مِن على حُزنٍ يقرّعنِي

بمن فُجعتُ ومن خُولستُه عَذَروا

وَكيفَ أَسلو وَما في غَيرهِ عوضٌ

من الرّجال ولا لِي عنه مُصطَبَرُ

وَكيفَ لِي بعده مَيْلٌ إلى وَطَرٍ

وليس لِي أبداً في غيره وَطَرُ

مجاوراً دارَ قومٍ ليس جارُهُمُ

بنصرهمْ أبَدَ الأيّامِ ينتصرُ

في أربُعٍ كلّما زادوا بها نقصوا

نقصَ الفَناء وقلّوا كلّما كَثروا

فَاِذهَبْ كما شاءتِ الأقدارُ مُقتَلعاً

منّا به الخوف مجنوناً به الحَذَرُ

فَلِلقُلوبِ الّتي أَبهَجْتَها حَزَنٌ

وَبِالعُيونِ الّتي أقررتها سَهَرُ

وَما لِعَيشٍ وَقد ودّعتَه أَرَجٌ

ولا لِلَيلٍ وقد فارقتَه سَحَرُ

وَما لَنا بَعدَ أَن أَضحَتْ مَطالِعُنا

مسلوبةً منك أوضاحٌ ولا غُرَرُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف المرتضى، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات