Skip to main content
search

ماذا عَلَيكَ وَقَد نَأَيتَ دِياراً

لَو طافَ بي ذاكَ الخَيالُ فَزارا

وَنَظَمتُ مِن قُبَلٍ بِصَفحَةِ جيدِهِ

عِقداً وَقَد لَبِسَ العِناقَ شِعارا

فيمَ التَعَلُّلُ في هَواكَ وَقَد طَوى

مِنّي الضَنى وَبِكَ النَوى أَسرارا

وَلَرُبَّما مَنَّ النَسيمُ بِنَفحَةٍ

تَندى عَلى كَبِدٍ تَذوبُ أُوارا

وَسَأَلتُ فيكَ اللَيلَ عَن سِنَةِ الكَرى

حَتّى أَجابَني الصَباحُ سِرارا

وَسَحَبتُ أَردانَ الظَلامِ عَلى السُرى

طولاً وَمزَّقتُ الذُيولَ عِثارا

وَوَطِئتُ دونَ الظَبيِ غابَةَ ضَيغَمٍ

غَيرانَ أَنجَدَ في الوَعيدِ وَغارا

أَذكى الدُجى عَن نَظرَةٍ ناراً كَما

هَزَّ الفَلا عَن زَأرَةٍ أَقطارا

فَصَمَمتُ عَنهُ وَقَد سَمِعتُ حَمامَةً

فَاِغرَورَقَت عَيني لَها اِستِعبارا

هَزَّت كَهَزّي نَصلَ سَيفي لَوعَةً

فَرَقَقتُ حاشِيَةً وَرَقَّ غِرارا

وَمَلَأتُ جَفني عَبرَةً وَلَرُبَّما

أَبكَيتُهُ فَجَرى دَماً مَوّارا

وَصَبا إِلَيها أَسمَرٌ أَعدَيتُهُ

فَلَوى مَعاطِفَهُ لَها تَخطارا

وَإِذا رَقى وَرقاءَ تَحسِبُ مُقلَةً

زَرقاءَ لَم تُطبِق لَها أَشفارا

وَمَشى يَتيهُ بِها اِختِيالاً أَجرَدٌ

في شُقرَةٍ لَو سالَ سالَ نُضارا

تَستَرقِصُ الأَعطافَ مِن طَرَبٍ بِهِ

شِيَةٌ تَدورُ عَلى العُيونِ عُقارا

لَو كُنتَ شاهِدَهُ وَقَد مَلَأَ الفَضا

رَكضاً وَسُدَّ عَلى الكَمِيِّ قِفارا

لَرَأَيتَ في ما قَد رَأَيتَ وَقَد بَدا

ناراً تَكونُ إِذا جَرى إِعصارا

أَستَعطِفُ الأَسماعَ إِطراءً لَهُ

في صورَةٍ تَستَعطِفُ الأَبصارا

وَغَمامَةٍ نَشَرَت جَناحَ حَمامَةٍ

وَالبَرقُ قَد نَسَجَ الظَلامَ نَهارا

مُتَأَلِّقٌ صَدعَ الدُجى وَسَقى الثَرى

فَاِبيَضَّ ذا نوراً وَذا أَنوارا

في أَجرُعٍ خَلفَ الرَبيعُ بِهِ اِبنَهُ

كَرَماً فَأَخصَبَ رَبوَةً وَقَرارا

هَفَتِ الصَبا مِنهُ بِمَسرى ديمَةٍ

هَطلاءَ قَرَّ بِها العَجاجُ وَقارا

وَكَفَت فَسالَت فِضَّةً وَلَرُبَّما

طَبَعَت بِكُلِّ قَرارَةٍ دينارا

نَثَلَت بِهِ زُرقُ النِطافِ سَوابِغاً

زُرقاً وَجَرَّدَتِ الشِعابُ شِفارا

فَكَأَنَّما فُلَّت هُناكَ كَتيبَةٌ

فَرَمَت بِهِ عَنها السِلاحَ فِرارا

أَرضٌ هَبَطَت بِها سَماءً طَلقَةً

وَخَبَطتُ مِن سَدَفٍ بِها أَنوارا

عاطَيتُ ذِكرَ أَبي الحُسَينِ بِها السُرى

رَيحانَةً يَشَتَمُّها مِعطارا

وَسُلافَةً خَفَّت بِنا طَرَباً لَها

وَاِستَرقَصَت مِن فِتيَةٍ وَمَهارى

عَبِثَت بِها سِنَةُ الكَرى فَتَمايَدَت

في مُلتَقى أَسحارِها أَشجارا

وَلَرُبَّما سالَت أَباطِحُها بِها

في مُنتَحى أَنهارِها أَنهارا

أَأَبا الحُسَينِ وَما دَعَوتُ مُصَغَّراً

بِأَبي الحُسَينِ وَقَد دَعَوتُ كُبارا

أَعزِز عَلَيَّ وَقَد حَلَلتَ عَلاقَةً

بَينَ الجَوانِحِ أَن شَحَطَت جِوارا

وَشَرِقتُ فيكَ بِعَبرَةٍ مَشبوبَةٍ

كَالبَرقِ يَقدَحُ في الغَمامَةِ نارا

وَعُلاكَ لَو سَمَحَ الزَمانُ بِلَيلَةٍ

مِنهُ لَظَلَّ بِصَفحَتَيهِ عِذارا

تَثني مَعاطِفَها اِهتِزازَ بَشاشَةٍ

تَترى وَخَفَّ بِها السُرورُ وَقارا

فَاِستَهجَنَت حَملَ الثُرَيّا تومَةً

وَاِستَصغَرَت لُبسَ الهِلالِ سِوارا

وَعَسى الزَمانُ وَإِن عَسا في حالَةٍ

يَحنو فَيَدنو بِالوَزيرِ مَزارا

فَمِنَ المُنى وَهوَ الغَزالَةُ سُنَّةً

لَو أَنَّني كُنتُ الهِلالَ سِرارا

طُلتَ المَدائِحَ طولَ أَروَعَ ماجِدٍ

فَلَبِستَها حُلَلاً عَلَيكَ قِصارا

وَكَفاكَ أَنَّكَ مِن بُدورِ مَعاشِرٍ

طَلَعوا لِأَوَّلِ لَيلَةٍ أَقمارا

وَلَئِن عَدَتني عَنكَ كُلُّ تَنوفَةٍ

يَهفو لَها قَلبُ السَرابِ حِذارا

فَلَرُبَّما طَرَقَت جَنابي فِتيَةٌ

كَرُموا جِواراً في العُلا وَنِجارا

نُجَباءُ تَخفِقُ في ظُهورِ نَجائِبٍ

ما إِن تَضِلُّ وَقَد مَثَلنَ مَنارا

صَدَعَت بِهِم سُجفَ الظَلامِ أَجادِلٌ

لَزِمَت بِهِم أَكوارَها أَوكارا

فَسَرَت إِلَيَّ مَعَ الرِكابِ تَحِيَّةٌ

عَقَدَت عَلَيَّ لَها العُلى أَزرارا

هَزّازَةٌ ناءَت بِعَطفي عِزَّةٍ

حَتّى جَرَرتُ عَلى المَجَرِّ إِزارا

هَدَرَت جِنايَةُ صَرفِ دَهرٍ جائِرٍ

نَفَضَ المَشيبَ بِعارِضَيَّ غُبارا

فَإِذا حَنَوتُ فَلا سَلَوتُ فَإِنَّما

أَنتَ القَريبُ وَإِن شَحَطتَ دِيارا

ابن خفاجة

ابن خَفَاجة (450 ـ 533هـ، 1058 ـ 1138م). إبراهيم بن أبي الفتح بن عبدالله بن خفاجة الهواري، يُكنى أبا إسحاق. من أعلام الشعراء الأندلسيين في القرنين الخامس والسادس الهجريين. ركز ابن خفاجة في شعره على وصف الطبيعة و جمالها.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024