لا تلم الدهر ولا تعذل

ديوان الشريف المرتضى

لا تَلُمِ الدّهرَ ولا تعذُلِ

فطالما صَمَّ عن العُذَّالِ

في كلّ يومٍ مرّ من صَرْفِهِ

لنا أميمُ الرّأسِ بالجندلِ

مُفَوِّقاً أسهمَه وجهتي

مَن كان مدلولاً على مقتلي

أُنقل من سُفلٍ إلى علوه

طوراً ومن عالٍ إلى أسفلِ

كأنّني قسطلةٌ أُلقيتْ

في كفّ مجنونٍ من الشَّمْأَلِ

يا موتُ ما أبقيتَ من شُمَّخٍ

غُرٍّ وما جاوزتَ من رُذّلِ

صرعى بكاساتك مملوءةً

مُترعةً من ذلك الأقتلِ

كم أخرجتْ كفّك مستعصماً

لا يحذر السّوءَ من المعقلِ

أين أناسٌ سكنوا قبلنا

ذُرا العُلى في الزّمن الأوّلِ

مِن كلّ غَرثانِ الشّوى من خنىً

مُستَمَعِ الأقوالِ في المحفِلِ

كأنّما طلعتُه طَلْقَةً

سيفٌ قريبُ العهد بالصَّيْقَلِ

سِيقوا إلى الموتِ كما سوّقَتْ

نجائبُ الغادين بالأرحُلِ

وفجعةٍ جاءتْ على بغتةٍ

تغصّنِي بالبارد السَّلْسَلِ

كأنّما جرّعني نابِهٌ

بذكره كأساً من الحنظلِ

إنّ أبا الفتح قضى هالكاً

بفادحٍ من قَدَرٍ مُنزلِ

ثلّمَ من مَرْوِيَ فِقدانُه

وحزّ لمّا حزّ بالمفصلِ

فالآن قلبي جُرُحٌ كلُّه

ربّ جروحٍ لَسْنَ بالأنصُلِ

نجمَ المعالي إنّها خُطّةٌ

يبين فيها كلُّ مُستَبْسِلِ

حملتَ منها أيَّما صخرةٍ

والثِّقلُ محمولٌ على البُزَّلِ

لا تنظرِ اليومَ إلى حرّها

لذّاعةً تَعنِفُ بالمُصْطَلي

وَاِنظرْ إلى ما تركتْ بعدها

من نعمٍ للواهب المجْزِلِ

دَعْ زَمناً في الغاب خلّى لنا

أُسودَه تعبث بالأشبُلِ

ولا تلَمهُ ورؤوسٌ لنا

سليمةٌ إنْ عاث بالأرجلِ

وفي كثيبٍ فاتنا سَلْوةٌ

إن دفع السّوءُ عن الأجبُلِ

وَاِصبِرْ عليها طَخْيةً مرةُ

فإنّها عن كَثَبٍ تنجلي

عداك ما أرهف من حدّها

وعن أبيك الأوحدِ الأكملِ

ثُمّ بنيك الغُرّ مُلِّيتَ مِنْ

بقائهمْ بالأمثلِ الأمثلِ

فَاِعدلْ لهذي نِعماً ضخمةً

عن سُنَّةِ المكتئبِ المُعْوِلِ

وكذّبِ القائلَ في قولهِ

قد ظلم الدّهرُ ولم يعدِلِ

إنْ كان حزنٌ فليكنْ من فتىً

لم يقل السّوءَ ولم يفعلِ

فالحزنُ مغفورٌ ولولا الأسى

لم يحسنِ الصّبرُ ولم يجمُلِ

لا بدّ للمصبح في نعمةٍ

يصبحه في ليلهِ الأَليَلِ

وَليسَ للقاطنِ في بلدةٍ

معرّساً بدٌّ من المَرْحَلِ

إنِّيَ منكمْ بودادي لكمْ

ووسط أبياتكمُ منزلي

ما مسّكمْ من جَذَلٍ مَسّنِي

وما يصبْ من حُرَقٍ فهْوَ لِي

يا راحلاً لا أَرتجي عودَه

وإنْ رجونا عودَة الرُّحَّلِ

سَقَى الّذي واراك في تربةٍ

سحُّ قُطارِ الواكفِ المُسبِلِ

ولا يزلْ فبرك في روضةٍ

يُنفَحُ بالجادِيِّ والمَنْدَلِ

تَعاقَبُ الأنواء نُوّارَه

فمن مُلِثِّ القَطْرِ أو مُنجَلِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف المرتضى، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات