Skip to main content
search

كَم أُرجِعُ الزَفرَاتِ في أَحشائي

وإلامَ في دارِ الهَوانِ ثوائي

لم يَبقَ مِنّي مِن مُساوَرَةِ الأَذى

وَالضَّيمِ غَيرُ حُشاشَةٍ وَذماءِ

في دارِ قَومٍ لَو رآهُم مالِكٌ

وَهُمُ بِأَحسَنِ مَنظَرٍ وَرُواءِ

لَرَثى لِأَهلِ النارِ كَيفَ يَراهُمُ

وَهُمُ لَهُم فيها مِنَ القُرَناءِ

ثَكِلتهُمُ الأَعداءُ إِنَّ حَياتَهُم

غَمُّ الصَّديقِ وَفَرحَةُ الأَعداءِ

أَموالُهُم لِذَوي العَداوَةِ نُهبَةٌ

وَعَنِ المَكارِمِ في يَدِ الجَوزاءِ

لا يُعرَفُ المَعروفُ في ساحاتِهم

إِلّا كَما يُحكى عَنِ العَنقاءِ

جَلَدُ الجَمالِ عَلى الهَوانِ وَفيهمُ

ضَعفُ الدَبا وَتَلَوُّن الحِرباءِ

وَإِذا اِبتَدَوا بَحثُوا البَذا فَكَأَنَّهُم

دُجَجٌ تَباحَثُ عذرَةً بِفَضاءِ

عُميٌ عَنِ الإِحسانِ إِلّا أَنَّهُم

أَهدى إلى لُؤمٍ مِنَ الزَّرقاءِ

صُمٌّ عَنِ الحُسنى وَلَكِن طالَما

سَمِعوا كَلامَ الحُكلِ في العَوراءِ

جَعَلوا المِحالَ إِلى المُحالِ ذَرائِعاً

تُغني عَنِ البَيضاءِ وَالصَّفراءِ

عَجباً لَهُم وَذَوو النُّهى ما إِن تَرى

عَجَباً سِوى ما هالَ قَلبَ الرَائي

أنفٌ بِأَعنانِ السَّماءِ مُظِلَّةٌ

وَاِستٌ تُوَبِّعُ في قَرارِ الماءِ

وَيُفاخِرونَ بِمَعشَرٍ دَرَجوا وَلَم

تَدرُج جِبالُ الرَملِ بِالبَيضاءِ

هَبهُم أُبُوَّتَهُم وَلَكِنَّ الخَرا

مَعَ خُبثِهِ يُنمى إِلى الحَلواءِ

لَيسَ العِظامِيُّ الفَخارَ بِمُدرِكٍ

شَرَفَاً بِباقي رِمَّةٍ كَهباءِ

لَكِن عِصامِيٌّ كَفَتهُ نَفسُهُ

شَرَفَ الجُدودِ وَمَفخَرَ الآباءِ

ما لِلعظامِ وَلِلفَخارِ وَكُلُّهُم

في سِربِهِ كَبَلِيَّةٍ عَمياءِ

خَلّوا الفَخارَ لِمَعشَرٍ أَولوكُمُ

ذُلَّ الهَوانِ بِغِلظَةٍ وَجَفاءِ

مَسَحوكُمُ كَالضَّبعِ حَتّى أُوثِقَت

جُددُ الجِبالِ بِرِجلِها العَرجاءِ

وَتَبادَرُوها بَعدَ مَسحِهمُ لَها

سَحباً عَلى البَوغاءِ وَالحَصباءِ

وَالذَّبحُ غايَتُها وَهَل ذو إِحنَةٍ

يَرضى بِدونِ الخُطَّةِ الشَنعاءِ

ما فَخرُ فَدمٍ ما لهُ في مُلكِهِ

لَو شاءَ مِن أَخذٍ وَلا إِعطاءِ

ما جَمَّعوا مِن سِكَّةٍ مَأبورَةٍ

أَو مُهرَةٍ مَأمورَةٍ غَرّاءِ

فَلِكُلِّ شاوِيٍّ وَراعي هَجمَةٍ

جافٍ خَبيثِ العَرفِ وَالشَحناءِ

وَبَقِيَّةُ المالِ المُحرَّزِ قِسمَةٌ

أَرَّثتَهُ في أَعبُدٍ وَإِماءِ

يا لَلرّجالِ أَلا فَتىً ذُو نَجدَةٍ

يَحمي بِمُنصلِهِ عَلى العَلياءِ

تااللَّهِ أُقسِمُ لَو دَعَوتُ بِنُدبَتي

حَيّاً لَلبّى دَعوَتي وَنِدائي

لَكِنَّني نادَيتُ مَوتى لَم تَزَلَ

أَشباحُهُم تَمشي مَعَ الأَحياءِ

أَلِفوا الهَوانَ فَلو تَناءى عَنهُمُ

لَسَعوا لِبُغيَتِهِ إِلى صَنعاءِ

لِلّهِ قَومٌ مِن ذُؤابَةِ جَعفَرٍ

لَم يُغمِضوا جَفناً عَلى الأَقذاءِ

لَمّا رأَوها أَنَّها هِيَ صَمَّمُوا

تَصميمَ تَغلِبَ وائِلِ الغَلباءِ

حَتّى سَقوا عَلَلاً صُدورَ سُيوفِهِم

عَلَقاً يُبَرِّدُ غُلَّةَ الشَحناءِ

تَرَكوا لُعيباً في مئينٍ أَربَعٍ

جَزراً قُبَيلَ تَنوّرِ اِبنِ ذُكاءِ

فَهُناكَ طابَت خَيبَرٌ وَاِستَبدَلَت

مِن بَعدِها السَّرّاءَ بِالضَرّاءِ

ما ضَرَّ أَشباهَ الرِّجالِ لَوَ اِنَّهُم

فَعَلوا كَفِعلِ أُولَئِكَ النُجَباءِ

فَالمَوتُ خَيرٌ مِن حَياتِهِمُ الَّتي

كَحَياةِ نونٍ باتَ في بَهماءِ

أَو هاجَروا في الأَرضِ فَهيَ عَريضَةٌ

فَالتّيهُ خَيرٌ مِن حِمى الأَحساءِ

لَكِنَّهُم مِثلُ القَنافِذِ إِذ تَرى ال

عُقبانِ تَستَلقي عَلى الأَقفاءِ

يا حَبَّذا بَقَرُ العراقِ فَإِنَّها

لَأَشَدُّ مَحميَةً وَخَيرُ وَفاءِ

كَم جَدَّلَت مِن ضَيغَمٍ بِقُرونِها

وافى لِيَقهَرَها عَلى الأَبناءِ

بَل حَبَّذا طَيرٌ يَعومُ بِمائِها

طَوراً وَيَرعى النَّجمَ بِالصَّحراءِ

ما رامَهُ البازِيُّ مِنهُ بِسَطوَةٍ

فَحَمَتهُ شَوكَةُ مِخلَبٍ حَجناءِ

بَل يَعتَوِرنَ قذالَهُ فَإِذا اِمتَلى

سُكراً وَنالَ الضَّيمَ بَعدَ إِباءِ

جَزَّرنَهُ فَقَسمنَهُ حَتّى قَضى

في لُجَّةٍ مَسجُورَةِ الأَرجاءِ

يا صاحِ قَد أَزِفَ الرَّحيلُ فَقَرِّبَن

لِلسَّيرِ كُلَّ شِمِلَّةٍ وَجناءِ

ما عُذر حُرٍّ في المُقامِ بِبَلدَةٍ

آسادُها ضَربٌ مِنَ المعزاءِ

لا بِالرِّجالِ وَلا الجَواميسِ اِقتَدَوا

عَدِمُوا الحَياةَ وَلا بِطَيرِ الماءِ

فَالبَرُّ أَوسَعُ وَالمَناهِلُ جَمَّةٌ

وَالبُعدُ مُقتَربٌ عَلى الأَنضاءِ

وَبِجانِبِ الزَوراءِ لي مُستَوطَنٌ

إِن شِئتُ أَو بِالمَوصِلِ الحَدباءِ

في حَيثُ لا أَلقى الحَسودَ أَخا شجاً

تَغلي مَراجِلُهُ عَلى الخُلطاءِ

وَبِحَيثُ إِخوانُ الصَّفاءِ يَضُمُّها

حُسنُ الوفاءِ وَشِيمَةُ الأُدَباءِ

علي بن المقرب العيوني

علي بن المقرّب العيوني شاعر من أهل الأحساء، توفي عام 630 هـ (1232م)، وهو من أواخر من يعرف من الشعراء المختصّين بنظم الشعر الفصيح بين أهل الجزيرة العربية قبل العصر الحديث. يرجع بنسبه إلى العيونيين من عبد القيس، الذين حكموا الأحساء في تلك الفترة بعد انتزاعها من القرامطة. وهو شاعر الدولة العيونية، ويعتبر ديوانه والشروحات التي أرفقت به من أهم المصادر حول تاريخ تلك الدولة.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024