أي فتى ووري في الترب

ديوان الشريف المرتضى

أَيُّ فَتىً وورِي في التُّربِ

قضى ولم أقضِ به نَحْبي

زوّدني بعد فراقي له

ما شاءتِ الأحزانُ من كربِ

قلتُ لرَكْبٍ قال لِي إِنّه

ذاق الرّدى أُرجلتَ من رَكْبِ

ولا رَعَتْ عيسُك في منزلٍ

نزلتَه شيئاً من العُشبِ

وَلا يَزلْ فوكَ وقد قال ليْ

ما قال مملوءاً من التربِ

قد ضرّني الصّدقُ فمنْ ذا الّذي

يَنفعني يا قومُ بالكذبِ

نعيتَ لا بوعدت من سيَّئٍ

أفضلَ من قلبي إلى قلبي

رُمحي الّذي يَفري نُحورَ العِدى

وَفي جلادِي هوَ لِي عَضْبي

فكمْ له دونِيَ من موقفٍ

آمنني فيه من الرُّعبِ

ولم يكن لي وهْوَ في قبضتي

على المُنى شيءٌ من العَتْبِ

ما قنعتْ إلّا بِهِ همّتي

وَلَم أَقلْ إِلّا بهِ حَسبي

وَعاضَني مِن حَرجٍ ضيّقٍ

عليَّ بالإفساحِ والرُّحْبِ

هوَ الرّدى يأخذُ مِن بَيننا

إِذْ هَمّ مَنْ شاء بلا ذنْبِ

وَليسَ يُسطاع دِفاعٌ له

بِالطعنِ بالرُّمْح ولا الضّربِ

إِنْ يَبغِ مَحجوباً فما إنْ له

مِن دونه شيءٌ من الحُجْبِ

أو شاءَ أن يَأخُذَ ذا هَضْبةٍ

عاليةٍ فهو بلا هضْبِ

بزّ اليمانيّين تيجانَهمْ

مِن دونها أَردية العَصْبِ

وَاِستَلَّ من كسرى بإيوانِهِ

أطواقَه الحُمرَ مع القُلبِ

ولم تزلْ تدخل رُوَّادُهُ

مِن مُضَرٍ شِعْباً إلى شِعْبِ

وَشرّدتْ أصحابَه بطشةٌ

منه بِهمْ فهْو بلا صَحْبِ

وَلفّهمُ لفّا بِأيدي القنا

لفَّ الصّبا للغُصُنِ الرَّطْبِ

كأنّهمْ تزهر أجداثهُمْ

ذوائبٌ خرّتْ منَ الشهبِ

وكم سطا فيهمْ بأُسْدِ الشّرى

ومُطعمِي الأضيافِ في الجَدْبِ

قُل لاِمرئٍ يَطمع في خُلدِهِ

فهْوَ غَفولٌ آمنُ السِّرْبِ

لَيس كَما قدّرتَه إنّما

خُلقتَ للتّربِ من التُّربِ

لا ترجُ أن تَنْجُوَ مشياً وقد

بغاك باغٍ واسعُ الوثْبِ

تنال كفّاه إذا مُدَّتا

من كان في بُعدٍ وفى قُرْبِ

يا نائياً عنّي ومن مُنيتي

أنْ بِعْتُ بُعدي منه بالقُربِ

كم لك عندي من أيادٍ مضتْ

بيضاً وإن كنتَ من الشُّحْبِ

واللّيل كالصّبحِ لنفع الورى

والسُّمرُ كالبيضِ لدَى الحربِ

وما جرى في النّاس شيءٌ لهمْ

مَجرى سَوادِ العينِ والقلبِ

وَالقزُّ في الصُّفرةِ مخلوقةً

خيرٌ لباغيهِ من العُطبِ

فَاِفخرْ على القومِ الأُلى سُوِّدوا

في الشّرق إِنْ شئتَ وفي الغربِ

فليس فيهمْ كلِّهمْ واحدٌ

سادَ جميعَ العُجْمِ والعُرْبِ

لم تألفِ السُّوءَ ولا بتَّ في

ناحيةِ القذفِ ولا الثَّلْبِ

ولم تعُجْ باللّهوِ في خلوَةٍ

ولا مزجتَ الجِدَّ باللّعبِ

وكلّما نِلْتَ بها رُتبةً

حَمَيْتَ فيها جانِبَ الجُنبِ

كم كنتَ للأملاكِ كهفاً وكمْ

حَمَيتهُمْ بالمُلك من خَطْبِ

وكم تلافيتَ بتفكيرةٍ

صافيةٍ شَعْباً من الشَّعْبِ

كانوا ومن رأيك آراؤهُمْ

مثلَ رَحى دارتْ على قُطْبِ

قد دَرّت الدّنيا لهمْ مرّةً

وأيُّ درٍّ ليس بالحَلْبِ

كَم ذا تَداركتَ اِعوِجاجاً لهمْ

على ظهورِ الضُّمَّرِ القُبِّ

يَطوينَ يَحملنَ الرّدى للعِدى

سَهْباً من الأرضِ إلى سَهْبِ

وَكُلّما زاحَمْنَ في غَمرةٍ

شوكَ القنا السّمر على إِرْبِ

كُسِينَ أَجلالاً بِنسجِ القَنا

مِنَ النجيعِ الأَحمرِ العَصْبِ

سَقى الّذي أَصبَحتَ رَهناً بهِ

مِنَ الثَّرى أنديةُ السُّحْبِ

وَلا سَمِعنا لِخريقٍ بهِ

صوتاً ولا زَعزَعَةَ النُّكْبِ

ولا يزلْ تُنضحُ حافاتُهُ

من الحَيا بالباردِ العَذْبِ

حتّى يُرى من بين أجداثِهمْ

ريّانَ مَلآْنَ من الخِصْبِ

فليس مُلْقىً في الثَّرى ميّتاً

موسّدَ الكفِّ على الجنْبِ

مَنْ طار في الآفاق ذكرٌ لهُ

وسار بالأقلامِ في الكتبِ

فَاِلحَقْ بِمَن سمّى لنا نفسَه

بأنّه يعفو عن الذّنبِ

فما أتت كفّاكَ من سيّئٍ

يضيقُ عنهُ كرمُ الربِّ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف المرتضى، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات