ربابة و ابن الوافي.

حضرت يوما عراكا بطريق المدائن، الواقعة بأعالي الهضبة بموطن الاريسيين، و هم مغاربة عادوا الانصار بشدة و آثروا معتقداتهم عنها، و بعد الفتوحات الاسلامية على يد عقبة ابن نافع، أسلم معظمهم و صاروا تحت لواء الراية المحمدية. كان الشباك محتدما بين الفرقتين، احداهما كانت من أهل اليمن  للخوارج من اتباع علي كرم الله وجهه، الوافدين إليها فرارا من الحرب بأرض الجزيرة العربية، و ثانيها كانت فرقة سنية من الموالين لأهل البيت. بعدما هدءت النفوس و ذلك بعد تدخل أهل الصلح و الحاكمين، رجع كل إلى دويرته، و اجتمعت بعض النساء بدار الضيافة المحادية للمكان، معضمهن كن أهلا للمتعاركين. جلست بها و حاولت السؤال و التقصي لمعرفة اسباب النزاع، فقالت احداهن و كانت شابة فاتنة الجمال، و على ما يبدو أنها ذات مال و حسب و نسب، اسمها هو ربابة بنت الساقي، أبوها يملك باعا كبيرا بالمنطقة، و كني بهذا الاسم كونه يسقي الضيوف و الساءلين هنالك على سنة أهل قريش من مكة، فقالت: توارثنا سقاية الوافدين أبا عن جد، و قد ارتحلنا ها هنا بهذه البلاد، و ما زالت هذه الهبة الربانية سارية في عروقنا، لكن حسدنا عليها اتباع علي، من الذين زاغوا عن الطريقة، و حرفوا في الملة و الخليقة، فعابوا فينا، و ابتدعوا في ديننا، حتى صرنا لا نطيقهم و لا نأمن لشرهم. و قبل هذه الحادثة بيومين، بينما كنت متبضعة بسوق الذهب، اقتنيت بعض الحلي عند بائع الصياغة، و كان من اقاربنا و هو معروف عندنا،  و عند طريق العودة، و في احد الزقاق، اعترضني بعض صعاليك الحي و هم يلبسون الاقنعة حتى لا ينكشف امرهم عند الضبطية، و من شدة الخوف،تجردت من كل ما عندي من صياغة، و رجوتهم أن يطلقوا سراحي و يتركوني بسلام، و بينما هم منهمكون في التقاط ما نهب مني من حلي، يستوقفهم فجأة أحد المارة، و كان صدفة ابن الوافي و كنت حينها عروسه، عقلني من صراخي  فاتجه نحوهم لانقاضي، لكن تكالبوا عليه كالوحوش الضالة و صرعوه حتى اردوه قتيلا قرب عيني بلا رحمة و دون  أي شفقة. فر المجرمون بعد الجناية، لكن تشاء القدرة الالهية أن ينكشف قناع احدهم، و كان من أحقر أهل الضاحية و من ابغضهم و يدعى حريط، فما كان مني إلا أن أخبرت الاهل، ثم حدث ما حدث، لولا أني خشيت الفتنة و ازهاق مزيدا من الارواح، سارعت باستدعاء أهل الخير و المشورة، و اخبرتهم اني لا ارجو من القصاص، إلا مال الدية المشروعة و استرجاع ما سلب مني من مجوهرات، فكف الشجار وسلم الجميع للامر الواقع، فما قولك في هذا الحديث؟

فأقول: بوركت يا بنت الساقي، رغم البلاء  الذي حل بك من فقدان المال والخلة، آثرت عين العقل بتقديمك الرحمة في القصاص، و ذلك اقتداء بسنة سيد الخلق سيدنا محمد صلوات الله عليه و سلم الذي قال مقولته الشهيرة لكفار قريش عند الفتح: إذهبوا فأنتم الطلقاء.

Recommended2 إعجاباننشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات