اليمورية و أبو قحافة التابعي.

سكنت قبيلة حميرية أرضا بنجد العليا، مجاورة بنو أشجع قرب ديار بيثرب عند الأطراف الشمالية. قيل أن حروب الردة على يد الصحابي خالد ابن الوليد كانت لا تزال قائمة بين شعاب الجزيرة العربية، و الفجوة بين المسلمين و الكفار  عادت بعد انتشار الدعوة في جميع الأمصار، مما أدى إلى نزوح كتلة من المتمردين خارج مكة خاصة باليمن، عرفوا بعدها باسم الحوثيين هناك.

كانت قبيلة غطفان بعد حرب الفجار قد استعادت السداقة و السقاية و الرفادة و أيضا الندوة، و ذلك بفضل قصي ابن كلاب بن مرة، الجد الثاني لشيبة ابن هاشم المشهور بلقب عبد المطلب، و هو الجد الرابع للنبي محمد المصطفى صلى الله عليه و على آله و سلم. إذ حفر الآبار و سقى منها أهله، كما تكفل بإطعام زوار بيت الله الحرام و أسس دار الندوة. يقال عن هؤلاء القوم عداوتهم الشديدة لبنو فرارة المنتسبين لخزاعة من نسل أبو عشبان، الذين أخبرنا عنهم الشاعر أبو قحافة التابعي عند اعتماده دار الندوة  قبل البعثة المحمدية ببضع سنين فقال: باعت خزاعة بيت الله، إذ سكرت بزق خمر، فضرب فيهم هذا المثل لشدة الحمق و الندم و خسارة العفة، فباعها له في حين غفلة.

كان القحط و الجذب قد انتشر بكل المضارب، فجفت العيون و قل منسوب المياه بالآبار و السواقي بين أرجاء مكة،فتحير القوم و زاد ارتباكهم للمصاب الجلل، فجابوا الكهان و دعوا الدراويش و طلبوا منهم أن يدعو اللات والعزى  بنصب الكعبة، و ذلك طمعا لنزول الغيث.

اتجه زعماء القبيلة لدار الندوة و تشاوروا حول المسأله، فأشار عليهم الحميري و هو نفسه شاعرنا ذي الباع بنحو الكلام و أخبار الغيب في القرون الماضية، و قال عليهم أن ينتظروا انتصاف القمر بشهر بعده ، ثم جمع القرابين للآلهة عسى أن ترضى عليهم و تمر المحنة بسلام، فما كان من الأعراب إلا الأخذ بالرأي و البحث عن الموالين و تجار السوق لجمع ما تيسر من قرابين للآلهة بقرب الكعبة.

ليلتها بالتمام، سمعت أجراس و قلائل من السماء أنذرت بقدوم عواصف رملية خطيرة، مما أدى لفزع القوم بالواحات خوفا من اقتراب العواصف بديارهم  و أيضا بالحرم المكي، فهربوا خايفين، غير أن سبت عبد المطلب، أيقن بدنو مجيىء حامل رسالة التوحيد المبشرون به من زمن النبي عيسى عليه السلام، فزار عبد المطلب فما كان من الأخير إلا القيام فزعا من على سريره عشاء، بعد علمه يقينا تحقق النبوة و طلوع البشائر فيا سلام.

في المقابل، كان الجهجاه من بني قريضة ذي العرق العلوي، قد بلغه خبر النبي الجديد الذي ينتظره العرب من زمن بعيد فجزع، عندها، أخبر كلا من أخواله و أعمامه من بنو عبس ذبيان للرحيل الفوري من حواريهم، لأن الساعة تقترب و يمكن  أن يكتشف أهل قريش سكرهم و زندقتهم بعد حلول الوقت الموالي لظهور دعوة الحنفي المنتظر.

الغطفانيون متمردون على سكان الناحية الحميرية، و اضطروا لموالاة الرؤساء الجدد و زعماء دار الندوة هنالك، و يقال كان اخطرهم دهاء و حيلة امرأة محنكة تدعى اليمورية من فرات العراق، و يرجع ذلك أنها لما كانت يافعة و لم يسبق لها عهد بالزواج، تغزل بفرسها قيس ابن الملوح، و جيء بالفرس من موالي جدلة ، عرفت الفرس باسم الأشهبة الغزمجرية لجمال في اللون و عذوبة في الصهيل، و لما صارت شابة نكحها ابن عمها الميسوري من ذبيان يعود نسبه لريث ابن غطفان فحزنت في سرها و كضمت عشقها للفتى الشاعر، و ظلت تربو لقاءه و لو في منامها. و فيما يروى أن اغلب الهزاءم التي لحقت بالمسلمين في بداية الدعوة المحمدية كان لها ضلع فيه، حيث كانت ترسل الغلمان و الجواسيس من يهود خيبر لتقصي أحوال من انظموا لراية الدين المحمدي، من الصحابة الأخيار و تحاول اصديادهم  و صدهم بمختلف الوسائل  المتاحة زمنها حتى لا ينشروا هذه الدعوة.

لكن مهما زين لها الشيطان عملها المشين، و رغم تعاظم الخبث والدسائس ، يشاء الله أن يبلغ الهدي لجزيرة العرب، و يتولى الرسول محمد صلوات الله عليه و أزكى التسليم الدين السماوي، و ما فتىء أن ينشر تعاليم القرآن الكريم بين الموحدين الجدد ، الذين سئموا حياة الجهل و الغرور، و أعلنوا توبتهم و اعتناقهم الرسالة النبوية. فما قولك غي هذا الحديث؟

أقول: و ما أصدق من تلك الرسالة السماوية يا أختاه، فمهما حاولوا تظليل الناس و تنفيرهم بمكرهم و دسائسهم، فإن الوحي قد نزل لحامل الراية محمد  القرشي المسلم الحنيف، و أضحى صوته يصدع في كل مكان و ركن، و لا يمكن انكار هذه الحقيقة الأكيدة.

يقول الله في كتابه الحكيم: ( الحمد لله الذي نزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه، و يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا). الكهف من الآية (1_3).


Recommended1 إعجاب واحدنشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات