الاديب فتحى سلامة عن الكاتب احمد دسوقى

دراسة نقدية للاديب فتحى سلامة لمجموعة تائهان للكاتب احمد دسوقى 

الكاتب احمد دسوقى يعد من جيل الستينات وفقا للتقسيم الذى ارتضاه النقاد ، و يقصد هؤلاء الذين شقوا عصا الطاعة على القديم و شقوا لانفسهم طريقا جديدا ، فمنهم من استمد وواصل ، و منهم من اخذته الحياة بمشاكلها و ابعدته عنوة عن طريق المواصلة ، و احمد دسوقى من هؤلاء النفر الذين لم يقدروا على المواصلة و الاستمرار امام زحف مضاد اهمه انصراف العامة و الخاصة عن الابداع الادبى و ايضا تحت ضغط الحاجة المادية لحياة انسان هذا العصر ، و لهذا تعجبت ان تكون عنوان المجموعة يدل على صاحبها ، ( التيه ) الذى عاشه جيلنا و التائه الذى هو احمد دسوقى و هو انا و هو انت و هو كل فرد عاش حروب الزمن الغاضب الذى لم يرحم كبيرا و لا صغيرا و ( القصة من منشورات عام 1968 ) و لكنها تعيش اللحظة الم اقل لكم ان هذا التفسير القاصر لفن القصة يمكن ان يقتلها لناخذ شريحة من القصة :

( تعثرت فى بضع حجرات مرصوصة امام البيت كادت توقعنى ، ارتفع على الاثر صوت صغير يحتج :

– حاسب يا عم …هديت البيت

نظرت اليه ..كانا صغيرين متجاورين : ولد و بنت رصا معا قوالب الطوب فى مربع صغير و جلسا فى داخله يلعبان

و احسست بالحنين يتدافع الى قلبى رقراقا انحنيت اليه ربت على كتفيه الصغيرتين هو و زوجه الصغيرة قلت لهما فى حنان بالغ و انا اغبطهما فى دخيلتى :

– متأسف

و ابتسمت لهما :

– هل اجد عندكما شقة لى ؟

ردت الصغيرة :

– لا

– قلت فى مداعبه :

– لماذا يا ست الدار ؟ انا غريب و متعب جدا و ابحث عن شقة

رد الصغير فى حسم يقطع بيننا خيوط الحديث :

– ( دا ) بيتنا وحدنا …لا احد يدخل فيه

و الرواى وقف هنا عند الصغيرين بعد ان ذهب الى كل اصدقائه بحثا عن ( الجماعة ) عن ( الشلة ) عن ( الونس ) و لكنه لم يجدهم جميعا مشى وحيدا ، كان فى حاجة الى ( الاخر ) ..و هكذا ضاع فى بحر الوحدة تلك الصورة التى رسمها الكاتب ، منذ ذلك الزمن الطويل ، هى نفسها قصتها الان ، هى نفسها قصتى انا – ايضا – الان ، و هى نفسها قصة كل واحد منا هذا ( التيه ) فى صحراء الوحدة رغم كل هذه الكثافة السكانية ، انها ( نغمة احمد دسوقى ) الا يستحق ان يسال لماذا لم يتح لهذا الرجل ان ينشر اعماله و ياخذ حقه لقد قرات المجموعة و انا اكاد اصرخ مع كل صفحة منها لماذا تجاهلنا مثل هذا الاديب

 اللغة عند احمد دسوقى

و لغة احمد دسوقى ملفت للنظر ، ربما لانه يجلس فى استراحة الكاتب المصرى الذى اخذ على نفسه ان ينقش الحجر و يحفر الصخر و يدق بالمسمار الحديدى مربعات الجرانيت فى اتقان و صبر لا يهمه الزمن و لا تحاصره اشرطة التسجيل و اصوات الموسيقى الصاخبة لهذا جاءت رصينة ، هادئة معبرة الجملة تاخذ حقها ، الافعال فى وضعها ، البلاغة هنا تبليغ تؤدى الوظيفة المنوطة بها ، المهم المعنى المقصود كيف يصل

(فتاة تبدو من بعيد خطواتها على الطريق متهادية مستانية شعرها الاسود الاثيث يرفعه عن راسها الهواء المجنون راحة يسراها تحط عليه تمنعه من حرب العبث مع الهواء صغيرة

لماذا تسير وحدها مع الغروب و الخريف ؟ )

من قصة ( شىء بيننا مشترك )

( اقبلت امى تتمايل …نحيلة ، صغيرة القد كعصفور و خط الشيب شعرها ، الام الروماتيزم تطحنك يا أمى )

من قصة ( اذا لم نقبل ما لا نرضاه )

و نحن هنا امام بيان بلاغى واضح و يمكن الاستدلال على ذلك بالعديد من الفقرات فى النص الذى بين ايدينا ، اقصد ان البيان هنا ليس سحرا و لا تقعرا و لا يحزنون انها بلاغة القاص الذى يسعى حثيثا كى يصل اليك ، هذا هدفه و تلك رغبته و عليك فقط احترام هذه الرغبة ، و ان كنا نعيب عليه عدم المحاولة الجادة لايجاد بلاغة تخصه ، تنقله من الكاتب القاص الى المبدع القاص ، و ربما ان هذا العيب ما كان احمد دسوقى يقع فيه لو انه باشر العمل الادبى باستمرار و لمس بنفسه نتيجة هذا الاستمرار ، اننا امام كاتب لديه ما يقوله و لكن لا احد يشترى ما يقول ، ماذا يفعل شاعر ذهب الى عكاظ فوجدها قد انفضت قبل ان يصل، هل يقف على الاطلال منشدا للهواء و الريح و الصمت حتى و لو فعل هذا فلن ينقل عنه احد شعره ، و كانه ما قاله ان الشعر العربى يدين بوجوده ( للنقل) لهؤلاء النفر من الناس الذين كانوا يقومون بنقل اشعار الشاعر و التسامر بها و التباهى بحفظها ، هؤلاء نقلوا الينا تراث العربية الجميل و الكتب الان و الصحف و دور الاعلام هى تلك ( الناقل ) و لان الناقل احيانا ، بل كثيرا ما ينام عن سماع الاشعار ، فان الشعر لا يصل كله ، و هكذا الحال فى اعمالنا الابداعية .

 المضمون و حسرة الوحدة :

لا نستطيع لوم الكاتب على تلك النغمة الحزينة التى ( تصفر ) فى طول الكتاب و عرضه ، و لا يمكن محاسبته على الشعور الممرور بالوحدة ، ايضا الياس فالاديب ابن بار لبيئته و ظروفه فهو ياخذ الحسرة من مجتمعه و يردها اليه ، و يسمع الاهة و يعيدها و يترنم بها ، و هكذا فعل كاتبنا و لا نملك له الا الرجاء فى الشفاء من هذا كله و لكن ..يجب القول ان الكاتب ليس مجرد ناقل للاهات و ليس مجرد مردد لما يقوله مجتمعه انما هو رائد يقود شعبه للافضل و للاحسن و من هنا نلوم الكاتب على نبرة الحزن و لا نعطيه الحق المطلق فى ان يفعل بنفسه قبل ان يفعل بنا ما فعله بنا ، الكاتب القاص يحمل مشعل الامل و التبشير بالفرح انه ليس مصلحا اجتماعيا و لا رائدا سياسيا ، انه اكبر من هذا كله انه وراء الصلح يدفعه دفعا لكى يفعل الافضل ، و امام امته يحمل مشعل الرجاء و النور و الامل ، احمد دسوقى لم يفعل هذا الا فى القليل من قصصه

و هو فى قصصه ( تائهان ) و ( الموظف المختص ) و ( شىء بيننا مشترك ) ياخذك الى تيه الوحدة و رغم سخرياته اللاذعة فى قصص مثل ( كيفية ذبح الدجاج ) و ( الرهان الخاسر ) و ايضا قصة ( كانت اياما جميلة )

 التباين و وجع القلب :

و قصص المجموعة تاخذ مساحة من الزمن طويلة فالقصة الاولى نشرت عام 1968 و القصة الاخيرة نشرت عام 1983 و هناك عدد من القصص لم يحدد الكاتب تاريخ نشره و لا مكان النشر بالتالى و ان كنا نعتقد انه يمكن القول ان الكاتب استغرق اكثر من عشرين عاما لكى يجمع تلك القصص ، لهذا يمكن ملاحظة التباين فى اللغة و الاختلاف فى الاسلوب بين قصة و اخرى و ايضا تنافر فى التناول مع استخدام قوالب فنية مختلفة ، بل انه احيانا يعود الى الخلف رغم تاريخ النشر و ان كنا نعترف بانه الزم نفسه بطريقته الاساسية فى كتابة القصة و هى المباشرة و الوضوح و عدم المغالاة و ايضا البعد عن التغريب و الانخراط فى مهازل ما بعد التجديد

 فى النهاية :

يجب الاعتراف اننا لا يمكن فى هذه الدراسة ان نقدم تفسيرا و توضيحا لكل شىء فى عوالم هذا الكاتب …و ان كانت فلسفة هذه الاصدارات ان تقدم ( الكتاب الجدد ) و ان ينشر بعطائهم الابداعى …لهذا اكتفى بالقول بان القارى سوف يجد بعض الاختلاف معى فيما ذهبت اليه و لكننا فى النهاية سوف نتفق حول اهمية احمد دسوقى كاديب قاص متميز

فتحى سلامة 

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات