أطاع الهوى من بعدهم وعصى الصبر

ديوان أسامة بن منقذ

أطاع الهوى من بعدهم وعصى الصبر

فليسَ له نهيٌ عليهِ ولا أَمرُ

وعاودَهُ الوجدُ القديمُ فشَفَّهُ

جَوىً ضاقَ عن كِتمانِهِ الصّدرُ والصبّرُ

كأنَّ النّوى لَم تخْتَرِم غيرَ شَملِه

ولم يَجْرِ إلاّ بالّذي ساءَه القَدْرُ

وهل لِبَني الدّنيا سرورٌ وإنّما

هو العيشُ والْبُؤسَى أو الموتُ والقبرُ

وكلُّ اجتماعٍ مُرصَدٌ لتَفَرِّقٍ

وكلُّ وِصالٍ سوف يَعقُبه هجرُ

وما يدفعُ الخطْبَ المُلِمَّ إذا عرا

سوى الصّبرِ إلاّ أنَّهُ كاسمِهِ صبرُ

أسكَّانَ أكنافِ العواصِم دعوةً

بِفِيَّ بَروداً وهي في كَبِدي جمرُ

لقد أظلمتْ دُنيايَ بعد فِراقِكمْ

فكلُّ زَمانِي ليلةٌ ما لَها فَجْرُ

أُعاتِبُ أيّامِي عليكُمْ ومَالَها

ولا لِلَّيالِي في الّذي بيننا عُذْرُ

لقد صَدَّعَتْ بعد التّفَرّق شَملَنا

كصَدْعِ الصّفا ما إنْ له أبداً جبْرُ

وما زالَ صرفُ الدّهر يسعى بِبَينِنا

فلمّا انقضَى ما بيننا سكَنَ الدّهرُ

فويحَ زمانٍ فرّقتَنا صرُوفُه

أكانَ عليهِ في تَفرُّقِنا نَذْرُ

إذا عنَّ ذِكراكُم نَبا بِيَ مَضجَعي

كأنّ فِراشِي حالَ من دُونِه الجَمْرُ

فأُذهَلُ حتى لا أجيبَ منادِياً

وأُبهتُ لا عُرفٌ لديّ ولا نُكْرُ

وأرمِي فِجاجَ الأرضِ نحوَ بِلادكم

بطرفٍ كليلٍ دمعُه بَعدَكم قَطرُ

أراقَ جِمامَ الدمعِ فيكُم فإن دعَا

بهِ الوجدُ لبّى وهو مُستكرهٌ نَزْرُ

وجَانبَ طِيبَ النّومِ بعد فِراقِكُم

فما تَلتقي منه على سِنَةٍ شُفْرُ

عسَى نظرةٌ منكُم يُميطُ بهَا القَذَى

وهيهاتَ عَرضُ الأرضِ من دِونِكُم سِترُ

وإن وَعَدَتْني باقترابِكُمُ المُنَى

نَهَتْنَي عَنْ تَصدِيقِ موعِدها مصرُ

وكيفَ بكُم والدّهرُ غيرُ مُساعدٍ

ودونَكُمُ الأعداءُ واللّجَجُ الخُضَرُ

مهالكُ لو سَارت بها الريحُ عاقَها ال

وَجَى وثَناها عن تَقَحُّمِها الذُّعرُ

ولم يبقَ إلا ذِكرُ ما كانَ بَينَنا

ولا عَجَبٌ للدّهرِ أن يُدْرَسَ الذّكرُ

وروعةُ شوقٍ تَعتريني إليكُمُ

كما انتَفَضَ العصفورُ بلَّلَهُ القَطْرُ

فيا رَوعتي لا تَسكُنِي بعد بُعدِهِمْ

ويا سلوةَ الأيّامِ موعدُكِ الحَشْرُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان أسامة بن منقذ، شعراء العصر الأيوبي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات