Skip to main content
search

تُريكَ الَّذي حُدِّثتَ عَنهُ مِنَ السِحرِ

بِطَرفٍ عَليلِ اللَحظِ مُستَغرَبِ الفَترِ

وَتَضحَكُ عَن نَظمٍ مِنَ اللُؤلُؤِ الَّذي

أَراكَ دُموعَ الصَبِّ كَاللُؤلُؤِ النَثرِ

أَفي الخَمرِ بَعضٌ مِن تَعَصفُرِ خَدِّها

أَمِ اِلتَهَبَت في خَدِّها نَشوَةُ الخَمرِ

أَقامَت عَلى الهِجرانِ ما إِن تَجوزُهُ

وَخالَفَها بِالوَصلِ طَيفٌ لَها يَسري

فَكَم في الدُجى مِن فَرحَةٍ بِلِقائِها

وَمِن تَرحَةٍ بِالبَينِ مِنها لَدى الفَجرِ

إِذا اللَيلُ أَعطانا مِنَ الوَصلِ بُلغَةٍ

ثَنَتنا تَباشيرُ النَهارِ إِلى الهَجرِ

وَلَم أَنسَ إِسعافَ الكَرى بِدُنُوِّها

وَزَورَتَها بَعدَ الهُدُوِّ وَما تَدري

وَأَخذي بِعِطفَيها وَقَد مالَ رِدفُها

بِلَيِّنَةِ العِطفَينِ مَهضومَةِ الحَقِّ

عِناقٌ يُرَوّي غُلَّتي وَهوَ باطِلٌ

وَلَو أَنَّهُ حَقٌّ شَفى لَوعَةَ الصَدرِ

حَنَتكَ أَميرَ المُؤمِنينَ كِفايَةٌ

مِنَ اللَهِ في الأَعداءِ نابِهَةُ الذِكرِ

أَتاكَ هِلالُ الشَهرِ سَعداً فَبورِكَ

عَلى كُلِّ حالٍ مِن هِلالٍ وَمِن شَهرِ

أَتاكَ بِفَتحَي مَولَيَيكَ مُبَشِّراً

بِأَكثَرِ نُعمى أَوجَبَت أَكثَرَ الشُكرِ

بِما كانَ في الماهاتِ مِن سَطوِ مُفلِحٍ

وَما فَعَلَت خَيلُ اِبنِ خاقانَ في مِصرِ

وَإِدبارِ عُبدوسٍ وَقَد عَصَفَت بِهِ

صُدورُ سُيوفِ الهِندِ وَالأَسَلِ السُمرِ

لَئِن كانَ مُستَغوى ثَمودَ لَقَد غَدَت

عَلى قَومِهِ بِالأَمسِ راغِيَةُ البَكرِ

بِطَعنٍ دِراكٍ في النُحورِ يَحُطُّهُم

نَشاوى وَضَربٍ في جَماجِمِهِم هَبرُ

فَلَستَ تَرى إِلّا رُؤُوساً مُطاحَةً

يُجيدُ المَوالي نَحرَها أَو دَماً يَجري

وَلَم تُحرِزِ المَلعونَ قَلعَتُهُ الَّتي

رَأى أَنَّها حِرزٌ عَلى نُوَبِ الدَهرِ

مَضى في سَوادِ اللَيلِ وَالخَيلُ خَلفَهُ

كَراديسُ مِن شَفعٍ مُغِذٍّ وَمِن وَترِ

قَضى ما عَلَيهِ مُفلِحٌ مِن طِلابِهِ

فَلَم يَبقَ إِلّا ما عَلَيَّ مِنَ الشِعرِ

سَيَأتي بِهِ مُستَأسَراً أَو بِرَأسِهِ

بَنو الحَربِ وَالغَلونَ في طَلَبِ الوِترِ

سَراةُ رِجالٍ مِن مَواليكَ أَكَّدوا

عُرى الدينِ إِحكاماً وَبَتّوا قُوى الكُفرِ

إِذا اِفتَتَحوا أَرضاً أَعَضّوا لِمِثلِها

كَتائِبَ تَفري مِن أَعاديكَ ما تَفري

فَفي الشَرقِ إِفلاهٌ لِموسى وَمُفلِحٍ

وَفي الغَربِ نَصرٌ يُرتَجى لِأَبي نَصرِ

لَقَد زَلزَلَ الشامَ العَريضَةَ ذِكرُهُ

وَأَقلَقَ صُكّانَ الجَزيرَةِ بِالذُعرِ

عَمِرَت أَميرَ المُؤمِنينَ بِنِعمَةٍ

تُضاعِفُ ما مُكِّنتَ فيهِ مِنَ العُمرِ

وَمُلّيتَ عَبدَ اللَهِ إِنَّ سَماحَهُ

هُوَ القَطرُ في إِسبالِهِ وَأَخو القَطرِ

إِذا ما بَعَثنا الشِعرَ فيهِ تَزايَدَت

لَهُ مَكرُماتٌ مُربِياتٌ عَلى الشِعرِ

مَتَتُّ بِأَسبابٍ إِلَيهِ كَثيرَةٍ

وَقَد تُدرِكُ الحاجاتُ بِالسَبَبِ النَزرِ

وَما نِلتُ مِن جَدوى أَبيهِ وَجَدِّهِ

وَما رَفَعا لي مِن سَناءٍ وَمِن ذِكرِ

وَجاوَرَ رَبعي بِالشَآمِ رِباعَهُ

وَلَيسَ الغِنى إِلّا مُجاوَرَةُ البَحرِ

وَلي حَجَةٌ لَم آلَ فيها وَسيلَةً

إِلى القَمَرِ الوَضّاحِ وَالصَيِّدِ الغَمرِ

شَفَعتُ إِلَيهِ بِالإِمامِ وَإِنَّما

تَشَفَّعتُ بِالشَمسِ اِقتِضاءً إِلى البَدرِ

فَلَم أَرَ مَشفوعاً إِلَيهِ وَشافِعاً

يُدانيهُما في مُنتَهى المَجدِ وَالفَخرِ

فَعالَ كَريمِ الفِعلِ مُطَّلَّبِ الجَدا

وَقَولَ مُطاعِ القَولِ مُتَّبَعِ الأَمرِ

فَعِش سالِماً أُخرى اللَيالي إِذا اِنقَضَت

أَواخِرُ عَصرٍ عاوَدا مُبتَدا العَصرِ

البحتري

البحتري (205 هجري - 284 هجري): هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي. البحتري بدوي النزعة في شعره، ولم يتأثر إلا بالصبغة الخارجية من الحضارة الجديدة. وقد أكثر من تقليد المعاني القديمة لفظيا مع التجديد في المعاني والدلالات، وعرف عنه التزامه الشديد بعمود الشعر وبنهج القصيدة العربية الأصيلة ويتميز شعره بجمالية اللفظ وحسن اختياره والتصرف الحسن في اختيار بحوره وقوافيه وشدة سبكه ولطافته وخياله المبدع.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024