Skip to main content
search

يَرْمي فؤاديَ وَهْوَ في سَوادئهِ

أتُراهُ لا يخْشَى على حَوبْائه

ومنَ الجهالةِ وهْوَ يَرشُقُ نفسه

أنْ تَطْمعَ العشّاقُ في إبقائه

تاهَ الفؤادُ هوى وتاهَ تعَظُمّاً

فمتى إفاقةُ تائهٍ في تائه

رَشَا يُريك إذا نَظْرتَ تَثنيِّاً

تُسّبي قلوبُ الخَلْقِ في أثنائه

عَلقَ القضيبُ معَ الكثيبِ بقدهِ

مُتجاذبَيْنِ لحُسنه وبَهائه

حتّى إذا بلَغا الخِصامَ تَراضيَا

للفَصْلِ بينهما بَعقْدِ قبَائه

ذُو غُرةٍ كالنّجمِ يلمَعُ نورُه

في ظلمةٍ أخْفَتْهُ من رُقبَائه

بيضاءُ لمّا آيسَتْ من وصْلِها

وبدَتْ بُدُوَّ البَدْرِ وَسْطَ سمَائه

أَترَعْتُ في حِجْري غديراً للبُكا

فعسى يلوحُ خيَالُها في مائه

ومُسّهدٌ حَلّ الصبًّاحُ بفرْعِهِ

من طُولِ ليلته ومن إعيائه

شُقّتَ جيوبُ جفونهِ عن ناظرٍ

من طيَفْهم خالٍ ومن إغفائه

مُتَطاوِلٌ أسفارُه مُتَوسِّدٌ

وَجَناتُه إحدى يَدَيْ وَجنْائه

طَوراً يُرَى زَوْرَ الجِبالِ وتارةً

يَرْمي العراقُ به إلى زَوْرائه

والدَّهرُ أتعَبُ أهِله مِن أهلِه

منْ حاول التّقويم من عوجائه

مالي وما للدّهر ما من مطلَبٍ

أُدنيه إلاَّ لجَّ في إقصائه

دَهرٌلعَمرُك هَرَّمتْه كَبْرةٌ

حتْى غدا يَجْني على أبنائه

يُبدِى التَعجّبَ من كثير عَنائه

فيه اللّبيبُ ومن قليلِ غَنائه

مُتَقلّبٌ أيامَه تَجِدُ الفتى

حيرانَ بين صباحهِ ومَسائه

كدَرَتْ فليس يَبينُ آخرُ أمرها

وظُهورُ قَعْرِ الماء عند صَفائه

مَنْ لي بذي كرَمٍ أقرّطُ سَمْعَهُ

شَكوْى زمانٍ مَرَّ في غُلوَائه

إنّ الزمان إذا دهَى بصُروفه

شُكِيَتْ عَظائمُه إلى عُظَمائه

الدينُ والدُّنيا كُفيتَ مُهمّها

مهما جَلْوتَ ظلاّمَها بضيائه

ولأحمدَ بنِ علّي اجتمعَتْ عُلاً

لم تَجتمعْ من قَبله لسِوائه

فَرْدٌ بألفِ فضيلةٍ فيه فما

في العَصْرِ رّبُّ كفايةٍ بكِفائه

لا تنجِلي ظُلَمُ الخطوبِ عن الفتَى

إلاّ برؤيةِ وَجهْهِ وبرائه

مَلَك المُروءةَ دون أهلِ زمانه

مُلْكَ المَواتِ لمُبتْدِي إحيائه

ماضي العزيمةِ لا يُطاقُ سُؤالُه

أبدَ الزّمان لَسبقِه بَعَطائه

يُفْنِي ذخائَرَهُ ويبُقى ذكْرَه

إفناؤها نَهْجٌ إلى إبقائه

وإذا أمات المالَ أصبحَ وارثاً

من آمِلٍ أحياهُ حُسْنَ ثَنائه

ذُخْرانِ مَوْروثانِ قد بَقيا له

حَمْدٌ ومَجدٌ طال فَرْعُ بنائهِ

من ذاهبَيْنِ تَصرَّما فالحَمْدُ من

أموالهِ والمَجْدُ من آبائه

وأجَلُّ من آلائه عندَ الورّى

منه احتقارُ الغُرِّ من آلائه

فيظَلُّ يَحْبوُ مُستميحَ نَوالهِ

وكأنّما هو طالِبٌ من لحبائه

وترى له كرماً يغالط نفسه

ويصحف المسطور من أبنائه

يَحْبو ويَقْرأ أنه يَجنْى فَعن

دَ حِبائه يتَغْشاهُ فَضْلُ حيَائه

فَتَراهُ مُعْتَذِراً بغيرِ جنايةٍ

عُذْرَ الجُناةِ إلى أخي استِجْدائه

إنّي لأُفكِرُ كيف أنظمُ شُكْرهُ

فلقد تَملّكني كريمُ إِخائه

لكنْ أُؤمِّلُ أن يَظَلَّ على الورى

في أُفْقه المحسودِ من عَلْيائه

هو و الأعزّةُ من بَنيه دائماً

كالبَدْرِ وَسْطَ الشُهْبِ في ظَلمْائه

الأرجاني

ناصح الدين الأرجاني، واسمه الكامل ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين القاضي الأرجاني. ولد في التخوم الشرقية من مدينة أرجان في عام 460 هجرية – 1068 ميلادية، يتميز شعر القاضي الأرجاني بطول نفس و بلطف عبارة وكان غواصاً في المعاني كامل الأوصاف. إذا ظفر على المعنى يستوعبه كاملا و لا يدع فيه لمن بعده فضلاً لذا جاءت قصائده أغلبها طويلة. فقد ابدع في اللفظ والمعنى وأجاد وقد جمعهما بمقدرة وتمكن وقيل انه كان ينظم كل يوم ثمانية أبيات شعرية على الدوام.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024