Skip to main content
search

يا طولَ هَذا اللَيلِ لَم أَرقُدِ

إِلّا رُقادَ الوَصِبِ الأَرمَدِ

مِثلَ اِكتِحالِ العَينِ نَومي بِهِ

بَل دونَ كُحلِ العَينِ بِالمِروَدِ

أُراقِبُ الصُبحَ كَأَنّي اِمرُؤٌ

مِن راحَةٍ فيهِ عَلى مَوعِدِ

بِتُّ إِلى أَن راعَني ضَوؤُهُ

وَخَلفَ سِنّي إِصبَعي مِن يَدي

تَعَجُّباً مِمّا دَهاني بِهِ

أَقرَبُ جيراني لِذي الأَبعَدِ

رَقّى إِلَيها كَذِباً لَم يَكُن

مِنّي عَلى مَمشىً وَلا مَقعَدِ

حَتّى أَدَلَّت بَل ثَنى لُبَّها

عَنّي مَقالُ الكاشِحِ المُفسِدِ

في الصَدرِ مِمّا بُلِّغَت حِبَّتي

مِثلُ شِهابِ القابِسِ الموقِدِ

إِن بَرَدَت عَن كَبِدي لَوعَةٌ

طالَت عَلى القَلبِ فَلَم تَبرُدِ

بَل أَيُّها الواشي بِها عِندَنا

لا زِلتَ لا تُعجِبُني فَاِزدَدِ

أَنتَ لَعَمرُ اللَهِ أَوجَدتَها

عَلَيَّ حَتّى كَدَّرَت مَورِدي

وَكُنتُ أَسباني بِها صاحِباً

يَعتَلُّ في الأَمرِ وَلَم يوجَدِ

لَم تَرَ مِثلي مُغرَماً بِالهَوى

وَمِثلَ عَبّادَةَ لَم تَقصِدِ

تَبرو لَدى هَجري وَأَدوى بِهِ

فَلَستُ بِالحَيِّ وَلا بِالرَدي

لَكِنَّني مِثلُ سَبيلِهِما

مِثلُ سَليمِ الحَيَّةِ الأَسوَدِ

شَتّانَ ذا مِنها وَإِرسالَها

أَدالِجٌ أَنتَ وَلَم تَعهَدِ

غَداةَ زُمَّت إِبلي غُدوَةً

وَالقَومُ مِن باكٍ وَمِن مُسعِدِ

فَقُلتُ إِن آبوا فَأَنتِ الهَوى

وَإِن أَرُح مِنكِ فَلا تَبعُدِ

يا عَبدَ لا تَنسَي فَلَم أَنسَهُ

مَمشايَ بَينَ المَسجِدِ المُبتَدي

يَومَ عُبَيدُ اللَهَ كَالمُعتَدي

عَلَيَّ في حُبِّكِ أَو مُعتَدي

يَقولُ إِذ أَبصَرَني مُقبِلاً

في القَومِ مُعتَمّاً وَلَم أَرتَدِ

لِفارِغٍ مِمّا بِهِ شِغلُهُ

لَم يَشجَ بِالحُبِّ وَلَم يَشهَدِ

لَمّا رَآهُ شَهِدَت عَينُهُ

مُشَوَّهَ اللَبسَةِ في المَشهَدِ

هَذي الَّتي دَلَّهَهُ حُبُّها

وَكانَ حيناً مِن حَصى المَسجِدِ

فَقُلتُ يا صاحِ بِها حَيِّني

كِلني لِما بي لَستُ بِالمُرشَدِ

كُنتُ كَما قُلتَ مِنَ اَبنائِهِ

وَفِتنَتي عَبدَةُ بِالمَرصَدِ

بَينا كَذا إِذ بَرَقَت بَرقَةً

بَينَ رِداءِ الخَزِّ وَالمِجسَدِ

بَيضاءُ حُسناً أُشرِبَت صُفرَةً

تَهتَزُّ في غُصنِ الصِبى الأَغيَدِ

تَحسُدُها الجاراتُ مِن حُسنِها

وَمِثلُ عَبّادَةَ فَليُحسَدِ

يَحسُدنَ مِنها قَصَباً مالِئاً

لِلقُلبِ وَالخَلخالِ وَالمِعضَدِ

وَالدُرُّ وَالياقوتُ يَحسُدنَها

مُناطَةً في الأَوضَحِ الأَجيَدِ

وَمَضحَكاً مِنها كَما أَومَضَت

صَيفِيَّةُ المُزنِ وَلَم تُرعِدِ

وَأَنَّها حَوراءُ مَكحولَةٌ

غانِيَةٌ تَغنى عَنِ الإِثمِدِ

يَحسُدنَها ذاكَ إِلى صورَةٍ

قامَت بِها عِندي وَلَم تَقعُدِ

لا عَيبَ فيها غَيرَ تَأخيرِها

كُلَّ صَباحٍ وَعدَنا في غَدِ

بشار بن برد

بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي (96 هـ - 168 هـ) ، أبو معاذ ، شاعر مطبوع. إمام الشعراء المولدين. ومن المخضرمين حيث عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية. ولد أعمى، وكان من فحولة الشعراء وسابقيهم المجودين. كان غزير الشعر، سمح القريحة، كثير الإفتنان، قليل التكلف، ولم يكن في الشعراء المولدين أطبع منه ولا أصوب بديعا.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024