يا صاحبي العشية احتسبا

ديوان بشار بن برد

يا صاحِبَيَّ العَشِيَّةَ اِحتَسِبا

جَدَّ الهَوى بِالفَتى وَما لَعِبا

وَاللَهِ وَاللَهِ ما أَنامُ وَلا

أَملِكُ عَيني دُموعَها طَرِبا

أَبقى لَنا الدَهرُ مِن تَذَكُّرِ مَن

قَد كانَ جاراً فَبانَ وَاِغتَرَبا

لِلَّهِ دَمعي أَلّا أُكَلِّمَهُ

يَومَ غَدا في السُلافِ مُنشَعِبا

ما كانَ ذَنبي أَنّي شَقيتُ بِهِ

وَشُؤمَ عَينٍ كانَت لَنا سَبَبا

أَفرَغتُ دَمعي عَلى الحَبيبِ فَأَع

جَبتُ رِجالاً وَلَم أَكُن عَجَبا

قَبلي تَصابى الفَتى وَمالَ بِهِ

حُبُّ المَعاصيرِ عَفَّ أَو طَلَبا

ما كانَ حُبّي سَلمى وَرُؤيَتُها

إِلّا قَذىً في مَدامِعي نَشِبا

أُريدُ نِسيانَها فَيُذكِرُني

ما باتَ في الجارَتَينِ مُكتَسَبا

لِلَّهِ سَلمى إِذ لا تُطيعُ بِنا ال

واشي وَإِذ لا نُطيعُ مَن عَتَبا

تَدنو مَعَ الذِكرِ كُلَّما نَزَحَت

حَتّى أَرى شَخصَها وَما اِقتَرَبا

وَيَومَ أَشكو إِلى أُسامَةَ مَك

نونَ الهَوى فَاِستَطارَ وَاِلتَهَبا

قالَت سُلَيمى أَعِندَنا شُغُلٌ

عَنكَ وَلَكِن لا تُحسِنُ الحَلَبا

أَكرِم خَليطاً تَنَل كَرامَتَهُ

لَستَ بِجانٍ مِن شَوكِهِ عِنَبا

زَينَ الجَواري خُلِقتِ مِن عَجَبٍ

وَالحِرصُ عَجلانُ يَفضَحُ الأَدَبا

وَبِالنَقى وَالعُيونُ حاضِرَةٌ

عَيَّنَّنا كُلَّ شارِقٍ عَقِبا

دَسَّت إِلَيَّ البَنّانَ تُخبِرُني

عَنها فَمَنّى وَرُبَّما كَذَبا

كانَت عَلى ذاكَ ثُمَّتَ اِنقَلَبَت

كَما دَعَوتُ الزَماعَ فَاِنقَلَبا

كَم مِن نَعيمٍ نِلنا لَذاذَتَهُ

وَمَجلِسٍ عادَ ذِكرُهُ نَصَبا

لَم يَبقَ إِلّا الخَيالُ يُذكِرُني

ما كانَ مِنها وَكانَ مُطّلَبا

دَع عَنكَ سَلمى شَجىً لِطالِبَها

لا يَسبِقُ الرَأيُ دونَ ما كُتِبا

سَأَترُكُ الغُرَّ لِلعُيونِ وَلا

أَترُكُ شُربَ الصَهباءِ وَالغَرَبا

وَمَلِكٌ تَسجُدُ المُلوكُ لَهُ

موفٍ عَلى الناسِ يَرزِقُ العَرَبا

راعٍ لِأَحسابِنا وَذِمَّتِنا

يُمسي دُواراً وَيَغتَدي نُصُبا

لا يَفتُرُ البُختُ وَالبِغالُ مَوا

قيراً خَراجاً يُجبى لَهُ دَأَبا

وَرُبَّما شَبَّتِ العُيونُ لَهُ

بَرقاً فَكانَت رُؤُسَ مَن شَغَبا

فَتى قُرَيشٍ ديناً وَمَكرُمَةً

وَهَبتُ وُدّي لَهُ بِما وَهَبا

لا يَأثَرُ الغِلَّ لِلخَليلِ وَلا

تَغلِبُهُ طَيرُهُ إِذا غَضِبا

يُعطيكَ ما هَبَّتِ الرِياحُ وَلا

يُطمَعُ في دينِهِ وَإِن قَرُبا

شَهمٌ وَقورٌ يَزينُ غُرَّتَهُ

حِلمٌ وَزانَ الوَقارُ ما اِجتَنَبا

يَكفيكَ مِن قَسوَرٍ أَجَشَّ وَكَال

ماءِ زُلالاً يَجري لِمَن شَرِبا

بِجِلدَةٍ طابَت الثِيابُ وَبِال

مَسِّ يُطيبُ العِيانَ وَالحَسَبا

تُشَمُّ نَعلاهُ في النَديِّ كَما

شَمَّ النَدامى الرَيحانَ مُعتَقَبا

ساوَرتُ مِن دونِهِ العَقَنقَلَ وَال

جَوفَ أُزجّي المَهرِيَّةَ النُجُبا

مِنَ المُعَدّاتِ في اللُجَينِ وَفي ال

عَيصِ لِهَمٍّ أَلَحَّ أَو غَلَبا

إِذا ذَكَرتُ اِمرَأً يَبيتُ عَلى ال

حَمدِ رَكِبنا العادِيَّةَ الرُكَبا

يَخبُطنَ جَمرَ الغَضى وَقَد خَفَقَ ال

آلُ وَغَشّى رَيعانُهُ الحَدَبا

مُستِقبِلاتٍ مِن كُلِّ هاجِرَةٍ

قَيظاً وَقَيضاً تَرى لَهُ حَبَبا

عوجٌ تَوالى عَلى الذَميلِ إِذا ال

راكِبُ مِن حَرِّ يَومِهِ اِنتَقَبا

يَسبَحنَ في عَدرَةِ السَماءِ كَما

شَقَّ العَدَولِيُّ زاخِراً صَخِبا

حَتّى إِذا خَيَّمَت بِعاقِبَةٍ

جاراتِ والٍ يُفَرِّجُ الكُرَبا

بَينَ أَبي جَعفَرٍ وَبَينَ أَبي ال

عَبّاسِ مِثلُ الرِئبالِ مُحتَجِبا

لا بَل هُوَ المُخدِرُ الهُمامُ إِذا

أَحسَّ قَلبُ اِمرِئٍ بِهِ وَجَبا

صَبَّحتُهُ في الذَرورِ تُمطِرُ كَف

فاهُ لِزُوّارِ بَيتِهِ ذَهَبا

لَمّا رَآني بَدَت مَكارِمُهُ

نوراً عَلى وَجهِهِ وَما اِكتَأَبا

كَأَنَّما جِئتُهُ أُبَشِّرُهُ

وَلَم أَجِئ راغِباً وَمُحتَلِبا

فَرَّجَ عَنّي المَهدِيُّ مِن كَرَبِ الض

ضيقِ خِناقاً قاسَيتُهُ حُقَبا

أَعطى مِنَ الصُتمِ وَالوَلائِدِ وَال

عُبدانِ حَتّى حَسِبتُهُ لَعِبا

وَبِركَةٍ تَحمِلُ الوَفاءَ تَلا

فاها مِنَ المَوتِ بَعدَ ما كَرَبا

يَحثي لِهَذا وَذا وَذاكَ وَلا

يَحسِبُ مَعروفَهُ كَمَن حَسَبا

إِنَّ الَّذي أَنعَمَت خِلافَتُهُ

بِالناسِ حَتّى تَنازَعوا سَبَبا

شَقيقُ مَن قامَت الصَلاةُ بِهِ

لَم يَأتِ بُخلاً وَلَم يَقُل كَذِبا

شيبَت بِأَخلاقِهِ خَلائِقُهُ

وَحازَ ميراثَهُ إِذا اِنتَسَبا

يَغدو بِيُمنٍ مِنَ النُبُوَّةِ لا

يُخلِفُ عَرّاصُهُ إِذا اِضطَرَبا

وَبَشَّرَت أَرضُنا السَماءَ بِهِ

وَسَرَّ أَهلَ القُبورِ ما عَقَبا

لِلَّهِ أَهلُ القُبورِ لَو نُشِروا

لاقَوا نَعيماً وَاِستَجلَموا أَدَبا

وَيوسُفُ البَرمُ قَد عَبَأتَ لَهُ

حَتّى هَوى في الجَحيمِ مُنقَلَبا

بُعداً وَسُحقاً لِمَن تَوَلّى عَنِ ال

حَقِّ وَعاصى المَهدِيَّ مُرتَعِبا

إِنَّ اِبنَ ساقي الحَجيجِ يَكفيكَ ما

حَلَّ مُقيماً وَأَيَّةً رَكِبا

مَهدِيُّ آلِ الصَلاةِ يَقرَؤُهُ ال

قَسُّ كِتاباً دَثراً جَلا رِيَبا

كَأَنَّ طُلّابَهُ لِحاجَتِهِم

حَجٌّ يَأُمّونَ مَشعَراً شُزُبا

يُزَيِّنُ المِنبَرَ الأَشَمَّ بِعِط

فَيهِ وَأَقوالِهِ إِذا خَطَبا

وَتُشرِقُ الأَرضُ مِن مَحاسِنِهِ

كَأَنَّ نوراً في الشَمسِ مُجتَلَبا

أَغَرُّ مُستَمطَرُ اليَدَينِ إِذا

راحَ عَلَيهِ زُوّارُهُ عُصَبا

وَمُنتَهى غايَةِ الوُفودِ إِذا

ساروا يُرَجّونَ وَصلَهُ رَغَبا

يَقولُ ساريهُمُ وَقَد دَأَبوا

بَعدَ الصَباحِ اِغتِباطُ مَن دَأَبا

إِذا أَتَيتَ المَهدِيَّ سَأَلُهُ

لاقيتَ جوداً بِهِ وَمُحتَسَبا

تَرى عَلَيهِ سيما النَبِيِّ وَإِن

حارَبَ قَوماً أَذكى لَهُم لَهَبا

مُجتَمِعُ القَلبِ في اللِقاءِ إِذا ال

أَمرُ تَوَلّى مِن قَلبِهِ حَرَبا

قَد سَطَعَ الأَمنُ في وِلايَتِهِ

وَقالَ فيهِ مَن يَقرَأُ الكُتُبا

مُحَمَّدٌ مورِثٌ خِلافَتَهُ

موسى وَهارونَ يَتبَعانِ أَبا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان بشار بن برد، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات