يا صاحبي أعيناني على طرب

ديوان بشار بن برد

يا صاحِبَيَّ أَعيناني عَلى طَرَبِ

قَد آبَ لَيلي وَلَيتَ اللَيلَ لَم يَؤُبِ

نَصِبتُ وَالشَوقُ عَنّاني وَنَصَّبَني

إِلى سُلَيمى وَراعيهِنَّ في نَصَبِ

في القَصرِ ذي الشُرُفاتِ البيضِ جارِيَةٌ

رَيّا التَرائِبِ وَالأَردافِ وَالقَضَبِ

اللَهُ أَصفى لَها وُدّي وَصَوَّرَها

فَضلاً عَلى الشَمسِ إِذ لاحَت مِنَ الحُجُبِ

أُحِبُّ فاها وَعَينَيها وَما عَهِدَت

إِلَيَّ مِن عَجَبٍ وَيلي مِنَ العَجَبِ

داءُ المُحِبِّ وَلَو يُشفى بِريقَتِها

كانَت لِأَدوائِهِ كَالنارِ لِلحَطَبِ

وَناكِثٍ بَعدَ عَهدٍ كانَ قَدَّمَهُ

وَكَيفَ يَنكُثُ بَينَ الدينِ وَالحَسَبِ

وَاللَهِ أَنفَكُّ أَدعوها وَأَطلُبُها

حَتىّ أَموتَ وَقَد أَعذَرتُ في الطَلَبِ

قَد قُلتُ لَمّا ثَنَت عَنّي بِبَهجَتِها

وَاِعتادَني الشَوقُ بِالوَسواسِ وَالوَصَبِ

يا أَطيَبَ الناسِ أَرداناً وَمُلتَزَماً

مُنّي عَلَيَّ بِيَومٍ مِنكِ وَاِحتَسِبي

إِنَّ المُحِبّينَ لا يَشفي سَقامَهُما

إِلّا التَلاقي فَداوي القَلبَ وَاِقتَرِبي

كَم قُلتِ لي عَجَباً ثُمَّ اِلتَوَيتِ بِهِ

وَلا لِما قُلتِ مِن راسٍ وَلا ذَنَبِ

لا تُتعِبيني فَإِنّي مِن حَديثِكُمُ

بَعدَ الصُدودِ الَّذي حُدِّثتُ في تَعَبِ

يَدعو إِلى المَوتِ طَيفٌ لا يُؤَرِّقُني

وَعارِضٌ مِنكِ في جَدّي وَفي لَعِبي

فَاِلقَي مُحِبّاً حَماهُ النَومَ ذِكرُكُمُ

كَأَنَّهُ يَومَ لا يَلقاكِ في لَهَبِ

قالَت أَكُلُّ فَتاةٍ أَنتَ خادِعُها

بِشِعرِكَ الساحِرِ الخَلّابِ لِلعُرُبِ

كَم قَد نَشِبتَ بِغَيري ثُمَّ زِغتَ بِها

فَاِستَحيِ مِن كَذِبٍ لا خَيرَ في الكَذِبِ

هَبني لَقيتُ كَما تَلقى وَخامَرَني

داءٌ كَدائِكَ مِن جِنٍّ وَمِن كَلَبِ

أَنّى لَنا بِكَ أَو أَنّى بِنا لَكُمُ

وَنَحنُ في قَيِّمٍ غَيرانَ في نَشَبِ

لا نَستَطيعُ وَلا نُسطاعُ مِن سَرَفٍ

فَالصَفحُ أَمثَلُ مِن وَصلٍ عَلى رُقَبِ

أَنتَ المُشَهَّرُ في أَهلي وَفي نَفَري

وَدونَكَ العَينُ مِن جارٍ وَمُغتَرِبِ

وَلَو أُطيعُكَ في نَفسي مُعالَجَةً

أَنهَبتُ عِرضي وَما عِرضي بِمُنتَهَبِ

فَاِحلُب لَبونَكَ إِبساساً وَتَمرِيَةً

لا يَقطَعُ الدَرَّ إِلّا عِيُّ مُحتَلِبِ

إِنّا وَإِن لَم تَكُن مِنّا مُساعَفَةٌ

بِما هَويتَ وَكُنّا عَنكَ في أَشَبِ

نَهوى الحَديثَ وَنَستَبقي مَناصِبَنا

إِنَّ الصَحيحَةَ لا تَبقى مَعَ الجَرِبِ

خافَت عُيوناً فَخَفَّت قَبلَ حاجَتِنا

وَرَوَّعَتنا بِإِعراضٍ وَلَم تُصِبِ

فَلَيسَ لي عِندَها حَبلٌ أَمُتُّ بِهِ

إِلّا المَوَدَّةَ مِن نُعمى وَلا نَشَبِ

فَقَد نَسيتُ وَقَلبي في صَبابَتِهِ

كَأَنَّهُ عِندَها حَيرانُ في سَبَبِ

قَد غِبتُ عَنها فَما رَقَّت لِغَيبَتِنا

وَقَد شَهِدتُ فَلَم تَشهَد وَلَم تَغِبِ

أُمسي حَزيناً وَتُمسي في مَجاسِدِها

لا تَشتَكي الحُبَّ في عَظمٍ وَلا عَصَبِ

كَأَنَّها حَجَرٌ مِن بُعدِ نائِلِها

شَطَّت عَلَيَّ وَإِن نادَيتُ لَم تُجِبِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان بشار بن برد، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات