يا دار دار الصوم القوم

ديوان الشريف المرتضى

يا دارُ دارَ الصُّوّمِ القُوّمِ

كيف خلا أُفقُكِ من أَنجُمِ

عَهدي بها يرتع سكّانُها

في ظلِّ عيشٍ بينها أَنعَمِ

لم يُصبحوا فيها لوم يغبُقوا

إلّا بِكَأسَي خَمْرَةِ الأنْعَمِ

بَكيتُها مِن أَدمُعٍ لو أَبَتْ

بكيتُها واقعةً من دمِ

وعُجتُ فيها راثياً أهلَها

سَواهِمَ الأوصالِ والمَلْطَمِ

نَحَلنَ حتّى حالهنّ السُّرى

بعضَ بقايا شَطَنٍ مُبْرَمِ

لم يدعِ الإسآدُ هاماتِها

إلّا سَقيطاتٍ على المَنْسِمِ

يا صاحبي يومَ أَزالَ الجَوى

لحمي بِخدَّيَّ عن الأعظُمِ

داويتَ ما أَنت به عالمٌ

ودائِيَ المعضلُ لم تعلمِ

ولستُ فيما أَنَا صبٌّ به

مَنْ قَرَن السّالِيَ بالمُغرَمِ

وَجْدِي بغير الظّعنِ سيّارةً

من مَخْرِمٍ ناءٍ إلى مَخْرِمِ

ولا بلفّاءَ هضيمِ الحشا

ولا بذاتِ الجِيد والمِعْصَمِ

فَاِسمَعْ زفيري عند ذكر الأُلى

بالطَّفَّ بين الذّئبِ والقَشْعَمِ

طَرْحى فإمّا مُقعَصٌ بالقَنا

أَو سائلُ النّفسِ على مِخْذَمِ

نَثْرٌ كدُرٍّ بَدَدٍ مُهْمَلٌ

لغفلةِ السِّلكِ فلم يُنْظَمِ

كأنّما الغَبراءُ مَرْمِيَّةٌ

مِن قِبَلِ الخضراءِ بالأنجمِ

دُعُوا فجاؤوا كرَاماً منهمُ

كم غرّ قوماً قَسَمُ المُقسِمِ

حتّى رأوْها أخْرَياتِ الدُّجى

طوالعاً من رَهَجٍ أقْتَمِ

كأنّهمْ بالصُّمِّ مطرورةٌ

لمنجد الأرض على مُتهِمِ

وفوقها كلُّ مَغيظِ الحَشا

مُكتَحِلِ الطَّرْف بلون الدَّمِ

كأنّه من حَنَقٍ أجْدَلٌ

أرشده الحِرْصُ إلى مَطْعَمِ

فَاِستَقبلوا الطّعنَ إلى فِتْيَةٍ

خُوّاضِ بحرِ الحَذَرِ المُفْعَمِ

من كلّ نهّاضٍ بثِقْلِ الأذى

موكَّلِ الكاهلِ بالمُعظَمِ

ماضٍ لِما أمَّ فلو جاد في ال

هيجاءِ بالحَوْباءِ لم يندَمِ

وكالفٍ بالحربِ لو أنّه

أُطعِمَ يومَ السِّلمِ لم يطعمِ

مثلَّمِ السّيفِ ومن دونِهِ

عِرْضٌ صحيحُ الحدِّ لم يُثْلَمِ

فلم يزالوا يُكرعون الظُّبا

بين تراقي الفارسِ المُعْلَمِ

فمُثخَنٌ يحملُ شَهّاقةً

تَحكي لِراءٍ فُغْرَةَ الأعْلَمِ

كأنّما الوَرْسُ بها سائلٌ

أو أُنبتَتْ من قُضُبِ العَنْدَمِ

ومُستَزلٌّ بالقنا عن قَرا

عَبْلِ الشّوى أو عن مَطا أدْهَمِ

لو لم يكيدوهمْ بها كيدَةً

لاِنقَلبوا بالخِزْي والمَرْغَمِ

فَاِقتُضِبَتْ بالبِيضِ أرْواحُهمْ

في ظلّ ذاك العارضِ الأسْحَمِ

مصيبةٌ سِيقتْ إلى أحمدٍ

ورَهْطِهِ في الملأ الأعظمِ

رُزْءٌ ولا كالرُّزْءِ من قبلِهِ

ومؤلمٌ ناهيك من مؤلِمِ

ورميةٌ أصْمتْ ولكنّها

مُصمِيةٌ من ساعدٍ أجْذَمِ

قلْ لبني حربٍ ومَنْ جمّعوا

من جائرٍ عن رُشدِهِ أوْ عمِ

وكلِّ عانٍ في إسارِ الهوى

يُحسب يَقظانَ من النُوَّمِ

لا تحسبوها حُلْوةً إنّها

أَمَرُّ في الحلقِ من العَلْقَمِ

صرَّعَهمْ أنّهمُ أقدموا

كم فُدِيَ المُحْجِمُ بالمُقدِمِ

هَل فيكمُ إلّا أَخو سَوْءَةٍ

مُجَرَّحُ الجِلْدِ من اللُّوَّمِ

إنْ خاف فقراً لم يجُدْ بالنّدى

أو هاب وَشْكَ الموتِ لم يُقْدِمِ

يا آلَ ياسينَ ومَنْ حُبُّهمْ

مَنْهَجُ ذاك السَّنَنِ الأقومِ

مهابطُ الأملاكِ أبياتُهم

ومُستَقَرُّ المُنْزَلِ المُحكَمِ

فأنتُمُ حُجّةُ ربّ الورى

على فصيحِ النّطقِ أو أَعجمِ

وأين إلّا فيكُمُ قُرْبَةٌ

إلى الإلهِ الخالقِ المُنعمِ

واللَّه لا أخليتُ من ذكركمْ

نَظْمِي ونثري ومَرامِي فمي

كلّا وَلا أغْبَبْتُ أعداءَكُمْ

من كَلِمي طَوْراً ومن أسهُمي

ولا رُئِي يومَ مصابٍ لكمْ

مُنكشِفاً في مشهدٍ مَبْسَمِي

فإنْ أَغِبْ عن نصركمْ برهةً

بِمُرهفاتٍ لم أَغبْ بالفمِ

صلَّى عليكمْ ربُّكمْ واِرتَوَتْ

قبوركمْ من مُسبِلٍ مُثْجِمِ

مُقَعْقَعٍ تُخجِلُ أَصواتُهُ

أصواتَ ليثِ الغابةِ المُرْزِمِ

وَكيفَ أَستَسقِي لَكمْ رحمةً

وأَنتمُ الرّحمةُ للمجرمِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف المرتضى، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات