هيهات لا أبتغي عن بابكم حولا

ديوان القاضي الفاضل

هَيهاتَ لا أَبتَغي عَن بابِكُم حِوَلا

أَأَبتَغي حِوَلاً بِالغَبنِ حينَ خَلا

مَغنى الغِنى فَإِذا زاوَلتُ عَقوَتَهُ

وَجَدتُ كُلَّ مَحَلٍّ آهِلٍ طَلَلا

فَمَكَّنَ اللَهُ مِن صَدرٍ وَمِن عُنُقٍ

مِمَّن يُفارِقُهُ الأَغلالَ وَالعِلَلا

اللَهُ أَسلَكَنا مِن قَصدِهِ سُبُلاً

سَدَّت عَلى كُلِّ خَطبٍ رامَنا السُبُلا

قَد كُنتُ ما لي سِوى عَتبي لَهُ شُغُلٌ

فَاليَومَ لَيسَ سِوى شُكري لَهُ شُغُلا

ما كانَ عَن واقِعِ الأَطماعِ مُمتَنِعاً

قَد صارَ عِندي وَفي كَفَّيَّ قَد حَصَلا

دامَت لَكُم مِثلَ ما دامَت بِكُم نِعَمٌ

أَمّا تَخَيُّلُ مَعنىً لِلمَزيدِ فَلا

خَلَّدتَ جودَكَ في أَهلي فَأَذكَرَني ال

دُنيا وَأَمَّنَني تَخليدُكَ الأَجَلا

أَمّا الوِلايَةُ فَالمَعروفُ خُطبَتُها

وَلَستُ أَقبَلُها عَن بابِكُم بَدَلا

وِلايَةُ البابِ عَنها لَستَ تَعزِلُني

وَما سِواها فَمَن وُلِّي فَقَد عُزِلا

فَما تُكَلِّفُني صَبراً عَلى صَبِرٍ

وَلا أُكَلِّفُها أَن تَسكُبَ العَسَلا

سِلاحُ حَربي مَعَ الأَيّامِ عَطَّلَهُ

رَأيٌ مِنَ الرَأيِ حَليٌ يُشبِهُ العَطَلا

فَلا حَديثي بِنوناتٍ تُعَظِّمُني

وَلا كِتابي إِلى قَومٍ بِمِن وَإِلى

وَلا حَصاةُ فُؤادي تَحتَ مَحملِها

مِن هَمِّ زَيدٍ وَعَمرٍو تَحمِلُ الجَبَلا

وَالبَحرُ لَو مَنَّ يَمَّمتُ التُرابَ وَلَم

أَسَرَّهُ أَنَّ في كَفّي لَهُ بَلَلا

أَقسَمتُ لَو قَذَفَت أَمواجُهُ دُرَراً

وَلَو تَحَوَّلَ يَوماً مِلحُهُ عَسَلا

لَما مَدَدتُ إِلَيهِ راحَتي أَنَفاً

وَلا رَفَعتُ إِلَيهِ ناظِري كَسَلا

لَولا مَنازِلُ مَولانا وَأَنَّ بِها

لِلَهِ إِذ يَنزِلُ العافي بِها نُزُلا

كانَت مَطامِعُ دُنيانا إِذا حَمَلَت

سِلاحَها تَتَّقيني فارِساً بَطَلا

وَكُنتُ أُبطِئُ وَالآمالُ مومِضَةٌ

بِطءَ الجَبانِ إِذا ما اِستَشعَرَ الوَجَلا

حَتّى يُقالَ أَما الإِنسانُ مِن عَجَلٍ

فَما لِهَذا إِلى الأَطماعِ ما عَجِلا

وَلَم أُبَل حينَ يُنشي المُزنُ عارِضَهُ

أَعارِضاً مَطِلاً أَم عارِضاً هَطِلا

وَكُنتُ مِن أَنَفٍ في مُرتَقى زُحَلٍ

وَلَو حَكى الحَظُّ في إِبطائِهِ زُحَلا

اللَهُ أَغنى بِمَولانا وَنِعمَتِهِ

عَنِ الكِرامِ فَلا تَذكُر لِيَ البُخَلا

مَواهِبٌ قَرَّ عَيناها فَلَيسَ لَنا

سِوى التَفَكُّهِ في جَنّاتِها شُغُلا

كَم جاءَ قَلبي بِحاجاتٍ مُفَضَّلَةٍ

ثُمَّ اِنصَرَفتُ بِها في راحَتي جُمَلا

وَخَفَّفَ اللَهُ عَن قَلبي بِما حَمَلَت

مِنها يَمينِيَ مِن فَضلٍ وَإِن ثَقُلا

فَلا عَدِمتُ يَداً إِن جِئتُها بَذَلَت

وَعُدتُ عَنها كَريمَ الوَجهِ ما بُذِلا

أَعطى وَلَم يَعِدِ الجَدوى وَعَجَّلَها

وَأَينَ مَن وَعَدَ الجَدوى وَما مَطَلا

يا مُشبِهَ المُعتَفي حاشا مَكارِمَهُ

وَما زَلَلتُ فَلا تُلحِق بِيَ الزَلَلا

الناسُ يُعطونَ إِن أَعطَوا إِذا سُئِلوا

وَأَينَ أَينَ الَّذي يُعطي إِذا سُئِلا

وَقَد مَلَأتَ أَمانَ المُعتَفينَ يَدي

أَدنى الفَواضِلِ مِنهُ يَملَأُ الأَمَلا

حَتّى خَلَقتَ إِباءً في خَلائِقِهِم

فَلا عَدِمناكَ مِن مُجدي غِنىً وَعُلا

فَصِرتَ إِن قُلتَ خُذ ما أَنتَ تَسأَلُهُ

أَبى وَتَسأَلُهُ أَخذاً وَما قَبِلا

مِن ثَمَّ ما ساغَ لي إِن قُلتَ تُشبِهُهُ

وَأَينَ شِبهُ ثَرىً مِن صَيِّبٍ هَطَلا

مَكارِمٌ رَحَلَت لِلناسِ قاصِدَةً

وَلَم يُكَلِّفهُمُ في قَصدِها الرِحَلا

وَما تُزَفُّ لَهُ بِكراً عَقيلَتُهُ

إِلّا أَفاضَ عَلَيها الحَليَ وَالحُلَلا

كَم أَنطَقَت يَدُهُ مِن لَهجَةٍ خَرِسَت

وَصَيَّرَت مِن وُلاةِ العِلمِ مَن جَهِلا

وَعاوَدَ الشِعرُ مِنهُ جاهِلِيَّتَهُ

حَتّى حَكى حَوكُ جُورٍ ما تَحوكُ فَلا

فَكَم تَعالى قِفا نَبكِ وَأَسيَرُ مِن

أَبياتِها فَوقَ أَلفاظِ الوَرى مَثَلا

فَالبَس بِما يُلبِسُ الدُنيا نَضارَتَها

هَذا الَّذي في طِرازِ الجودِ قَد عُمِلا

جِئناكَ نَركَبُ أَهوالاً نُسَرُّ بِها

وَلَو رَكِبنا إِلى ما سَرَّكَ الأَسَلا

بِالقَتلِ هَدَّدَنا فيها فُلانُ وَلَو

كُنّا كُئوساً بِكَفَّيهِ لَما قَتَلا

فَصِرتُ لا أَتَوَقّى الظُهرَ مُفتَرِساً

وَنِمتُ لا أَتَوَقّى اللَيلَ مُحتَبِلا

وجاء عارضُ ريحٍ ما أبهتُ له

بل كدتُ أرشفُ منه عارضاً بَقِلا

لا أَتَّقي اِمرَأَةً في كَفِّهِ اِمرَأَةٌ

لِلسَيفِ بَل رَجُلاً يَسطو بِهِ رَجُلا

مَن كانَ يَعتادُ في أَدنى مَآرِبِهِ

خَوضَ البِحارِ فَلا تَذكُر لَهُ الوَشَلا

فَأَرخِصِ النَفسَ في ذِكرٍ يُخَلِّدُها

فَما أَرىالذِكرَ إِن غاَلَ النُفوسَ غَلا

أَقبِل عَلى الحَمدِ بِالبِشرِ الكَريمِ تَجِد

عُشباً إِذا البِشرُ أَرضى رَوضَهُ خَضِلا

قَد اِرتَبَطتُم فُؤاداً فيكُمُ جَذِلاً

أَطلَقتُموهُ لِساناً عَنكُمُ جَدِلا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان القاضي الفاضل، شعراء العصر الأيوبي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات