Skip to main content
search

لَقَد ذَكَّرَتني لَيلَةُ القَدرِ مَجلِساً

لِثِنتَينِ مِن شِعبٍ عَلى غَيرِ مَوعِدِ

سَرى بِهِما شَوقٌ إِلَيَّ فَجاءَتا

عَلى وَجَلٍ مِن أَقرَبينَ وَحُسَّدِ

وَكاتَمَتا أُخرى هَوايَ وَغَرَّتا

أَميرَهُما مِنّي بِنُسكٍ وَمَسجِدِ

كَعابٌ وَأُخرى كَالكَعابِ خَريدَةٌ

ثَقالٌ وَلَم تَستَشعِرا عَيشَ جُحَّدِ

فَنَبَّهَني زَيدٌ فَقُمتُ إِلَيهِما

أَجُرُّ أَسابِيَّ الكَرى غَيرَ مُرقَدِ

فَلَمّا اِلتَقَينا بِالحَديثِ تَبَسَّمَت

إِلَيَّ وَقالَت بَيتُ أَمنٍ فَأَنشِدِ

فَعَلَّلتُها حَتّى تَسَحَّرَ طائِرٌ

وَكادَت تَقَضّى سَورَةُ المُتَهَجِّدِ

تَقولُ لي الصُغرى الصَلاةَ وَقَد دَنَت

شَواكِلُ تَوديعِ الإِمامِ المُؤَيَّدِ

وَإِن مَرَّ مُجتازٌ عَلَينا تَقَنَّعَت

مَخافَةَ قَولِ الفاحِشِ المُتَزَيِّدِ

فَقُلتُ لَها أُلقي الصَلاةَ وَأَنثَني

شَفاعَةَ مَن يَأوي لِحَرّانَ مُقصَدِ

تَبَدَّلَ مِن حُبِّ الصَلاةِ حَديثُنا

وَكُنتُ أَراهُ غايَةَ المُتَعَبِّدِ

فَيا مَجلِساً لَم نَقضِ فيهِ لُبانَةً

وَيا لَيلَةً قَد كُنتُ عَنها بِمَقعَدِ

إِذا العاتِقُ العَسراءُ عَتَّقَتِ الهَوى

تَيَسَّرَ مِن أُخرى لَنا غَيرَ مُنكَدِ

لَعَمرُكَ ما تَركُ الصَلاةِ بِمُنكَرٍ

وَلا الصَومِ إِن زارَتكَ أُمُّ مُحَمَّدِ

فَتاةٌ لَها عِندي دَخيلُ كَرامَةٍ

وَساعِفُ حُبٍّ مِن طَريفٍ وَمُتلَدِ

أَهيمُ بِكُم يا حَمدَ إِن كُنتُ خالِياً

وَأَنتِ حَديثُ النَفسِ في كُلِّ مَشهَدِ

وَما كُنتُ أَخشى أَن تَكونَ مَنِيَّتي

مَوَدَّتُكُم يَوماً وَكُنتُ بِمَرصَدِ

وَلِلقَلبِ وَسواسٌ مِنَ الحُبِّ يَغتَدي

وَرائِحُ رَوعاتِ الهَوى المُتَرَدِّدِ

وَكُلُّ خَليلٍ بَعدَ عَينِكِ عَينُهُ

سَتُنكِرُني إِلّا بَقايا التَجَلُّدِ

تَضَمَّخُ بِالجادي إِذا ما تَرَوَّحَت

وَتَدوى إِذا قالَت إِلى كِنِّ مَسجِدِ

إِذا قُلتُ أَوفي العَهدَ قالَت وَأَعرَضَت

سَتُدرِكُ ما قَد فاتَكَ اليَومَ في غَدِ

فَلَم تَرَ عَيني مِثلَها يَومَ عُطِّلَت

سِوى حَلي خَلخالٍ وَقُرطٍ وَمِعضَدِ

أَسيلَةُ مَجرى الدَمعِ مَهضومَةُ الحَشا

كَشَمسِ الضُحى حَلَّت بِبُرجٍ وَأَسعَدِ

تَكادُ إِذا قامَت لِشَيءٍ تُريدُهُ

تَميلُ بِها الأَردافُ ما لَم تَشَدَّدِ

وَقَد نَسِيَت عَهدَ الصَفاءِ وَلَم أَزَل

عَلى ذُكَرٍ مِنها أَروحُ وَأَغتَدي

يُمَوِّتُني شَوقي وَتُحيينِيَ المُنى

فَلَستُ بِحَيٍّ في الحَياةِ وَلا الرَدي

وَما كانَ ما لاقَيتُ مِن وَصلِ غادَةٍ

وَهِجرانِها إِلّا بِما قَدَّمَت يَدي

فَلَمّا رَأَيتُ الحُبَّ لَيسَ بِعاطِفٍ

هَواها وَلا دانٍ لَها بِتَوَدُّدِ

أَخَذتُ بَكَفَّيَّ النَدامَةَ راجِعاً

وَأَيقَنتُ أَنّي عِندَها غَيرُ مُوَطَدِ

عَشِيَّةَ زادَتني الزَيارَةُ فِتنَةً

فَأَقبَلتُ مَحروماً بِها لَم أُزَوَّدِ

وَقَد عَلِمَت حَمّادَةُ النَفسِ أَنَّني

إِلى نائِلٍ لَو نِلتُ مِن وِردِها صَدِ

وَأَنَّ الهَوى إِن لَم تَرُح لي بِزَفرَةٍ

يَكونَ جَوىً بَينَ الجَوانِحِ مُغتَدِ

بشار بن برد

بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي (96 هـ - 168 هـ) ، أبو معاذ ، شاعر مطبوع. إمام الشعراء المولدين. ومن المخضرمين حيث عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية. ولد أعمى، وكان من فحولة الشعراء وسابقيهم المجودين. كان غزير الشعر، سمح القريحة، كثير الإفتنان، قليل التكلف، ولم يكن في الشعراء المولدين أطبع منه ولا أصوب بديعا.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024