Skip to main content
search

عَهدٌ لِعَلوَةَ بِاللِوى قَد أَشكَلا

ما كانَ أَحسَنُ مُبتَداهُ وَأَجمَلا

أَنسى لَيالينا هُناكَ وَقَد خَلا

مِن لَهوِنا في ظِلِّها ما قَد خَلا

عَيشٌ غَريرٌ لَو مَلَكتُ لِما مَضى

رَدّاً إِذاً لَرَدَدتُهُ مُستَقبَلاً

لاموا عَلى لَيلي الطَويلِ وَكُلَّما

عادوا بِلَومٍ كانَ لَيلي أَطوَلا

اِتبَع هَواكَ إِلى الحَبيبِ فَإِنَّهُ

رَشَدٌ وَخَلِّ لِعاذِلٍ أَن يَعذُلا

وَاللَهِ لا أَسلو وَلَو جَهِدَ الَّذي

يَلحى وَما عُذرُ المُحِبِّ إِذا سَلا

أَحيا الرَجاءَ وَرَدَّ عادِيَةَ الجَوى

قَولُ الَّذي أَهوى نَعَم مِن بَعدِ لا

وَمِزاجُهُ كَأسي بِريقَتِهِ الَّتي

ثَلَجَت فُؤادَ مُحِبِّهِ فَتَبَلَّلا

لا تَعجَبي لِمُعَشَّقٍ أَن يَرعَوي

عَن هَجرِهِ وَلِعاشِقٍ أَن يُوصَلا

بِتنا وَلي قَمرانِ وَجهُ مُساعِدي

وَالبَدرُ إِذ وافى التَمامَ وَأَكمَلا

لاحَت تَباشيرُ الخَريفِ وَأَعرَضَت

قِطَعُ الغُيومِ وَشارَفَت أَن تَهطِلا

فَتَرَوَّ مِن شَعبانَ إِنَّ وَراءَهُ

شَهراً يُمانِعُنا الرَحيقَ السَلسَلا

أَحسِن بِدِجلَةَ مَنظَراً وَمُخَيَّماً

وَالغَردِ في أَكنافِ دِجلَةَ مَنزِلا

خَضِلُ الفِناءِ مَتى وَطِئتَ تُرابَهُ

قُلتَ الغَمامُ انهَلَّ فيهِ فَأَسبَلا

حَشَدَت لَهُ الأَمواجُ فَضلَ دَوافِعٍ

أَعجَلنَ دولابَيهِ أَن يَتَمَهَّلا

تَبيَضُّ نُقبَتُهُ وَيَسطَعُ نورُهُ

حَتّى تَكِلَّ العَينُ فيهِ وَتَنكَلا

كَالكَوكَبِ الدُرِيِّ أَخلَصَ ضَوءَهُ

حَلَكُ الدُجى حَتّى تَأَلَّقَ وَانجَلى

رَفَدَت جَوانِبَهُ القِبابُ مَيامِناً

وَمَياسِراً وَسَفَلنَ عَنهُ وَاعتَلى

فَتَخالُهُ وَتَخالُهُنَّ إِزاءَهُ

مَلِكاً تَدينُ لَهُ المُلوكُ مُمَثَّلا

وَعَلى أَعاليهِ رَقيبٌ ما يَني

كَلِفاً بِتَصريفِ الرِياحِ مُوَكَّلا

مِن حَيثُ دارَت دارَ يَطلُبُ وَجهَها

فِعلَ المُقاتِلِ جالَ ثُمَّ استَقبَلا

بِدَعٌ لِبِدعٍ في السَماحَةِ ما تَرى

مِن أَمرِهِ إِلّا عَجيباً مُجذِلا

فَضَلَ الأَنامَ أَرومَةً مَذكورَةً

وَتُقىً وَأَنعَمَ في الأَنامِ وَأَفضَلا

تَثني بَوادِرَهُ الأَناةُ وَرُبَّما

سارَت عَزيمَتُهُ فَكانَت جَحفَلا

وَرِثَ النَبِيَّ سَجِيَّةً مَرضِيَّةً

وَطَريقَةً قَصَداً وَقَولاً فَيصَلا

فَإِذا قَضى في المُشكِلاتِ تَرادَفَت

حِكَمٌ تُريكَ الوَحيَ كَيفَ تَنَزَّلا

يا اِبنَ الهُداةِ الراشِدينَ وَمَن بِهِم

أَرسَت قَواعِدُ دينِنا فَتَأَثَّلا

خِرَقٌ سَمَت أَخلاقُهُ فَتَرَفَّعَت

وَأَضاءَ رَونَقُ وَجهِهِ فَتَهَلَّلا

فَإِذا تَرَفَّعَ في المُناسِبِ وَاعتَزى

لِأُبُوَّةٍ يَتلو الأَخيرُ الأَوَّلا

عَدَّ النُجومَ الطالِعاتِ مُؤَهَّلاً

لِلأَمرِ أَو مُستَخلَفاً أَو مُرسَلا

أَصحَبتُهُ أَمَلي وَمِثلُ خِلالِهِ

كَرُمَت فَأَعطَت راغِباً ما أَمَّلا

إِن شِئتَ جاءَت نِعمَةٌ فَتُلُقِّيَت

مِنهُ وَسُهِّلَ مَطلَبٌ فَتَسَهَّلا

لَم يَبقَ إِلّا أَن تَهُمَّ فَيَنقَضي

ما قَد تَطاوَلَ أَو تَجُزَّ فَتَفصِلا

قَد قُلتُ فَاِفعَل ما وَأَيتَ وَإِنَّ مِن

عاداتِ جودِكَ أَن تَقولَ فَتَفعَلا

وَلَئِن عَجِلتَ بِما تُنيلُ فَإِنَّهُ

حَسبٌ لِنَيلِكَ أَن يَكونَ مُعَجَّلا

عِش مُدَّة الزَمَنِ الطَويلِ مُمَتَّعاً

وَمُمَلَّأً بِالمُلكِ عُمراً مُكمَلا

البحتري

البحتري (205 هجري - 284 هجري): هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي. البحتري بدوي النزعة في شعره، ولم يتأثر إلا بالصبغة الخارجية من الحضارة الجديدة. وقد أكثر من تقليد المعاني القديمة لفظيا مع التجديد في المعاني والدلالات، وعرف عنه التزامه الشديد بعمود الشعر وبنهج القصيدة العربية الأصيلة ويتميز شعره بجمالية اللفظ وحسن اختياره والتصرف الحسن في اختيار بحوره وقوافيه وشدة سبكه ولطافته وخياله المبدع.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024