طربت إلى حوضى وأنت طروب

ديوان بشار بن برد

طَرِبتَ إِلى حَوضى وَأَنتَ طَروبُ

وَشاقَكَ بَينَ الأَبرَقَينِ كَثيبُ

وَنُؤيٌ كَخِلخالِ الفَتاةِ وَصائِمٌ

أَشَجُّ عَلى رَيبِ الزَمانِ رَقوبُ

وَمَسجِدُ شَيخٍ كُنتَ في سَنَنِ الصِبى

تُحيِّيهِ أَحياناً وَفيهِ نُكوبُ

غَدا بِثَلاثٍ ما يَنامُ رَقيبُها

وَأَبقى ثَلاثاً ما لَهُنَّ رَقيبُ

أَواجِيَّ حُزنٍ لِلمُحِبِّ يَهِجنَهُ

إِذا اِجتازَ فيما يَغتَدي وَيَؤوبُ

فَلا بُدَّ أَن تَغشاكَ حينَ غَشيتَها

هَواجِدُ أَبكارٍ عَلَيكَ وَثيبُ

ظَلَلتَ تُعَنّي العَينَ عَينَكَ بَعدَما

جَرَت عَبرَةٌ مِنها وَعَزَّ نَحيبُ

وَيَومَ اِلتَقى شَرقِيَّ جِزعِ مُتالِعٍ

تَقَنَّعتَ مِن أُخرى وَأَنتَ مُريبُ

تُسارِقُ عَمراً في الرِداءِ صَبابَةً

بِعَينَيكَ مِنها حاشِكٌ وَحَليبُ

إِذا زُرتَ أَطلالاً بَقينَ عَلى اللِوى

مَلَأنَكَ مِن شَوقٍ وَهُنَّ عُذوبُ

وَنَمَّت عَلَيكَ العَينُ في عَرَصاتِها

سَرائِرَ لَم يَنطِق بِهِنَّ عَريبُ

مَتى تَعرِفُ الدارَ الَّتي بانَ أَهلُها

بِسُعدى فَإِنَّ الدَمعَ مِنكَ قَريبُ

تَذَكَّرُ مَن أَحبَبتَ إِذ أَنتَ يافِعٌ

غُلامٌ فَمَغناهُ إِلَيكَ حَبيبُ

لَيالِيَ تَشتاقُ الجِوارَ غَريبَةً

إِلى قَودِ أَسرارٍ وَهُنَّ غُيوبُ

وَإِذ يُصبِحُ الغَيرانُ تَغلي قُدورُهُ

عَلَينا وَإِذ غُصنُ الشَبابِ رَطيبُ

وَإِذ نَحنُ بِالأَدعاصِ أَمّا نَهارُنا

فَصَعبٌ وَأَمّا لَيلُنا فَرَكوبُ

وَإِذ نَلتَقي خَلفَ العُيون كَأَنَّنا

سُلافُ عُقارٍ بِالنُقاخِ مَشوبُ

وَإِن شَهِدَت عَينٌ صَفَحتَ وَأَعرَضَت

إِلى عَينِهِ العَينُ الَّتي سَتَغيبُ

يَرى الناسُ أَنّا في الصُدودِ وَتَحتَهُ

مَداخِلُ تَحلَولي لَنا وَتَطيبُ

فَكَدَّرَ ذاكَ العَيشَ بَعدَ صَفائِهِ

أَحاديثُ قَتّاتٍ لَهُنَّ دَبيبُ

وَسَعيُ وُشاةِ الناسِ بَيني وَبَينَها

بِما لَيسَ فيهِ لِلوُشاةِ نَصيبُ

وَنَظرَةُ عَينٍ لَم تُخالِط عَباءَةً

رَأَت مَجلِسي فَرداً وَفِيَّ عُزوبُ

فَقالَت خَلا بِالنَفسِ إِذ عيلَ صَبرُهُ

يُشاوِرُها أَيَّ الأُمورِ تَجوبُ

أَصابَت بِظَنّ سِرَّ ما في جَوانِحي

وَما كُلُّ ظَنِّ القائِلينَ يُصيبُ

فَأَصبَحتُ مِن سُعدى قَصِيّاً بِحاجَةٍ

عَلَيها فَقالَت دونَ ذاكَ شَعوبُ

تَعَذَّرَ مَأَتاهُ فَما نَستَطيعُهُ

عَلى قَولِ مَن يَغتابُنا وَيَعيبُ

سَقى اللَهُ سُعدى مِن خَليطٍ مُباعِدٍ

عَلى أَنَّني فيما تُحِبُّ وَهوبُ

عَذيري مِنَ العُذّالِ لا يَترُكونَني

بِغَمّي أَما في العاذِلينَ لَبيبُ

يَقولونَ لَو عَزَّيتَ قَلبَكَ لَاِرعَوى

فَقُلتُ وَهَل لِلعاشِقينَ قُلوبُ

يَعِدّونَ لي قَلباً وَلَستُ بِمُنكِرِ

هَواناً وَلا يَرضى الهَوانَ أَريبُ

وَما القَلبُ إِلّا لِلَّذي إِن أَهَنتَهُ

بَغى مَشرَباً يَصفو لَهُ وَيَطيبُ

أَقولُ لِقَلبٍ لَيسَ لي غَيرَ أَنَّهُ

لِما شِئتُ مِن شَوقٍ إِلَيَّ جَلوبُ

أَلا أَيُّها القَلبُ الَّذي أَدبَرَت بِهِ

سُعادُ بَني بَكرٍ أَلَستَ تُنيبُ

تُؤَمِّلُ سُعدى بَعدَ ما شَعُبتُ بِها

نَوى بَينَ أَقرانِ الخَليطِ شَعوبُ

تُمَنّيكَ سُعدى كُلَّ يَومٍ بِكِذبَةٍ

جَديدٍ وَلا تُجدي عَلَيكَ كَذوبُ

إِذا الناصِحُ الأَدنى دَعاكَ بِصَوتِهِ

دَعِ الجَهلَ لَم تَسمَع وَأَنتَ كَئيبُ

تَمَنّى هَوى سُعدى مُشيداً لِحُبِّها

كَأَن لا تَرى أَنَّ المَفارِقَ شيبُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان بشار بن برد، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات