Skip to main content
search

سائِل دِيارَ الحَيِّ مِن ماوانِ

ما أَحدَثَت فيها يَدُ الحَدَثانِ

وَأَطِل وُقُوفَكَ يا أُخَيَّ بِدِمنَةٍ

قَد طالَ في أَطلالِها إِذماني

كانَت جِناناً كَالجِنانِ فَأصبَحَت

لِلوَحشِ مُوحِشَةٍ وَلِلجِنّانِ

لَمّا وَقَفتُ العيسَ في عَرَصاتِها

ذَهَبَ العَزاءُ وَأَقبَلَت أَجفاني

وَذَكَرتُ أَيّاماً خَلَونَ وَأَعصُراً

ذِكرى لَهُنَّ لِسَلوَتي أَنساني

وَكَواعِباً بِذَوي العُقُولِ لَواعِباً

بِيضَ الخُدودِ نَواعِمَ الأَبدانِ

مِن كُلِّ خَرعَبَةٍ تُريكَ إِذا بَدَت

بَدرَ الدُجُنَّةِ فَوقَ غُصنِ البانِ

وَإِذا تَراءَت لِلحَليمِ رَأَيتَهُ

في فِتنَةٍ مِن طَرفِها الفَتّانِ

لَم أَنسَ يَومَ البَينِ مَوقِفَنا وَقَد

حُمَّ الفِراقُ وَفاضَتِ العَينانِ

وَتَتابَعَت زَفَراتُ وَجدٍ لَم تَزَل

مِنها القُلوبُ كَثيرَةَ الخَفَقانِ

بانوا وَكُنتُ أَعُدُّهُم لِي جُنَّةً

فَبَقِيتُ بَعدَهُمُ بِغَيرِ جَنانِ

قُرِنَ الأَسى بِجَوانِحي لَمّا بَدَت

أَظعانُهُم كَالنَخلِ مِن قُرّانِ

أَقوَت مَغانِيهم وَكانَت حِقبَةً

مَأوى الحِسانِ وَمَلعَبَ الفِتيانِ

وَمَناخَ مُمتاحِ النَوالِ وَعِصمَةً

لِلخائِفينَ وَمَلجَأً لِلجاني

وَمَحَلَّ كُلِّ مُعَظَّمٍ وَمَجالَ كُلـ

ـلِ مُطَهَّمٍ وَمَجَرَّ كُلِّ سِنانِ

بِالبيضِ بِيضِ الهِندِ يَحمي بِيضَهُ

يَومَ الوَغى وَذَوابِلِ المُرّانِ

وَبِكُلِّ أَشوَسَ باسِلٍ ذي نَجدَةٍ

سَمحِ الخَلائِقِ غَيرِ ما خَوّانِ

يَومَ النِزالِ تَخالُهُ في بَأسِهِ

مَلِكَ المُلوكِ وَآفَةَ الشُجعانِ

أَعني الأَميرَ أَبا عَلِيٍّ ذا العُلى

مُردي العِدى وَمُقَطِّرِ الأَقرانِ

مَلِكٌ إِذا اِفتَخَرَ الرِجالُ بِسَيِّدٍ

فَخَرَت بِهِ الأَحياءُ مِن عَدنانِ

لَم يَنطِق العَوراءَ قَطُّ وَلا دَرى

ما الكِبرِياءُ عَلى عَظيمِ الشانِ

ما حَلَّ حَبوتَهُ إِلى جَهلٍ وَلا

أَصغى إِلى نايٍ وَلا عِيدانِ

ذُو هِمَّةٍ مِن دُونِها القَمَرانِ

وَعَزيمَةٍ أَمضي مِنَ الحِدثانِ

لَو أَنَّ لِلعَضبِ المُهَنَّدِ عَزمَهُ

لَفَرى الجَماجِمَ وَهوَ في الأَجفانِ

وَلَوَ اِنّ لِلشَمسِ المُنيرَةِ بِشرَهُ

تاهَت فَلَم تَطلُع مَدى الأَزمانِ

عَفُّ الإِزارِ كَرِيمَةٌ أَخلاقُهُ

ناءٍ عَن الفَحشاءِ وَالشَنآنِ

أَحيَا شَجاعَةَ وائِلٍ في وائِلٍ

وَسَماحَةَ المَطَرِيِّ في شَيبانِ

وَوَفاءَ مَيمُونِ النَقِيبَةِ حارِثٍ

وَحَمِيَّةَ المَلِكِ المُعَظَّمِ هاني

يا سائِلي عَنهُ رُوَيدَكَ هَل تُرى

يَخفى الصَباحُ عَلى ذَوي الأَذهانِ

سائِل بِهِ يُخبِركَ كُلُّ مُقَلِّصٍ

نَهدٍ وَكُلُّ مُثَقَّفٍ وَيَماني

لَمّا أَتَت أَهلُ القَطيفِ بِجَحفَلٍ

مُتَوَقِّدٍ كَتَوَقُّدِ النِيرانِ

في آلِ حَجّافٍ وَآلِ شَبانَةٍ

مِثلَ الأُسُودِ بحافَتَي خَفّانِ

نَزَلُوا عَلى صَفواءَ صُبحاً وَاِبتَنوا

فيها القِبابَ وَأَيقَنُوا بِأَمانِ

وَتَسَربَلُوا حَلقَ الحَديدِ وَأَقبَلُوا

بِالخَيلِ وَالراياتِ كَالعِقبانِ

فَغَدَت فَوارِسُهُم لِما قَد عايَنَت

هَرَباً وَلَم تَعطِف عَلى النِسوانِ

فَرَمى الأَميرُ جُمُوعَهُم فَتَمَزَّقَت

كَالشاءِ إِذ جَفَلَت مِنَ السِرحانِ

وَتَحَكَّمَت فيهِم حُدودُ سُيُوفِهِ

ضَرباً فُوَيقَ مَعاقِدِ التِيجانِ

وَحَوى ظَعائِنَهُم وَأَحرَزَ ما لَهُم

غَصباً وَأَنزَلَهُم بِشَرِّ مَكانِ

أَحيا نُفوساً مِن رِجالٍ قَد رَأَت

آجالَها بِالسَيفِ رَأيَ عِيانِ

مَلِكٌ يَعُدُّ الذِكرَ عَقباً صالِحاً

وَيَرى المَآثِرَ أَشرَفَ البُنيانِ

مُتَواضِعٌ في مَجدِهِ مُتَرَفِّعٌ

عَن ضِدِّهِ غَيثٌ عَلى الإِخوانِ

وَهُوَ الَّذي قادَ الجِيادَ عَوابِساً

تَحتَ العَجاجِ إِلى بَني سَلمانِ

وَبَني لبيدٍ كُلِّها فَاِجتاحَها

بِدراكِ غاراتٍ وَحُسنِ طِعانِ

وَأَتَت إِلَيهِ بِالخَراجِ مُطِيعَةً

خَوفاً مِنَ الغاراتِ أَهلُ عُمانِ

وَتَزَعزَعَت رَهباً فَجاءَت تَبتَغي

مِنهُ الذِمامَ الشُمُّ مِن عَدوانِ

هَذا هُوَ الشَرَفُ الرَفيعُ وَهَذِهِ

شِيَمُ المُلوكِ وَغايَةُ السُلطانِ

يا هاجِرَ الأَوطانِ في طَلَبِ الغِنى

هَلّا أَنَختَ بِرَبعِهِ الفَينانِ

رَبعٌ إِذا رَبَعَت إِلَيهِ قَبيلَةٌ

عَلقَت بِحَبلٍ مِن غِنىً وَأَمانِ

تَلقى الغِنى وَالعِزَّ نَبتَ رِياضِهِ

بَدَلاً مِنَ القَيصُومِ وَالسَهبانِ

بَردٌ وَظِلٌّ لِلصَديقِ وَجَنَّةٌ

وَعَلى أَعاديهِ حِميمٌ آنِ

وَإِذا نَزَلتَ بِهِ أَنالَكَ ما حَوَت

كَفّاهُ مِن تِبرٍ وَمِن عِقيانِ

وَإِذا اِحتَبى وَسطَ النَدِيِّ رَفعتَهُ

عَن أَن تُشَبِّهَهُ بنُو شَروانِ

وَإِذا نَظَرتَ إِلى فَصاحَةِ نُطقِهِ

أَلهاكَ عَن قُسٍّ وَعَن سَحبانِ

بَحرٌ يَعُبُّ لِسائِلٍ وَمُسائِلٍ

طَودٌ أَشَمّ لِمُستَكينٍ عانِ

يُبدي النَدى وَيُعيدُهُ وَكَمِ اِمرِئٍ

يُبدي المُنى وَيُعيدُ بِالحِرمانِ

فَاِسلَم وَعِش يابا عَلِيٍّ ما دَجى

لَيلٌ وَناحَ الوُرقُ في الأَغصانِ

في نِعمَةٍ وَسَعادَةٍ في دَولَةٍ

مَحرُوسَةٍ بِاليُمنِ وَالإِيمانِ

علي بن المقرب العيوني

علي بن المقرّب العيوني شاعر من أهل الأحساء، توفي عام 630 هـ (1232م)، وهو من أواخر من يعرف من الشعراء المختصّين بنظم الشعر الفصيح بين أهل الجزيرة العربية قبل العصر الحديث. يرجع بنسبه إلى العيونيين من عبد القيس، الذين حكموا الأحساء في تلك الفترة بعد انتزاعها من القرامطة. وهو شاعر الدولة العيونية، ويعتبر ديوانه والشروحات التي أرفقت به من أهم المصادر حول تاريخ تلك الدولة.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024