تخطت وفود الليل بان به الوخط

ديوان لسان الدين بن الخطيب

تَخَطَّتْ وَفَوْدُ اللَّيْلِ بَانَ بِهِ الْوَخْطُ

وَعَسْكَرُهُ الزَّنْجِيُّ هَمَّ بِهِ الْقِبْطُ

أَتَاهُ وَلِيدُ الصَّبْحِ مِنْ بَعْدِ كَبْرَةٍ

أَيُولَدُ أَجْنَا نَاحِلُ الْجِسْمِ مُشْمَطُّ

كَأَنَّ النَّجُومَ الزُّهْرَ أَعْشَارُ سُورَةٍ

وِمِنْ خَطَرَاتِ الرَّجْمِ أَثْنَاءَهَا مَطُّ

وَقَدْ وَرَدَتْ نَهْرَ الْمَجَرَّةِ سَحْرَةً

غَوَائِصَ فِيهِ مِثْلَ مَا تَفْعَلُ الْبَطُّ

وَقَدْ جَعَلَتْ تَفْلِي بِإَنْمُلِهَا الْفَلاَ

وَيُرْسَلُ مِنْهَا فِي غَدَائِرِهِ مُشْطُ

يَحِفُّ عُبَابُ اللَّيْلِ عَنْهَا جَوَاهِراً

فَيَكْثُرُ فِيهَا النَّهْبُ لِلْحِينِ وَاللَّقْطُ

فَعَادَت خَيَالاً مِثْلَهَا غَيْرَ أَنَّهُ

مِنَ الْبَثِّ وِالشَّكْوَى يَبِينُ لَهُ لَغْطُ

سَرَتْ سِلْخَ شَهْرٍ فِي تَلَفُّتِ مُقْلَةٍ

عَلى قَتب الأَحْلاَمِ تَسْمُو وَتَنْحَطُّ

لِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسٍ شَعَاعٍ وَمُهْجَةٍ

إِذَا قُدِحَتْ لَمْ يَخْبُ مِنْ زَنْدِهَا سَقْطُ

وَنُقْطَةُ قَلْبٍ أَصْبَحَتْ مَنْشَأَ الْهَوَى

وَنَفْسٌ لِغَيْرِ اللَّهِ مَا خَضَعَتْ قَطُّ

لَرِيعَ لَهَا الأَحْرَاسُ مِنِّي بِطَارِقٍ

مَفَارِقُهُ شُمْطٌ وَأَسْيُافُهُ شُمْطُ

تُنَاقِلُهُ كَوْمَاءُ سَامِيَةُ الذُّرَى

وَيَقْذِفُهُ شَهْمُ مِنَ النِّيقِ مُنْحَطُّ

وَلَوْلاَ النُّهَى لَمْ تَسْتَبِنْ سُبُلُ الْهُدَى

وَكَادَ وزَانُ الْحَقِّ يُدْرِكُهُ الْغَمْطُ

وَلَوْلاَ عَوَادِي الشَّيْبِ لَمْ يَبْرَحِ الْهَوَى

يُهَيِّجُهُ نُؤْيٌ عَلَى الرَّمْلِ مُخْتَطُّ

وَلَوْلاَ أَمِيرُ الْمُسلِمينَ مُحَمَّدٌ

لَهَالَتْ بِحَارُ الرَّوْعِ وَاحْتَجَبَ الشَّطُّ

يَنُوبُ عَنِ الإِصْبَاحِ إِنْ مَطَلَ الدُّجَى

وَيَضْمنُ سُقْيَا السَّرْحِ إِنْ عَظُمَ الْقَحْطُ

تُقِرُّ لَهُ الأَمْلاَكُ بِالشِّيَمِ الْعُلَى

إِذَا بُدِلَ الْمَعْرُوفُ أَوْ نُصِبَ الْقِسْطُ

أَرَادُوهُ فَارْتَدُّوا وَجَارَوْهُ فَانْثَنُوا

وَسَامَوْهُ فِي مَرْقَى الْجَلاَلَةِ فَانْحَطُّوا

تُبرُّ عَلَى الْمُدَّاحِ غُرُّ خِلاَلِهِ

وَمَا رَسَمُوا فَوْقَ الطُّرُوسِ وَمَا خَطُّوا

تَعَلَّمَ مِنْهُ الدَّهْرُ حَالَيْهِ فِي الْوَرَى

فَآوِنَةً يَسْخُو وَآوِنَةً يَسْطُو

وَتَجْمَعُ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ كَفُّهُ

بِحِكْمَةِ مَنْ فِي كَفِّه الْقَبْضُ وَالْبَسْطُ

خَلاَئِقُ قَدْ طَابَتْ مَذَاقاً وَنَفْحَةً

كَمَا مُزِجَتْ بِالْبَارِدِ الْعَذْبِ إِسْفَنْطُ

أَسِبْطَ الإِمَامِ الْغَالِبِيِّ مُحَمَّدٍ

وَيَا فَخْرَ مَلْكٍ كُنْتَ أَنْتَ لَهُ سِبْطُ

وَقَتْكَ أَوَاقِي اللَّهِ مِنْ كُلِّ غَائِلٍ

فَأَيُّ سِلاَحٍ مَا الْمِجَنُّ وَمَا اللَّمْطُ

لَقَدْ زَلْزَلَتْ مِنْكَ الْعَزَائِمُ دَوْلَةً

أَنَاخَتْ عَلَى الإِسْلاَمِ تَجنِي وَتَشْتَطُّ

إِيَالَةُ غَدْرٍ ضَعْضَعَ اللَّهُ رُكْنَها

وَنَادَى بأَهْلِيهَا التّبَارُ فَلَمْ يُبْطُوا

عَلَى قَدَرٍ جَلَّى بِكَ اللهُ بُؤْسَهَا

وَلاَ يَكْمُلُ البُحْرَانُ أَن يَنْضَجَ الْخَلْطُ

وَكَانُوا نَعِيمَ الْجَنَّتَيْنِ تَفَيَّأُوا

وَلَمَّا يَقَعْ مِنْهَا النُّزُولُ وَلاَ الْهَبْطُ

فَقَد عُوِّضُوا بِالأُثْلِ والْخَمْطِ بَعْدَهَا

وَهَيْهَاتَ أَيْنَ الأَثْلُ مِنْهَا وَمَا الْخَمْطُ

فَمِنْ طَائِحٍ فَوْقَ الْعَرَاءِ مُجَدَّلٍ

وَمِنْ رَاسِفٍ فِي الْقَيْدِ أَرْهَقَهُ الضَّغْطُ

وَأَلْحَفَ مِنْكَ اللهُ أُمَّةَ أَحْمَدٍ

أَمَانَاً كَمَا يَضْفُو عَلَى الْغَادَةِ الْمِرْطُ

أَنَمْتَ عَلَى مَهْدِ اْلأَمَانِ عُيُونَهَا

فَيُسْمَعُ مِنْ بَعْدِ السُّهَادِ لَهَا غَطٌّ

وَصَمَّ صَدَى الدُّنْيَا فَلَمَّا رَجَمْتَهَا

تَزَاحَمَ مُرْتَادٌ عَلَيْهَا وَمُخْتَطُّ

وَأَحْكَمْتَ عَقْدَ السَّلمِ لَمْ تَأَلُ بَعْدَهُ

وَفَاءً فَصَحَّ الْعَقْدُ وَاسْتَوْثَقَ الرَّبْطُ

وَأَيْقَنَ مُرْتَابٌ وَأَصْحَبَ نَافِرٌ

وَأَذْعَنَ مُعْتَاَصٌ وَأَقْصَرَ مُشْتَطُّ

وَلِلَّهِ مَبْنَاكَ الَّذِي مُعْجِزَاتُهُ

أَبَتْ أَنْ يُوَفِّيَهَا الشِّفَاهُ أَوِ الْخَطُّ

وَأَنْسَتْ غَرِيبَ الدَّارِ مَسْقَطَ رَأْسِهِ

وَمِنْ دُونِ فَرْخَيْهِ الْقَتَادَةُ وَالْخَرْطُ

تَنَاسَبَتِ الأَوْضَاعُ فِيهِ وَأَحْكَمَتْ

عَلَى قَدَرٍ حَتَّى الأَرَائِكِ وَالْبُسْطُ

فَجَاءَ عَلَى وَفْقِ الْعُلَى رَائِقَ الْحُلَى

كَمَا سُمِطَ الْمَنْظُومُ أَوْ نُظِمَ السِّمْطُ

وَلِلَّهِ إِعْذَارٌ دَعَوْت لَهُ الْوَرَى

فَهَبُّوا لِدَاعِيهِ الْمُهِيبِ وَإِنْ شَطُّوا

تَقُودُهُمُ الزُّلْفَى وَيَدْعُوهُمُ الرِّضَى

وَيَحْدُوهُمُ الْخَصْبُ الْمُضَاعَفُ وَالْغَبْطُ

وَأَغْرَيْتَ بِالبُهْمِ الْعِلاَجَ تَحَفِّياً

فَلَمْ يُذْخَرِ الشِّيءُ الْغَرِيبُ وَلاَ السِّمْطُ

أَتَتْ صُوَراً مَعْلُولَةً عَنْ مِزَاجِهَا

وَأَصْلُ اخْتِلاَفِ الصُّورَةِ الْمَزْجُ وَالْخَلْط

قَضَيْتَ بِهَا دَيْنَ الزَّمَانِ وَلَمْ يَزَلْ

أَلَدَّ كَذُوبَ الْوَعْدِ يَلْوي وَيَشْتَطُّ

وَأَرْسَلْتَ يَوْمَ السَّبْقِ كُلَّ طِمِرَّةٍ

كَمَا تُرْسَلُ الْمَلْمُومَة النَّارُ وَالنَّفْطُ

رَنَتْ عَنْ كَحِيلٍ كَالْغَزَالِ إِذَا رَنَا

وَأَوْفَتْ بِهَادٍ كَالظَّلِيمِ إِذَا يَعْطُو

وَقَامَتْ عَلَى مَنْحُوتَةٍ مِنْ زَبَرْجَدٍ

تَخُطُّ عَلَى الصُّمِّ الصّلاَبِ إِذَا تَخْطُو

وَكُلِّ عَتِيقٍ مِنْ تَمَاثِيلِ رُومةٍ

تَأَنَّقَ فِي اسْتِخْطَاطِهِ الْقَسُّ وَالْقُمْطُ

وَطَاعِنةٍ نَحْرَ السُّكَاكِ أَعَانَهَا

عَلَى الْكَوْنِ عِرْقٌ وَاشِجٌ وَلِحىً سُبْطُ

تَلَقَّفُ حَيَّاتِ الْعَصِيِّ إِذَا هَوَتْ

فَثُعْبَانُهَا لاَ يَسْتتِمُّ لَهُ سَرْطُ

أَزَرْتَ بِهَا بَحْرَ الْهَوَاءِ سَفِينَةٌ

عَلَى الْجَوِّ لاَ الْجُودِيِّ كَانَ لَهَا حَطُّ

وَطَارَدْتَ مِقْدَامَ الصُّوَارِ بِجَارِحٍ

يُصَابُ بِهِ مِنْهُ الصِّمَاخُ أَو الإِبْط

مَتِينُ الشَّوَى فِي رَأْسِهِ سَمْهَرِيَّةٌ

مُقَصِّرَةٌ عَنْهُنَّ مَا يُنْبِتُ الْخَطُّ

وَقَدْ كَانَ ذَا تَاجٍ فَلَمَّا تَعَلَّقَا

بِسَامِعَتَيهِ زَانَهُ مِنْهُمَا قُرْطُ

وَجِيءَ بِشِبْلِ الْمُلْكِ يُنْجِدُ عَزْمَهُ

عَلَيْهِ الْحِفَاظُ الْجَعْدُ وَالْخُلُقُ السَّبْطُ

سَمَحْتَ بِهِ لَمْ تَرْعَ فَرْطَ ضَنَانَةٍ

وَفِي مِثْلِهَا مِنْ سُنَّةٍ يُتْرَكُ الْفَرْطُ

فَأقْدمَ مُخْتَاراً وَحَكَّمَ عَاذِراً

وَلَمْ يَشْتَمِلْ مَسْكٌ عَلَيهِ وَلاَ ضَبْطُ

وَلَوْ غَيْرُ ذَاتِ اللَّهِ رَامَتْهُ نَضْنَضَتْ

قَناً كَالأَفَاعِي الرَّقْطِ أَوْ دُونَهَا الرَّقْطُ

وَأَسْدُ نِزَالٍ مِنْ ذُؤَابَةِ خَزْرَجٍ

بِهَاليلُ لاّ رُومُ الْقَدِيم وَلاَ قِبْطُ

جِلاّدُهُمُ مَثْنَى إِذَا اشْتَجَرَ الْوَغَى

كَأَنَّ رُعَاةً بِالْعِضَاهِ لَهَا خَبْطُ

كَتَائِبُ أَمْثَالِ الْكِتَابِ تَتَالِياً

فَمِنْ بِيضِهَا شكْلٌ وَمِنْ سُمْرِهَا نَقْطُ

دَلِيلُهُمُ الْقُرْآنُ يَا حَبَّذَا الْهُدَى

وَرَهْطُهُمُ الأَنْصَارُ يَا حَبَّذَا الرَّهْطُ

وَبِيضٌ كَأَمْثَالِ البُرُوقِ غَمَامُهَا

إِذَا وَشَعتْ سُحْبَ الْقَتَام دَمٌ عَبْطٌ

وَلَكِنَّهُ حُكْمٌ يُطَاعُ وَسُنَّةٌ

وَأَعْمَالُ بِرٍّ لاَ يَلِيقُ بَهَا الْحَبْطُ

وَرُبَّتَ نَقُصٍ لِلْكَمَالِ مَآلُهُ

وَلاَ غَرْوَ فَالأَقْلاَمُ يُصْلِحُهَا الْقَطُّ

فَهُنّيتَهُ صُنْعاً وَدُمْتَ مُمَلَّكاً

عَزِيزاً تَشِيدُ الْمَعْلُوَاتِ وَتَخْتَطُّ

وَدُونَ الَّذِي يُهْدِي ثَنَاؤُكَ فِي الْوَرَى

مِنَ الطِّيبِ مَا تُهْدِي الأَلُوَّةُ وَالقُسْطُ

رَضِيتَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ حَاكِماً

ضَلاَلاً فَلِلَّهِ الرِّضَا وَلَهُ السُّخْطُ

حَيَاتُكَ لِلإِسْلاَمِ شَرْطُ حَيَاتِهِ

وَلاَ يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ إِنْ عُدِمَ الشَّرْطُ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان لسان الدين بن الخطيب، شعراء العصر الأندلسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات