اقرا الدموع فإنها عنواني

ديوان القاضي الفاضل

اِقرَا الدَموعَ فَإِنَّها عُنواني

وَأَنا كِتابُ كَتائِبِ الأَشجانِ

مِثلُ الكِتابِ ضَنىً وَمِثلُ يَراعِهِ

بَل خَطِّهِ بَل شَكلِهِ المُتَفاني

لَم يَبقَ مِنّي في العُيونِ بَقِيَّةٌ

وَاللَهُ يُبقي لي الَّذي أَفاناني

لَو لَم أَكُن كَالخَطِّ مِن سُقمٍ لَما

رَجَعَ اللَواحِظَ فِيَّ مَن يَقراني

مُتَبَيِّناً بَيتي كَحَرفِ مُشكِلٍ

أَعيا بِما أَعطى يَدَ البُنيانِ

هَيهاتَ تثنيني النَواظِرُ بَعدَ ما

أَمَرَ الحَبيبُ صُدودَهُ فَمَحاني

في كُلِّ يَومٍ لِلغَرامِ زِيادَةٌ

تُبدي عَلَيَّ زِيادَةَ النُقصانِ

مُذ قُلتَ إِنّي كَالكِتابِ لِيَثْنِني

ما قُلتُ ذاكَ طَوى الهَوى وَطَواني

مَنْ لا أَراهُ مِنْ تَوَقُّدِ نورِهِ

وَمِنَ السَقامِ فَلا يَكادُ يَراني

فَلَوَ اَنّني نِلتُ المُنى بِعِناقِهِ

ما بانَ مِنّا لِلعُيونِ اِثنانِ

ما صَحَّ عَن إِسنادِ سُقمِ قُلوبِنا

إِلّا الَّذي يُروى عَنِ الأَجفانِ

وَحَديثُ سُقمي في هَواهُم سائِرٌ

في أَرضِهِم بِطَريقِهِ عَن عانِ

وَلَقَد بَكَيتُهُمُ بِغَيرِ مَدامِعٍ

وَلَقَد شَكَوتُهُمُ بِغَيرِ لِسانِ

وَالهَمُّ أَلطَفُ ما اِستَدَلَّ فَإِنَّهُ

لَم يَخفَ عَنهُ مَعَ الخَفاءِ مَكاني

وَكَتَمتُ حُبَّهُمُ وَكَتمي حُبَّهُم

لا بَل كَتَمتُ الحُبَّ عَن كِتماني

مَن أَودَعَ الأَسرارَ عِندَ جَنانِهِ

فَأَنا الَّذي كاتَمتُها لِجَناني

فَالسِرُّ مَحمولٌ وَلَيسَ بِحامِلٍ

أَو لا فَمَوجودٌ وَلا بِمَكانِ

قَلبي كَمِثلِ الزِندِ إِن تَترُكْهُ ما

يُبدي الَّذي يَخفى مِنَ النيرانِ

وَالعَينُ مِثلُ العَينِ إِن تُترَكُ فَما

تَسمو زلالَتُها إِلى الظَمآنِ

ما حيلَةُ الإِنسانِ في أَحبابِهِ

غَدَروا بِهِ ما حيلَةُ الإِنسانِ

يَرجو ثِمارَهُمُ وَما فيها رَأى

ثَمَراً يَراهُ في غُصونِ البانِ

أَجرى عَلى الأَعطافِ حَدَّ عِيانِهِ

وَالحَدُّ لا يَجري عَلى السَكرانِ

وَلَقَد أَرى التَثقيفَ أَولى بِالقَنا

يُتَكَلَّفُ التَثقيفُ بِالأَغصانِ

اللَهُ جارُهُم فَفيهِم مِثلُ ما

في أَدمُعي فيهِم مِنَ الأَلوانِ

وَأُريدُ جَمعَ الشَملِ مِنّي في الهَوى

بِهِمُ وَلَكِن ما يُريدُ زَماني

إِنَّ الَّذي مِنهُ الصُدودُ أَماتَني

هُوَ بِالوِصالِ إِذا اِشتَهى أَحياني

وَلَأَبلُغَنَّ مُرادَهُ في مُهجَتي

أَو لا فَإِنّا اليَومَ مُختَلِفانِ

إِنسانُ عَيني بِالحَقيقَةِ دارُهُ

فَأَراهُ مَحمولاً عَلى أَجفاني

وَإِذا أَتَت مِنهُ الإِساءَةُ دائِماً

فَلَأَحمِلَنَّ لَها عَلى إِحساني

وَإِذا تَشاغَلَ بِالقَطيعَةِ في الهَوى

وَعَصَيتُهُ في حُكمِهِ وَعَصاني

فَهُناكَ قُل لِلعاذِلينَ أَنا الَّذي

لَم أَهوَهُ وَهوَ الَّذي يَهواني

اِرمِ الفُؤادَ بِكُلِّ سَهمٍ تُمضِهِ

لي أَضلُعٌ مِثلُ القِسِيِّ حَوانِ

بَيني وَبَينَكَ يا زَمانُ وَقائِعٌ

لا يَلتَقي أَبَداً بِها الجَمعانِ

لا يَلحَني اللاحي فَإِنَّ أَحِبَّتي

أَفعالُها لا قَولُهُ يَلحاني

بَينٌ عَلى قُربٍ كَما المَلوانِ

أَخَوانِ لَم يَجمَعهُما دارانِ

وَبِنَفسِيَ القَمَرُ الَّذي ما عَنهُ لي

عِوَضٌ فَلا يَتَعَرَّضِ القَمَرانِ

غَضبانُ قَد أَغضَبتُ فيهِ لَوائِمي

لَم أَخلُ في الحالَينِ مِن غَضبانِ

وَأَخذتُ عَنهُ لا عَلَيهِ وَمَذهَبي

أَن يُقبَلَ القَولانِ وَالوَجهانِ

وَلَهُ إِذا عَرِفَ الهَوى وَجهانِ

وَلَهُ إِذا وَعَدَ الرِضا قولانِ

إِن كُنتَ تُغضِبُ إِن رَضيتُ بِكَ الهَوى

فَاغضَب عَلى الحُسنِ الَّذي أَرضاني

لَبَّيتُهُ لَمّا دَعاني بادِياً

وَكَأَنَّهُ ما كانَ قَطُّ دَعاني

فَاِنصُر أَخاكَ بِأَن تُوافِقَ رَأيَهُ

فيما يَراهُ فَذانِكَ الرَأيانِ

ما نَصرُ مَن يَدعوكَ يَومَ كَريهَةٍ

بِمُجَرَّدِ التَجريدِ وَالإِثخانِ

وَيَهيجُني الإِلفانِ إِن طارا وَإِن

وقعا على فننٍ من الأفنانِ

إذ يَسجَعانِ فيُخرجانِ منَ الهوى

هَذي فِعالُ سَواجِعُ الكُهّانِ

أَفَلا وَعى نَسَبي إِلَيهِ فَإِنَّهُ

نَسَبٌ بِهِ اِستَوجَبتُ أَن يُرعاني

أَنا بِالَّذي تُجري جُفوني نَهرُهُ

وَبِما أَراني الحُسنَ فَهوَ جِناني

أَولا يَكونُ كَما الرِياضُ وَنَهرُها

أَبَداً بِرَغمِ الجَدبِ مُعتَنِقانِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان القاضي الفاضل، شعراء العصر الأيوبي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات