أيا ويحه ما ذنبه إن تذكرا

أيا ويحه ما ذنبه إن تذكرا - عالم الأدب

أَيا وَيحَهُ ما ذَنبُهُ إِن تَذَكَّرا

سَوالِفَ أَيّامٍ سَبَقنَ وَأَخَّرا

وَسَكرَةَ عَيشٍ فارِغٍ مِن هُمومِهِ

وَمَعروفَ حالٍ لَم نَخَف أَن يُنَكَّرا

وَعَصرَ شَبابٍ كانَ مَيعَةَ حُسنِهِ

وَظِلّاً مِنَ الدُنيا عَلَيهِ مُنَشَّرا

إِذا كُنَّ لا يَردُدنَ ما فاتَ مِن هَوىً

فَلا تَدَعِ المَحزونَ أَن يَتَصَبَّرا

وَقالوا كَبِرتَ فَاِنتَضَيتَ مِنَ الصَبا

فَقُلتُ لَهُم ما عُشتُ إِلّا لِأَكبَرا

إِذا لاحَ شَيبُ الرَأسِ يَوماً وَلَيلَةً

فَما أَجدَرَ الإِنسانَ أَن يَتَغَيَّرا

وَلَبثي وَإِخلافي أُناساً فَقِدتُهُم

وَما كُنتُ أَرجو بَعدَهُم أَن أُعَمَّرا

هُمُ طَرَدوا عَن مُقلَتَي رائِدَ الكَرى

وَشَكّوا سَوادَ القَلبِ حَتّى تَفَطَّرا

وَأَجلوا هُمومي مِن سِواهُم وَأَطبَقوا

جُفوني فَما أَهوى مِنَ العَيشِ مَنظَرا

وَأَصبَحتُ مُعتَلَّ الحَياةِ كَأَنَّني

أَسيرٌ رَأى وَجهَ الأَميرِ فَفَكَّرا

فَإِمّا تَرَيني بِالَّذي قَد نَكَرتِهِ

فَيارَبُّ يَومٍ لَم أَكُن فيهِ مُنكَرا

أَروحُ كَغُصنِ البانِ بَيَّتَهُ النَدى

وَهَزَّ بِأَنفاسٍ ضِعافٍ وَأُمطِرا

فَمالَ عَلى مَيثاءَ ناعِمَةِ الثَرى

تَغَلغَلَ فيها ماؤُها وَتَحَيَّرا

كَأَنَّ الصَبا تُهدي إِلَيها إِذا جَرَت

عَلى تُربِها مِسكاً سَحيقاً وَعَنبَرا

سَقَتهُ الغَوادي وَالسَواري قِطارَها

فَجَنَّ كَما شاءَ النَباتُ وَنَوَّرا

وَحَلَّت عَلَيهِ لَيلَةٌ أَرحَبيَّةٌ

إِذا ما صَفا فيها الغَديرُ تَكَدَّرا

كَأَنَّ الغَواني بُتنَ بَينَ رِياضِهِ

فَغادَرنَ فيهِ نَشرَ وَردٍ وَعَبهَرا

طَويلَةَ ما بَينَ البَياضينِ لَم يَكَد

يُصَدَّقُ فيها فَجرُها حينَ بَشَّرا

إِذا ما أَلَحَّت قَشَّرَ الصَخرَ وَبلُها

وَهَمَّت غُصونُ النَبعِ أَن تَتَكَسَّرا

فَباتَت إِذا ما البَرقُ أَوقَدَ وَسطَها

حَريقاً أَهَلَّ الرَعدُ فيهِ وَكَبَّرا

كَأَنَّ الرَبابَ الجَونَ دونَ سَحابِهِ

خَليعٌ مِنَ الفِتيانِ يَسحَبُ مِئزَرا

إِذا لَحَقَتهُ رَوعَةٌ مِن وَرائِهِ

تَلَفَّتَ وَاِستَلَّ الحُسامَ المُذَكَّرا

فَأَصبَحَ مَستورَ التُرابِ كَأَنَّما

نَشَرتَ عَلَيهِ وَشيَ بُردٍ مُحَبَّرا

بِهِ كُلُّ مَوشيَّ القَوائِمِ ناشِطٌ

وَعَينٌ تُراعي فاتِرَ اللَحظِ أَحوَرا

تُطيفُ بِذَيّالٍ كَأَنَّ صُوارَهُ

غَدائِرُ ذي تاجٍ عَتا وَتَجَبَّرا

يَحُكُّ الغُصونَ المورِقاتِ بِرَوقِهِ

كَخَصفَكَ بِالإِشفى نِعالاً فَخَصَّرا

وَذي عُنُقٍ مِثلَ العَصا شُقَّ رَأسَها

وَشُذَّبَ عَنها جِلدُها فَتَقَشَّرا

وَساقٍ كَشَطرِ الرُمحِ صُمَّ كُعوبُهُ

تَرَدّى عَلى ما فَوقَها وَتَأَزَّرا

فَبادَرتُهُ قَبلَ الصَباحِ بِسابِحٍ

جَوادٍ كَما شاءَ الحَسودُ وَأَكثَرا

إِذا ما بَدا أَبصَرتَ غُرَّةَ وَجهِهِ

كَعُنقودِ كَرمٍ بَينَ غُصنَينِ نَوَّرا

وَسالِفَتي ظَبي مِنَ الوَحشِ سانِحٍ

إِذا ما عَراهُ خَوفُ شَيءٍ تَبَصَّرا

وَرِدفاً كَظَهرِ التُرسِ أُسبِلَ خَلفَهُ

عَسيبٌ كَفَيضِ الطَودِ لَمّا تَحَدَّرا

وَأَرسَلتُهُ مُستَطعِماً لِعِنانِهِ

أَخا ثِقَةٍ ما أَنتَ إِلّا مُبَشِّرا

وَهَمٌّ أَتَتني طارِقاتُ ضُيوفِهِ

فَما كانَ إِلّا اليَعمُلاتِ لَهُ قِرى

بِوَحشيَّةٍ قَفرٍ تَخالُ سَرابَها

مَهاً لامِعاتٍ أَو مُلاءً مُنَشَّرا

فَلَمّا تَبَدّى اللَيلُ يَحدو بِنَجمِهِ

لَبِسنا ظَلاماً لَم يَكَد صُبحُهُ يُرى

وَطافَ الكَرى بِالقَومِ حَتّى كَأَنَّهُم

نَشاوى شَرابٍ دَبَّ فيهِم وَأَسكَرا

فَمِن كُلِّ هَذا قَد قَضَيتُ لُبانَتي

وَوَلّى فَلَم أَملِك أَسىً وَتَذَكُّرا

وَيَوماً مِنَ الجَوزاءِ أَصلَيتُ نارَهُ

وَقَد سَتَّرَ الكَناسُ إِذ بانَ مُشتَرى

وَقَد أَكَلَت شَمسُ النَهارِ ظِلالَهُ

وَصارَت كَحِرباءِ الهَواجِرِ مِعفَرا

وَكَم مِن عَدوٍّ رامَ قَصفَ قَناتِنا

فَلاقى بِنا يَوماً مِنَ الشَرِّ أَحمَرا

إِذا أَنتَ لَم تَركَب أَدانِيَ حادِثٍ

مِنَ الأَمرِ لاقَيتَ الأَقاصِيَ أَوعَرا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن المعتز، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات