أترحل من ليلى ولما تزود

ديوان أعشى قيس

أَتَرحَلُ مِن لَيلى وَلَمّا تَزَوَّدِ

وَكُنتَ كَمَن قَضّى اللُبانَةَ مِن دَدِ

أَرى سَفَهاً بِالمَرءِ تَعليقَ لُبَّهِ

بِغانِيَةٍ خَودٍ مَتى تَدنُ تَبعُدِ

أَتَنسَينَ أَيّاماً لَنا بِدُحَيضَةٍ

وَأَيّامَنا بَينَ البَدِيِّ فَثَهمَدِ

وَبَيداءَ تيهٍ يَلعَبُ الآلُ فَوقَها

إِذا ما جَرى كَالرازِقِيِّ المُعَضَّدِ

قَطَعتُ بِصَهباءِ السَراةِ شِمِلَّةٍ

مَروحِ السُرى وَالغِبِّ مِن كُلِّ مَسأَدِ

بَناها السَوادِيُّ الرَضيخُ مَعَ الخَلى

وَسَقيِي وَإِطعامي الشَعيرَ بِمَحفَدِ

لَدى اِبنِ يَزيدٍ أَو لَدى اِبنِ مُعَرِّفٍ

يَفُتُّ لَها طَوراً وَطَوراً بِمِقلَدِ

فَأَضحَت كَبُنيانِ التَهامِيِّ شادَهُ

بِطينٍ وَجَيّارٍ وَكِلسٍ وَقَرمَدِ

فَلَمّا غَدا يَومَ الرُقادِ وَعِندَهُ

عَتادٌ لِذي هَمٍّ لِمَن كانَ يَغتَدي

شَدَدتُ عَلَيها كورَها فَتَشَدَّدَت

تَجورُ عَلى ظَهرِ الطَريقِ وَتَهتَدي

ثَلاثاً وَشَهراً ثُمَّ صارَت رَذِيَّةً

طَليحَ سِفارٍ كَالسِلاحِ المُفَرَّدِ

إِلَيكَ أَبَيتَ اللَعنَ كانَ كَلالُها

إِلى الماجِدِ الفَرعِ الجَوادِ المُحَمَّدِ

إِلى مَلِكٍ لا يَقطَعُ اللَيلُ هَمَّهُ

خَروجٍ تَروكٍ لِلفِراشِ المُمَهَّدِ

طَويلَ نِجادِ السَيفِ يَبعَثُ هَمُّهُ

نِيامَ القَطا بِاللَيلِ في كُلِّ مَهجَدِ

فَما وَجَدَتكَ الحَربُ إِذ فُرَّ نابُها

عَلى الأَمرِ نَعّاساً عَلى كُلِّ مَرقَدِ

وَلَكِن يَشُبُّ الحَربَ أَدنى صُلاتِها

إِذا حَرَّكوهُ حَشَّها غَيرَ مُبرِدِ

لَعَمرُ الَّذي حَجَّت قُرَيشٌ قَطينَهُ

لَقَد كِدتَهُم كَيدَ اِمرِئٍ غَيرِ مُسنَدِ

أُلى كُلٌّ فَلَستَ بِظالِمٍ

وَطِئتَهُمُ وَطءَ البَعيرِ المُقَيَّدِ

بِمَلمومَةٍ لا يَنفُضُ الطَرفُ عَرضَها

وَخَيلٍ وَأَرماحٍ وَجُندٍ مُؤَيَّدِ

كَأَنَّ نَعامَ الدُوُّباضَ عَلَيهِمُ

إِذا ريعَ شَتّى لِلصَريخِ المُنَدِّدِ

فَما مُخدِرٌ وَردٌ كَأَنَّ جَبينَهُ

يُطَلّى بِوَرسٍ أَو يُطانُ بِمُجسَدِ

كَسَتهُ بَعوضُ القَريَتَينِ قَطيفَةً

مَتى ما تَنَل مِن جِلدِهِ يَتَزَنَّدِ

كَأَنَّ ثِيابَ القَومِ حَولَ عَرينِهِ

تَبابينُ أَنباطٍ لَدى جَنبِ مُحصَدِ

رَأى ضَوءَ نارٍ بَعدَما طافَ طَوفَةً

يُضيءُ سَناها بَينَ أَثلٍ وَغَرقَدِ

فَيا فَرَحا بِالنارِ إِذ يَهتَدي بِها

إِلَيهِم وَإِضرامِ السَعيرِ المُوَقَّدِ

فَلَمّا رَأَوهُ دونَ دُنيا رِكابِهِم

وَطاروا سِراعاً بِالسِلاحِ المُعَتَّدِ

أَتيحَ لَهُم حُبُّ الحَياةِ فَأَدبَروا

وَمَرجاةُ نَفسِ المَرءِ ما في غَدٍ غَدِ

فَلَم يَسبِقوهُ أَن يُلاقي رَهينَةً

قَليلَ المَساكِ عِندَهُ غَيرَ مُفتَدي

فَأَسمَعَ أولى الدَعوَتَينِ صِحابَهُ

وَكانَ الَّتي لا يَسمَعونَ لَها قَدِ

بِأَصدَقَ بَأساً مِنكَ يَوماً وَنَجدَةً

إِذا خامَتِ الأَبطالُ في كُلِّ مَشهَدِ

وَما فَلَجٌ يَسقي جَداوِلَ صَعنَبى

لَهُ شَرَعٌ سَهلٌ عَلى كُلِّ مَورِدِ

وَيُروي النَبيطُ الزُرقُ مِن حَجَراتِهِ

دِياراً تُرَوّى بِالأَتِيِّ المُعَمَّدِ

بِأَجوَدَ مِنهُ نائِلاً إِنَّ بَعضَهُم

كَفى ما لَهُ بِاِسمِ العَطاءِ المُوَعَّدِ

تَرى الأُدمَ كَالجَبّارِ وَالجُردَ كَالقَنا

مُوَهَّبَةً مِن طارِفٍ وَمُتَلَّدِ

فَلا تَحسَبَنّي كافِراً لَكَ نِعمَةً

عَلَيَّ شَهيدٌ شاهِدُ اللَهِ فَاِشهَدِ

وَلَكِنَّ مَن لا يُبصِرُ الأَرضَ طَرفُهُ

مَتى ما يُشِعهُ الصَحبُ لا يَتَوَحَّدِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الأعشى، شعراء العصر الجاهلي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات