رفيقُ الطَّريقِ

خرجَ أبو عزَّتْ كدأبِه في رحلةِ صيدٍ، حاملاً بندقيّةَ الصّيدِ، وامتدَّتْ به المسافاتُ، وقادتْهُ بعيداً عن القريةِ حتّى حطَّ به المطافُ في جبالِ الكفرونِ، وقضَى نهارَه مستمتِعاً في رحلتِه إلى وقتِ الأصيلِ.

وفي العودةِ سلكَ الطّريقَ العامّةَ غيرَ مبالٍ بدوريّاتِ الشّرطةِ؛ لأنّه يعرفُ كيف يتغلّبُ على المصاعبِ، وهو رجلٌ أُمّيٌّ، لكنّه يمتلكُ فطرةَ الذّكاءِ والحِيلةِ.

وفي الطّريقِ التقى برجلٍ مسيحيٍّ، فسلّمَ عليه: كيفَ حالُك؟ كيف العِيالُ والأهلُ؛ وكأنّه يعرفُه منذُ أعوامٍ.

o فرحَ الرّجلُ بطيبةِ أبي عزّت، وسألَه: من أينَ العمُّ؟

o أبو عزّت: من قرى التُّفّاحِ المختبئةِ في حضنِ الوادي!

o سرَّ الرّجلُ في قرارةِ نفسِه، وفكَّر في البارودةِ، وقال في ذاتِه: أضحكُ عليه وآخُذُ بندقيَّتَه بالمَكرِ والحيلةِ.

o أهلاً عمّي .. أبو مَن بالسّلامةِ؟

o محسوبُك أبو عزَّت!

o أنعمْ وأكرِمْ.. أنتم جماعةٌ طيّبون وكلُّ النّاسِ يتحدّثونَ عن كرمِكم وأخلاقِكم!

o هذا من لطفِكم يا..

o أبو جُورج.. من الكفرون!

o يا حيَا الله عمّي واللهِ أنتَ ابنُ حلالٍ!

ومشَى الرّفيقانِ وكلٌّ يتحدَّثُ عن مثاليّاتِه تارةً يبالغُ ، وتارةً أخرى يؤلّفُ قصصاً من بناتِ خيالِه.. لكنَّ البارودةَ لم تغِبْ عن نُصبِ عينيّ أبي جُورج!

o ما رأيُكَ أن تبيعَني هذه البارودةَ يا أبا عزّت!

o البَارودةُ غاليةٌ عليَّ، وليستْ للبيعِ.. وفكّر قليلاً ( لماذا لا أحمِّلُه البارودةَ والمسافةُ ما زالت بعيدةً إلى القريةِ .. ثمّ لماذا لا أخلِّصُ نفسي من مسؤوليَّتها إذا ما أمسكتْنا دوريّةُ الشّرطة!).

o لأنّني أحببْتُك فإنّي قد وهبتُك بارودتِي هديّةً!

o أبو جُورج (مستغرباً): مشكورٌ يا عمّ.. ولكنْ قبل قليلٍ قلتْ إنّها غاليةٌ عليكَ وليست للبيعِ!

o أخطأتَ يا عمّي أبا جُورج! صحيحٌ أنّها غاليةٌ عليَّ ولكنّها رخيصةٌ عليكَ.

o لم يُصدّقْ أبو جُورج نخوةَ أبي عزّت، وفكّر في طريقةٍ ذكيّةٍ يستطيعُ من خلالِها سلبَ البندقيّةِ بالمكرِ والخديعةِ.

o أبا عزّت.. قرّرْتُ أن أُسْلِمَ .. فكيف أُصبحُ مسلِماً؟

o المسألةُ في غايةِ البساطةِ.. انطقِ الشّهادتينِ.. تصبحْ مسلماً!

o بهذهِ البساطةِ .. معقولٌ!

o قل: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ، وأشهدُ أنّ محمّداً رسولُ الله.. فتكوُن مسلِماً إن شاءَ اللهُ مع صفاءِ النّيّة!

o نطقَ أبو جورج الشّهادتينِ!

o أبو عزّتْ: الآنَ تستحِقُّ البارودةَ بكلِّ جدارةٍ.. ثمّ علّقَها على كتِفه.

o فرحَ أبو جورج؛ لأنّه نجحَ في الضَّحِكِ والاحتيالِ على أبي عزّت!

ومشيَا معاً.. وتوطّدتِ العلاقةُ بينَهما، ووثِقَ أبو جورج بأبي عزّت، لكنّ أبا عزّت كان له طرقٌ أُخرى في الذّكاءِ والحِيلةِ.

فقد تخلّصَ من ثقلِ حمْلِ البندقيّةِ، وأراحَ نفسَه من همّ التّفكيرِ بدوريّاتِ الشّرطةِ أو الجماركِ على الطّريقِ، ووجدَ مَن يُسلِّيه على الدّربِ!

وبعد ساعاتٍ وصلُوا إلى القريةِ ( بيت ناطِر ).. وقد حلّتْ علاماتُ الفرحِ على قسمَاتِ وجهَيهِما.. أبو جورج لأنّه سيُودّعُ صاحبَه بعدَ سلبِ بندقيّتِه بالمكرِ، وأبو عزّت فرحَ بسلامةِ الوصولِ والتّخلّصِ من ثقلِ حملِ البارودةِ.

o أبو جورج: فرصةٌ سعيدةٌ يا عمّ أبا عزّت.. نراكُم بخيرٍ، ومدَّ يدَه للتّوديعِ.

o أبو عزّت: هذا الكلامُ لا يجوزُ.. أنتَ في حارتِنا.. تفضّلْ لنسهرَ معاً ونتعشّى وندعُو أهلَ القريةِ كلَّهم للتّرحيبِ بك!

o أنا .. قبلْتُ الدَّعوةَ.. كلُّك خيرٌ وبركةٌ يا عمّ.. ولكنْ لماذا ستدعُو أهلَ القريةِ جميعَهم؟

o لكي يَشهدُوا على إسلامِكم.. وسنُحضِر شيخَ المسجدِ؛ لتنطقَ الشَّهادتينِ أمامَه.

o وفي الأيّامِ القادمةِ نلفُّ بك القُرى المجاورةَ، وقد نصلُ إلى الكفرون، وأنتَ تُعلنُ إسلامَك أمامَهم.. وبعد ذلك نُطهِّركَ حسبَ تعاليمِ دينِنا.. فلا يُقبلُ إسلامٌ دونَ خِتانٍ!

o أبو جورج: خذْ بندقيَّتَك يا عمّي.. واللهِ كنتُ أمزحُ معكَ.

o أبو عزّت: ولكنّي كنتُ جادّاً.. والآنَ لا يُمكنُ أن ندعَك تُغادرُ القريةَ والظّلامُ دامسٌ، والطّريقُ شاقّةٌ، فمبيتُك اليومَ عندَنا، والعشاءُ سيُجهَّزُ بعدَ قليلٍ.. وأنتَ اليومَ ضيفُنا، فعلى الرَّحبِ والسّعةِ.. أنتمْ إخوانُنا، والأديانُ لا تُفرّق بين البشرِ.. بل تحثُّ الخلْقَ على طاعةِ اللهِ ومحبّةِ النّاسِ ومعاملتِهم بإنسانيّةٍ!

الشارقة في 3/11/2012

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات