Skip to main content
search

الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ

هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني

فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ

بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ

وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتى أَقرانَهُ

بِالرَأيِ قَبلَ تَطاعُنِ الأَقرانِ

لَولا العُقولُ لَكانَ أَدنى ضَيغَمٍ

أَدنى إِلى شَرَفٍ مِنَ الإِنسانِ

وَلَما تَفاضَلَتِ النُفوسُ وَدَبَّرَت

أَيدي الكُماةِ عَوالِيَ المُرّانِ

لَولا سَمِيُّ سُيوفِهِ وَمَضاؤُهُ

لَمّا سُلِلنَ لَكُنَّ كَالأَجفانِ

خاضَ الحِمامَ بِهِنَّ حَتّى ما دُرى

أَمِنِ اِحتِقارٍ ذاكَ أَم نِسيانِ

وَسَعى فَقَصَّرَ عَن مَداهُ في العُلى

أَهلُ الزَمانِ وَأَهلُ كُلِّ زَمانِ

تَخِذوا المَجالِسَ في البُيوتِ وَعِندَهُ

أَنَّ السُروجَ مَجالِسُ الفِتيانِ

وَتَوَهَّموا اللَعِبَ الوَغى وَالطَعنُ في ال

هَيجاءِ غَيرُ الطَعنِ في المَيدانِ

قادَ الجِيادَ إِلى الطِعانِ وَلَم يَقُد

إِلّا إِلى العاداتِ وَالأَوطانِ

كُلُّ اِبنِ سابِقَةٍ يُغيرُ بِحُسنِهِ

في قَلبِ صاحِبِهِ عَلى الأَحزانِ

إِن خُلِّيَت رُبِطَت بِآدابِ الوَغى

فَدُعاؤُها يُغني عَنِ الأَرسانِ

في جَحفَلٍ سَتَرَ العُيونَ غُبارُهُ

فَكَأَنَّما يُبصِرنَ بِالآذانِ

يَرمي بِها البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ

كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَريبٌ دانِ

فَكَأَنَّ أَرجُلَها بِتُربَةِ مَنبِجٍ

يَطرَحنَ أَيدِيَها بِحِصنِ الرانِ

حَتّى عَبَرنَ بِأَرسَناسَ سَوابِحاً

يَنشُرنَ فيهِ عَمائِمَ الفُرسانِ

يَقمُصنَ في مِثلِ المُدى مِن بارِدٍ

يَذَرُ الفُحولَ وَهُنَّ كَالخِصيانِ

وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ

تَتَفَرَّقانِ بِهِ وَتَلتَقِيانِ

رَكَضَ الأَميرُ وَكَاللُجَينِ حَبابُهُ

وَثَنى الأَعِنَّةَ وَهوَ كَالعِقيانِ

فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فَوقَهُ

وَبَنى السَفينَ لَهُ مِنَ الصُلبانِ

وَحَشاهُ عادِيَةً بِغَيرِ قَوائِمٍ

عُقمَ البُطونِ حَوالِكَ الأَلوانِ

تَأتي بِما سَبَتِ الخُيولُ كَأَنَّها

تَحتَ الحِسانِ مَرابِضُ الغِزلانِ

بَحرٌ تَعَوَّدَ أَن يُذِمَّ لِأَهلِهِ

مِن دَهرِهِ وَطَوارِقِ الحَدَثانِ

فَتَرَكتَهُ وَإِذا أَذَمَّ مِنَ الوَرى

راعاكَ وَاِستَثنى بَني حَمدانِ

المُخفِرينَ بِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ

ذِمَمَ الدُروعِ عَلى ذَوي التيجانِ

مُتَصَعلِكينَ عَلى كَثافَةِ مُلكِهِم

مُتَواضِعينَ عَلى عَظيمِ الشانِ

يَتَقَيَّلونَ ظِلالَ كُلِّ مُطَهَّمٍ

أَجَلِ الظَليمِ وَرِبقَةِ السَرحانِ

خَضَعَت لِمُنصُلِكَ المَناصِلُ عَنوَةً

وَأَذَلَّ دينُكَ سائِرَ الأَديانِ

وَعَلى الدُروبِ وَفي الرُجوعِ غَضاضَةٌ

وَالسَيرُ مُمتَنِعٌ مِنَ الإِمكانِ

وَالطُرقُ ضَيِّقَةُ المَسالِكِ بِالقَنا

وَالكُفرُ مُجتَمِعٌ عَلى الإيمانِ

نَظَروا إِلى زُبَرِ الحَديدِ كَأَنَّما

يَصعَدنَ بَينَ مَناكِبِ العِقبانِ

وَفَوارِسٍ يُحَيِ الحِمامُ نُفوسَها

فَكَأَنَّها لَيسَت مِنَ الحَيَوانِ

ما زِلتَ تَضرِبُهُم دِراكاً في الذُرى

ضَرباً كَأَنَّ السَيفَ فيهِ اِثنانِ

خَصَّ الجَماجِمَ وَالوُجوهَ كَأَنَّما

جاءَت إِلَيكَ جُسومُهُم بِأَمانِ

فَرَمَوا بِما يَرمونَ عَنهُ وَأَدبَروا

يَطَؤونَ كُلَّ حَنِيَّةٍ مِرنانِ

يَغشاهُمُ مَطَرُ السَحابِ مُفَصَّلاً

بِمُثَقَّفٍ وَمُهَنَّدٍ وَسِنانِ

حُرِموا الَّذي أَمِلوا وَأَدرَكَ مِنهُمُ

آمالَهُ مَن عادَ بِالحِرمانِ

وَإِذا الرِماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ

شَغَلَتهُ مُهجَتُهُ عَنِ الإِخوانِ

هَيهاتَ عاقَ عَنِ العِوادِ قَواضِبٌ

كَثُرَ القَتيلُ بِها وَقَلَّ العاني

وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ المَنايا فيهِمِ

فَأَطَعنَهُ في طاعَةِ الرَحمَنِ

قَد سَوَّدَت شَجَرَ الجِبالِ شُعورُهُم

فَكَأَنَّ فيهِ مُسِفَّةَ الغِربانِ

وَجَرى عَلى الوَرَقِ النَجيعُ القاني

فَكَأَنَّهُ النارَنجُ في الأَغصانِ

إِنَّ السُيوفَ مَعَ الَّذينَ قُلوبُهُم

كَقُلوبِهِنَّ إِذا اِلتَقى الجَمعانِ

تَلقى الحُسامَ عَلى جَراءَةِ حَدِّهِ

مِثلَ الجَبانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبانِ

رَفَعَت بِكَ العَرَبُ العِمادَ وَصَيَّرَت

قِمَمَ المُلوكِ مَواقِدَ النيرانِ

أَنسابُ فَخرِهِمِ إِلَيكَ وَإِنَّما

أَنسابُ أَصلِهِمِ إِلى عَدنانِ

يا مَن يُقَتِّلُ مَن أَرادَ بِسَيفِهِ

أَصبَحتُ مِن قَتلاكَ بِالإِحسانِ

فَإِذا رَأَيتُكَ حارَ دونَكَ ناظِري

وَإِذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني

أبو الطيب المتنبي

أبو الطيّب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لأنه منهم. عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان من أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكراً.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024