Skip to main content
search

أَعيدوا صَباحي فَهوَ عِندَ الكَواعِبِ

وَرُدّوا رُقادي فَهوَ لَحظُ الحَبائِبِ

فَإِنَّ نَهاري لَيلَةٌ مُدلَهِمَّةٌ

عَلى مُقلَةٍ مِن بَعدِكُم في غَياهِبِ

بَعيدَةِ ما بَينَ الجُفونِ كَأَنَّما

عَقَدتُم أَعالي كُلِّ هُدبٍ بِحاجِبِ

وَأَحسَبُ أَنّي لَو هَويتُ فِراقَكُم

لَفارَقتُهُ وَالدَهرُ أَخبَثُ صاحِبِ

فَيا لَيتَ ما بَيني وَبَينَ أَحِبَّتي

مِنَ البُعدِ ما بَيني وَبَينَ المَصائِبِ

أَراكَ ظَنَنتِ السِلكَ جِسمي فَعُقتِهِ

عَلَيكِ بِدُرٍّ عَن لِقاءِ التَرائِبِ

وَلَو قَلَمٌ أُلقيتُ في شَقِّ رَأسِهِ

مِنَ السُقمِ ما غَيَّرتُ مِن خَطِّ كاتِبِ

تُخَوِّفُني دونَ الَّذي أَمَرَت بِهِ

وَلَم تَدرِ أَنَّ العارَ شَرُّ العَواقِبِ

وَلا بُدَّ مِن يَومٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ

يَطولُ اِستِماعي بَعدَهُ لِلنَوادِبِ

يَهونُ عَلى مِثلي إِذا رامَ حاجَةً

وُقوعُ العَوالي دونَها وَالقَواضِبِ

كَثيرُ حَياةِ المَرءِ مِثلُ قَليلِها

يَزولُ وَباقي عَيشِهِ مِثلُ ذاهِبِ

إِلَيكِ فَإِنّي لَستُ مِمَّن إِذا اِتَّقى

عِضاضَ الأَفاعي نامَ فَوقَ العَقارِبِ

أَتاني وَعيدُ الأَدعِياءِ وَأَنَّهُم

أَعَدّوا لِيَ السودانَ في كَفرِ عاقِبِ

وَلَو صَدَقوا في جَدِّهِم لَحَذِرتُهُم

فَهَل فيَّ وَحدي قَولُهُم غَيرُ كاذِبِ

إِلَيَّ لَعَمري قَصدُ كُلِّ عَجيبَةٍ

كَأَنّي عَجيبٌ في عُيونِ العَجائِبِ

بِأَيِّ بِلادٍ لَم أَجُرَّ ذُؤابَتي

وَأَيُّ مَكانٍ لَم تَطَأهُ رَكائِبي

كَأَنَّ رَحيلي كانَ مِن كَفِّ طاهِرٍ

فَأَثبَتَ كوري في ظُهورِ المَواهِبِ

فَلَم يَبقَ خَلقٌ لَم يَرِدنَ فِنائَهُ

وَهُنَّ لَهُ شِربٌ وُرودَ المَشارِبِ

فَتىً عَلَّمَتهُ نَفسُهُ وَجُدودُهُ

قِراعَ الأَعادي وَاِبتِذالَ الرَغائِبِ

فَقَد غَيَّبَ الشُهّادَ عَن كُلِّ مَوطِنٍ

وَرَدَّ إِلى أَوطانِهِ كُلَّ غائِبِ

كَذا الفاطِمِيّونَ النَدى في بَنانِهِم

أَعَزُّ اِمِّحاءً مِن خُطوطِ الرَواجِبِ

أُناسٌ إِذا لاقَوا عِدىً فَكَأَنَّما

سِلاحُ الَّذي لاقَوا غُبارُ السَلاهِبِ

رَمَوا بِنَواصيها القِسِيَّ فَجِئنَها

دَوامي الهَوادي سالِماتِ الجَوانِبِ

أولَئِكَ أَحلى مِن حَياةٍ مُعادَةٍ

وَأَكثَرُ ذِكراً مِن دُهورِ الشَبائِبِ

نَصَرتَ عَلِيّاً يا اِبنَهُ بِبَواتِرٍ

مِنَ الفِعلِ لا فَلٌّ لَها في المَضارِبِ

وَأَبهَرُ آياتِ التِهامِيِّ أَنَّهُ

أَبوكَ وَأَجدى مالَكُم مِن مَناقِبِ

إِذا لَم تَكُن نَفسُ النَسيبِ كَأَصلِهِ

فَماذا الَّذي تُغني كِرامُ المَناصِبِ

وَما قَرُبَت أَشباهُ قَومٍ أَباعِدٍ

وَلا بَعُدَت أَشباهُ قَومٍ أَقارِبِ

إِذا عَلَوِيٌّ لَم يَكُن مِثلَ طاهِرٍ

فَما هُوَ إِلّا حُجَّةٌ لِلنَواصِبِ

يَقولونَ تَأثيرُ الكَواكِبِ في الوَرى

فَما بالُهُ تَأثيرُهُ في الكَواكِبِ

عَلا كَتَدَ الدُنيا إِلى كُلِّ غايَةٍ

تَسيرُ بِهِ سَيرَ الذَلولِ بِراكِبِ

وَحُقَّ لَهُ أَن يَسبِقَ الناسَ جالِساً

وَيُدرِكَ مالَم يُدرِكوا غَيرَ طالِبِ

وَيُحذى عَرانينَ المُلوكِ وَإِنَّها

لِمَن قَدَمَيهِ في أَجَلِّ المَراتِبِ

يَدٌ لِلزَمانِ الجَمعُ بَيني وَبَينَهُ

لِتَفريقِهِ بَيني وَبَينَ النَوائِبِ

هُوَ اِبنُ رَسولِ اللَهِ وَاِبنُ وَصِيِّهِ

وَشِبهُهُما شَبَّهتُ بَعدَ التَجارِبِ

يَرى أَنَّ ما ما بانَ مِنكَ لِضارِبٍ

بِأَقتَلَ مِمّا بانَ مِنكَ لِعائِبِ

أَلا أَيُّها المالُ الَّذي قَد أَبادَهُ

تَعَزَّ فَهَذا فِعلُهُ في الكَتائِبِ

لَعَلَّكَ في وَقتٍ شَغَلتَ فُؤادَهُ

عَنِ الجودِ أَو كَثَّرتَ جَيشَ مُحارِبِ

حَمَلتُ إِلَيهِ مِن لِساني حَديقَةً

سَقاها الحِجى سَقيَ الرِياضَ السَحائِبِ

فَحُيِّيتَ خَيرَ اِبنٍ لِخَيرِ أَبٍ بِها

لِأَشرَفِ بَيتٍ في لُؤَيِّ بنِ غالِبِ

أبو الطيب المتنبي

أبو الطيّب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لأنه منهم. عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان من أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكراً.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024