Skip to main content
search

كَدَعواكِ كُلٌّ يَدَّعي صِحَّةَ العَقلِ

وَمَن ذا الَّذي يَدري بِما فيهِ مِن جَهلِ

لِهَنَّكِ أَولى لائِمٍ بِمَلامَةٍ

وَأَحوَجُ مِمَّن تَعذُلينَ إِلى العَذلِ

تَقولينَ ما في الناسِ مِثلَكَ عاشِقٌ

جِدي مِثلَ مَن أَحبَبتُهُ تَجِدي مِثلي

مُحِبٌّ كَنى بِالبيضِ عَن مُرهَفاتِهِ

وَبِالحُسنِ في أَجسامِهِنَّ عَنِ الصَقلِ

وَبِالسُمرِ عَن سُمرِ القَنا غَيرَ أَنَّني

جَناها أَحِبّائي وَأَطرافُها رُسلي

عَدِمتُ فُؤاداً لَم تَبِت فيهِ فَضلَةٌ

لِغَيرِ الثَنايا الغُرِّ وَالحَدَقِ النُجلِ

فَما حَرَمَت حَسناءُ بِالهَجرِ غِبطَةً

وَلا بَلَّغَتها مَن شَكى الهَجرَ بِالوَصلِ

ذَريني أَنَل ما لا يُنالُ مِنَ العُلى

فَصَعبُ العُلى في الصَعبِ وَالسَهلُ في السَهلِ

تُريدينَ لُقيانَ المَعالي رَخيصَةً

وَلا بُدَّ دونَ الشَهدِ مِن إِبَرِ النَحلِ

حَذِرتِ عَلَينا المَوتَ وَالخَيلُ تَلتَقي

وَلَم تَعلَمي عَن أَيِّ عاقِبَةٍ تُجلَي

فَلَستُ غَبيناً لَو شَرَيتُ مَنِيَّتي

بِإِكرامِ دِلَّيرَ اِبنِ لَشكَرَوَزٍّ لي

تُمِرُّ الأَنابيبُ الخَواطِرُ بَينَنا

وَنَذكُرُ إِقبالَ الأَميرِ فَتَحلو لي

وَلَو كُنتُ أَدري أَنَّها سَبَبٌ لَهُ

لَزادَ سُروري بِالزِيادَةِ في القَتلِ

فَلا عَدِمَت أَرضُ العِراقَينِ فِتنَةً

دَعَتكَ إِلَيها كاشِفَ الخَوفِ وَالمَحلِ

ظَلِلنا إِذا أَنبى الحَديدُ نُصولَنا

نُجَرِّدُ ذِكراً مِنكَ أَمضى مِنَ النَصلِ

وَنَرمي نَواصيها مِنِ اِسمِكَ في الوَغى

بِأَنفَذَ مِن نُشّابِنا وَمِنَ النَبلِ

فَإِن تَكُ مِن بَعدِ القِتالِ أَتَيتَنا

فَقَد هَزَمَ الأَعداءَ ذِكرُكَ مِن قَبلِ

وَما زِلتُ أَطوي القَلبَ قَبلَ اِجتِماعِنا

عَلى حاجَةٍ بَينَ السَنابِكِ وَالسُبلِ

وَلَو لَم تَسِر سِرنا إِلَيكَ بِأَنفُسٍ

غَرائِبَ يُؤثِرنَ الجِيادَ عَلى الأَهلِ

وَخَيلٍ إِذا مَرَّت بِوَحشٍ وَرَوضَةٍ

أَبَت رَعيَها إِلّا وَمِرجَلُنا يَغلي

وَلَكِن رَأَيتُ القَصدَ في الفَضلِ شِركَةً

فَكانَ لَكَ الفَضلانِ بِالقَصدِ وَالفَضلِ

وَلَيسَ الَّذي يَتَّبَّعُ الوَبلَ رائِداً

كَمَن جائَهُ في دَهرِهِ رائِدُ الوَبلِ

وَما أَنا مِمَّن يَدَّعي الشَوقَ قَلبُهُ

وَيَحتَجُّ في تَركِ الزِيارَةِ بِالشُغلِ

أَرادَت كِلابٌ أَن تَفوزَ بِدَولَةٍ

لِمَن تَرَكَت رَعيَ الشُوَيهاتِ وَالإِبلِ

أَبى رَبُّها أَن يَترُكَ الوَحشَ وَحدَها

وَأَن يُؤمِنَ الضَبَّ الخَبيثَ مِنَ الأَكلِ

وَقادَ لَها دِلَّيرُ كُلَّ طِمِرَّةٍ

تُنيفُ بِخَدَّيها سَحوقٌ مِنَ النَخلِ

وَكُلَّ جَوادٍ تَلطِمُ الأَرضَ كَفُّهُ

بِأَغنى عَنِ النَعلِ الحَديدِ مِنَ النَعلِ

فَوَلَّت تُريغُ الغَيثَ وَالغَيثَ خَلَّفَت

وَتَطلُبُ ما قَد كانَ في اليَدِ بِالرِجلِ

تُحاذِرُ هَزلَ المالِ وَهيَ ذَليلَةٌ

وَأَشهَدُ أَنَّ الذُلَّ شَرٌّ مِنَ الهَزلِ

وَأَهدَت إِلَينا غَيرَ قاصِدَةٍ بِهِ

كَريمَ السَجايا يَسبِقُ القَولَ بِالفِعلِ

تَتَبَّعَ آثارَ الرَزايا بِجودِهِ

تَتَبُّعَ آثارِ الأَسِنَّةِ بِالفُتلِ

شَفى كُلَّ شاكٍ سَيفُهُ وَنَوالُهُ

مِنَ الداءِ حَتّى الثاكِلاتِ مِنَ الثُكلِ

عَفيفٌ تَروقُ الشَمسَ صورَةُ وَجهِهِ

وَلَو نَزَلَت شَوقاً لَحادَ إِلى الظِلِّ

شُجاعٌ كَأَنَّ الحَربَ عاشِقَةٌ لَهُ

إِذا زارَها فَدَّتهُ بِالخَيلِ وَالرَجلِ

وَرَيّانُ لا تَصدى إِلى الخَمرِ نَفسُهُ

وَعَطشانُ لا تَروى يَداهُ مِنَ البَذلِ

فَتَمليكُ دِلَّيرٍ وَتَعظيمُ قَدرِهِ

شَهيدٌ بِوَحدانِيَّةِ اللَهِ وَالعَدلِ

وَما دامَ دِلَّيرٌ يَهُزُّ حُسامَهُ

فَلا نابَ في الدُنيا لِلَيثٍ وَلا شِبلِ

وَما دامَ دِلَّيرٌ يُقَلِّبُ كَفَّهُ

فَلا خَلقَ مِن دَعوى المَكارِمِ في حِلِّ

فَتىً لا يُرَجّي أَن تَتِمَّ طَهارَةٌ

لِمَن لَم يُطَهِّر راحَتَيهِ مِنَ البُخلِ

فَلا قَطَعَ الرَحمَنُ أَصلاً أَتى بِهِ

فَإِنّي رَأَيتُ الطَيِّبَ الطَيِّبَ الأَصلِ

أبو الطيب المتنبي

أبو الطيّب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لأنه منهم. عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان من أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكراً.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024