Skip to main content
search

لِهَوى النُفوسِ سَريرَةٌ لا تُعلَمُ

عَرَضاً نَظَرتُ وَخِلتُ أَنّي أَسلَمُ

يا أُختَ مُعتَنِقِ الفَوارِسِ في الوَغى

لَأَخوكِ ثَمَّ أَرَقُّ مِنكِ وَأَرحَمُ

يَرنو إِلَيكِ مَعَ العَفافِ وَعِندَهُ

أَنَّ المَجوسَ تُصيبُ فيما تَحكُمُ

راعَتكِ رائِعَةُ البَياضِ بِعارِضي

وَلَوَ أَنَّها الأولى لَراعَ الأَسحَمُ

لَو كانَ يُمكِنُني سَفَرتُ عَنِ الصِبا

فَالشَيبُ مِن قَبلِ الأَوانِ تَلَثُّمُ

وَلَقَد رَأَيتُ الحادِثاتِ فَلا أَرى

يَقَقاً يُميتُ وَلا سَواداً يَعصِمُ

وَالهَمُّ يَختَرِمُ الجَسيمَ نَحافَةً

وَيُشيبُ ناصِيَةَ الصَبِيِّ وَيُهرِمُ

ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ

وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ

وَالناسُ قَد نَبَذوا الحِفاظَ فَمُطلَقٌ

يَنسى الَّذي يولى وَعافٍ يَندَمُ

لا يَخدَعَنَّكَ مِن عَدُوٍّ دَمعُهُ

وَاِرحَم شَبابَكَ مِن عَدُوٍّ تَرحَمُ

لا يَسلَمُ الشَرَفُ الرَفيعُ مِنَ الأَذى

حَتّى يُراقَ عَلى جَوانِبِهِ الدَمُ

يُؤذي القَليلُ مِنَ اللِئامِ بِطَبعِهِ

مَن لا يَقِلُّ كَما يَقِلُّ وَيَلؤُمُ

الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد

ذا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظلِمُ

يَحمي اِبنَ كَيغَلَغَ الطَريقَ وَعِرسُهُ

ما بَينَ رِجلَيها الطَريقُ الأَعظَمُ

أَقِمِ المَسالِحَ فَوقَ شُفرِ سُكَينَةٍ

إِنَّ المَنِيَّ بِحَلقَتَيها خِضرِمُ

وَاِرفُق بِنَفسِكَ إِنَّ خَلقَكَ ناقِصٌ

وَاِستُر أَباكَ فَإِنَّ أَصلَكَ مُظلِمُ

وَغِناكَ مَسأَلَةٌ وَطَيشُكَ نَفخَةٌ

وَرِضاكَ فَيشَلَةٌ وَرَبُّكَ دِرهَمُ

وَاِحذَر مُناواةَ الرِجالِ فَإِنَّما

تَقوى عَلى كَمَرِ العَبيدِ وَتُقدِمُ

وَمِنَ البَليَّةِ عَذلُ مَن لا يَرعَوي

عَن غَيِّهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ

يَمشي بِأَربَعَةٍ عَلى أَعقابِهِ

تَحتَ العُلوجِ وَمِن وَراءٍ يُلجَمُ

وَجُفونُهُ ما تَستَقِرُّ كَأَنَّها

مَطروفَةٌ أَو فُتَّ فيها حِصرِمُ

وَإِذا أَشارَ مُحَدِّثاً فَكَأَنَّهُ

قِردٌ يُقَهقِهُ أَو عَجوزٌ تَلطِمُ

يَقلي مُفارَقَةَ الأَكُفِّ قَذالُهُ

حَتّى يَكادَ عَلى يَدٍ يَتَعَمَّمُ

وَتَراهُ أَصغَرَ ما تَراهُ ناطِقاً

وَيَكونُ أَكذَبَ ما يَكونُ وَيُقسِمُ

وَالذُلُّ يُظهِرُ في الذَليلِ مَوَدَّةً

وَأَوَدُّ مِنهُ لِمَن يَوَدُّ الأَرقَمُ

وَمِنَ العَداوَةِ ما يَنالُكَ نَفعُهُ

وَمِنَ الصَداقَةِ ما يَضُرُّ وَيُؤلِمُ

أَرسَلتَ تَسأَلُني المَديحَ سَفاهَةً

صَفراءُ أَضيَقُ مِنكَ ماذا أَزعُمُ

أَتُرى القِيادَةَ في سِواكَ تَكَسُّباً

يا اِبنَ الأُعَيِّرِ وَهيَ فيكَ تَكَرُّمُ

فَلَشَدَّ ما جاوَزتَ قَدرَكَ صاعِداً

وَلَشَدَّ ما قَرُبَت عَلَيكَ الأَنجُمُ

وَأَرَغتَ ما لِأَبي العَشائِرِ خالِصاً

إِنَّ الثَناءَ لِمَن يُزارَ فَيُنعِمُ

وَلِمَن أَقَمتَ عَلى الهَوانِ بِبابِهِ

تَدنو فَيُوجأُ أَخدَعاكَ وَتُنهَمُ

وَلِمَن يُهينُ المالَ وَهوَ مُكَرَّمٌ

وَلِمَن يَجُرُّ الجَيشَ وَهوَ عَرَمرَمُ

وَلِمَن إِذا اِلتَقَتِ الكُماةُ بِمازِقٍ

فَنَصيبُهُ مِنها الكَمِيُّ المُعلَمُ

وَلَرُبَّما أَطَرَ القَناةَ بِفارِسٍ

وَثَنى فَقَوَّمَها بِآخَرَ مِنهُمُ

وَالوَجهُ أَزهَرُ وَالفُؤادُ مُشَيَّعٌ

وَالرُمحُ أَسمَرُ وَالحُسامُ مَصَمِّمُ

أَفعالُ مَن تَلِدُ الكِرامُ كَريمَةٌ

وَفَعالُ مَن تَلِدُ الأَعاجِمُ أَعجَمُ

أبو الطيب المتنبي

أبو الطيّب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لأنه منهم. عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان من أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكراً.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024