Skip to main content
search

سَقى دارُ لَيلى حَيثُ حَلَّت رُسومُها

عِهادٌ مِنَ الوَسمِيِّ وُطفٌ غُيومُها

فَكَم لَيلَةٍ أَهدَت إِلَيَّ خَيالَها

وَسَهلُ الفَيافي دونَها وَحُزومُها

تَطيبُ بِمَسراها البِلادُ إِذا سَرَت

فَيَنعُمُ رَيّاها وَيَصفو نَسيمُها

إِذا ذَكَرَتكِ النَفسُ شَوقاً تَتابَعَت

لِذِكراكِ أُحدانُ الدُموعِ وَتومُها

قَضى اللَهُ أَنّي مِنكِ ضامِنُ لَوعَةٍ

تَقَضّى اللَيالي وَهيَ باقٍ مَقيمُها

أَميلُ بِقَلبي عَنكِ ثُمَّ أَرُدُّهُ

وَأَعذِرُ نَفسي فيكِ ثُمَّ أَلومُها

إِذا المُهتَدي بِاللَهِ عُدَّت خِلالُهُ

حَسِبتَ السَماءَ كاثَرَتكَ نُجومُها

لَقَد خَوَّلَ اللَهُ الإِمامَ مُحَمَّداً

خُصوصَ مَعالٍ في قُرَيشٍ عُمومُها

أُبُوَّتُهُ مِنها خَلائِفُها الأُلى

لَها فَضلُها في النائِباتِ وَخيمُها

وَلَيسَ حَديثُ المَكرُماتِ بِكائِنٍ

يَدَ الدَهرِ إِلّا حَيثُ كانَ قَديمُها

أَقَرَّت لَهُ بِالفَضلِ أُمَّةُ أَحمَدٍ

فَدانَ لَهُ مُعوَجُّها وَقَويمُها

وَلَو جَحَدَتهُ ذَلِكَ الحَقَّ لَم تَكُن

لِتَبرَحَ إِلّا وَالنُجومُ رُجومُها

هَنَتكَ أَميرَ المُؤمِنينَ مَواهِبٌ

مِنَ اللَهِ مَشكورٌ لَدَيكَ جَسيمُها

وَتَأييدُ دينِ اللَهِ إِذ رُدَّ أَمرُهُ

إِلَيكَ فَرَوّى في الأُمورِ عَليمُها

بَنو هاشِمٍ في كُلِّ شَرقٍ وَمَغرِبٍ

كِرامُ بَني الدُنيا وَأَنتَ كَريمُها

إِذا ما مَشَت في جانِبَيكِ بِأَوجُهٍ

تَهَضَّمُ أَقمارَ الدُجى وَتَضيمُها

رَأَيتُ قُرَيشاً حَيثُ أُكمِلَ مَجدُها

وَتَمَّت مَساعيها وَثابَت حُلومُها

تَوالى سَوادُ الريشِ مِن عِندِ صالِحٍ

إِلَيكَ بِأَخبارٍ يَسُرُّ قُدومُها

مُحَلِّقَةً يُنبي عَنِ النَصرِ نُطقُها

وَقَبلَكَ ما قَد كانَ طالَ وُجومُها

نُخَبِّرُ عَن تِلكَ الخَوارِجِ أَنَّهُ

هَوى مُكرَهاً تَحتَ السُيوفِ عَظيمُها

أَرى حَوزَةَ الإِسلامِ حينَ وَليتَها

تُخَرِّمَ باغيها وَحيطَ حَريمُها

تَدارَكَ مَظلومُ الرَعِيَّةِ حَقَّهُ

وَخَلّى لَهُ وَجهَ الطَريقِ ظَلومُها

وَبَصبَصَ أَهلُ العَيثِ حينَ هَداهُمُ

أَخو سَطَواتٍ ما يُبِلُّ سَليمُها

وَقَد أَعتَتِ الرومُ الَّذي طولِبَت بِهِ

بِأَبريقَ لَمّا خُبِّرَت مِن غَريمُها

هَلِ الدينُ إِلّا في جِهادٍ تَقودُنا

إِلَيهِ عِجالاً أَو صَلاةٍ تُقيمُها

تَقَضَّت لَيالي الشَهرِ إِلّا بَقِيَّةً

تَهَجَدُ فيها جاهِداً أَو تَقومُها

وَأَيسَرُ ما قَدَّمتَ لِلَّهِ طالِباً

لِمِرضاتِهِ أَيّامُ فَرضٍ تَصومُها

هَجَرتَ المَلاهي حِسبَةً وَتَفَرُّداً

بِئاياتِ ذِكرِ اللَهِ يُتلى حَكيمُها

وَأَخلَلتَ بِاللَذّاتِ وَهيَ أَوانِسٌ

مَرابِعُها مُستَحسَناتٌ رُسومُها

وَما تَحسُنُ الدُنيا إِذا هِيَ لَم تُعَن

بِآخِرَةٍ حَسناءَ يَبقى نَعيمُها

بَقاؤُكَ فينا نِعمَةُ اللَهِ عِندَنا

فَنَحنُ بِأَوفى شُكرِها نَستَديمُها

البحتري

البحتري (205 هجري - 284 هجري): هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي. البحتري بدوي النزعة في شعره، ولم يتأثر إلا بالصبغة الخارجية من الحضارة الجديدة. وقد أكثر من تقليد المعاني القديمة لفظيا مع التجديد في المعاني والدلالات، وعرف عنه التزامه الشديد بعمود الشعر وبنهج القصيدة العربية الأصيلة ويتميز شعره بجمالية اللفظ وحسن اختياره والتصرف الحسن في اختيار بحوره وقوافيه وشدة سبكه ولطافته وخياله المبدع.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024