Skip to main content
search

لا يَبعَدِ اللَهوُ في أَيّامِنا المودي

وَلا غُلُوُّ الهَوى في الغارَةِ الرودِ

وَجِدَّةُ الشَعَراتِ السودِ يُرجِعُها

بيضاً تَتابُعُ مَرِّ البيضِ وَالسودِ

لَو كانَ في الحِلمِ مِن جَهلٍ مَضى عِوَضٌ

لَم أَذمُمِ الشَيبَ في قَولي وَمَعقودي

تِلكَ البَخيلَةُ ما وَصلي بِمُنصَرِفٍ

عَنها وَلا صَدُّها عَنّي بِمَصدودِ

أَلَمَّ بي طَيفُها وَهناً فَأَعوَزَهُ

عِندي وُجودُ كَرىً بِالدَمعِ مَطرودِ

إِن يَثلِمِ الحُبُّ في رَأيٍ فَرُبَّتَما

عَزمٍ ثَلَمتُ بِهِ صُمَّ الجَلاميدِ

قَد عَلِمَ الباحِثُ الشَنآنُ ما حَسبي

وَبانَ لِلعاجِمِ المُجتَسِّ ما عودي

لا أَمدَحُ المَرءَ أَقصى ما يَجودُ بِهِ

نَيلٌ يُكَسَّرُ مِن حافاتِ جُلمودِ

حَسبي بِأَحمَدَ إِحساناً يُبَلِّغُني

مَدى الغِنى وَبِفِعلٍ مِنهُ مَحمودِ

رَطبُ الغَمامِ إِذا ما اِستُمطِرَت يَدُهُ

جاءَت مَواهِبُهُ قَبلَ المَواعيدِ

مُثرٍ مِنَ الحَسَبِ الزاكي إِذا ذَكَروا

عُلاهُ أَلقَوا إِلَيهِ بِالمَقاليدِ

مُحَسَّدٌ وَكَأَنَّ المَكرُماتُ أَبَت

أَن توجِدَ الدَهرَ إِلّا عِندَ مَحسودِ

وَأَصيَدُ الخَدِّ عَن إِكثارِ عاذِلِهِ

إِنَّ النَدى مِن عَتادِ السادَةِ الصيدِ

إِسلَم أَبا جَعفَرٍ يَسلَم لَنا كَرَمٌ

وَبَيتُ مَجدٍ إِلى عُلياكَ مَردودِ

إِذا جَحَدتُ سِجالَ الغَيثِ رَيَّقَهُ

فَإِنَّ جودَكَ عِندي غَيرُ مَجحودِ

وَلَو طَلَبتُ سِوى نُعماكَ لي لَجَأً

لَظَلتُ أَطلُبُ شَيئاً غَيرَ مَوجودِ

مَوَدَّةٌ وَعَطاءٌ مِنكَ نِلتُهُما

وَرُبَّ مُعطي نَوالٍ غَيرُ مَودودِ

إِمّا تَوَجَّهتَ نَحوَ الشَرقِ مُعتَسِفاً

بِاليَعمَلاتِ هُزونَ اللَيلِ وَالبيدِ

فَقَد تَرَكتَ بِقِنَّسرينِ أَفئِدَةً

مَجروحَةً وَعُيوناً ذاتَ تَسهيدِ

أَولَيتَهُم حُسنَ آلاءٍ فَكُلُّهُمُ

في حالِ مَستَعبَدٍ بِالطولِ مَكدودِ

وَإِن صُرِفتَ وَلَم تُصرَف لِبائِقَةٍ

عَنِ الخَراجِ فَلَم تُصرَف عَنِ الجودِ

البحتري

البحتري (205 هجري - 284 هجري): هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي. البحتري بدوي النزعة في شعره، ولم يتأثر إلا بالصبغة الخارجية من الحضارة الجديدة. وقد أكثر من تقليد المعاني القديمة لفظيا مع التجديد في المعاني والدلالات، وعرف عنه التزامه الشديد بعمود الشعر وبنهج القصيدة العربية الأصيلة ويتميز شعره بجمالية اللفظ وحسن اختياره والتصرف الحسن في اختيار بحوره وقوافيه وشدة سبكه ولطافته وخياله المبدع.

Close Menu

جميع الحقوق محفوظة © عالم الأدب 2024