لا يا من كنت شقيقي!

مَلَّ القريضُ كآبة الأوزانِ

وتضمَّخ التعبير بالألوانِ

والشوق ذاب كما الجليد صبابة

والدمعُ يشكو غربة الإخوان

والشعر عشعش في سرائره الجوى

وطغت عليه سحائبُ الأحزان

وئِد الحنين ، فلا إخاء ولا وفا

وكذا استكانت عزمة التحنان

خلتِ القلوبُ عن المحبة والصفا

والشهمُ تحت مطارق العدوان

ودمُ الشقيق فمُهدَرٌ ومُبعثرٌ

فوق الدروب ضحية النسوان

وبضاعة الوحي الكريم رخيصة

وعلى الرؤوس بضاعة الكفران

وأخوة مَسحَ الهوانُ أريجها

فغدت هُراءاتٍ بغير معاني

ومكلِفُ المرذول ضد فعاله

أبداً يبوء بصدمة البُطلان

إن الأخوة إن تمرّق ودّها

يأتي الشقيقُ نكارة الثعبان

وأراك تزعم يا دعيّ أخوتي

ولنحن مِن بين الورى أخوان

أخوان من حيث التسمي والدما

لكنما أخوان مفترقان

أخوان فرّق بين كلٍ منهما

هديُ الرسول وشرعة الرحمن

حتى العروبة أنت عنها حائدٌ

وعن الرجولة حِدت والأوطان

ولأنت في درك الحضيض ومنه يبـ

ـرأ عُتبة ، وكذا الشقيق الثاني

وأراك تجتر الدراهم والغنى

آلافها تسعٌ بلا نقصان

ولأنت ترفل في النعيم وفي الرخا

وتعيش في عز رفيع الشان

وأخوك يغسل في بيوتات الورى

ويعيش في قيح الهوان يُعاني

وينال منه مُعربدٌ ورقيعة

وتنال منه عَواهرٌ وزوان

من كل ساقطةٍ تزيل حياءه

وتريد أن تحتال للقربان

ويدوس – فوق إبائه – مستكبرٌ

ويذوق طعم الذل من خوّان

وتموت – من فرط المذلة – روحه

ويذوب مما قد ترى العينان

ويُراوَد المسكين عن توحيده

والأمرُ في سر وفي إعلان

يتجرع السم الزعاف لحاجةٍ

يا فرحة الأعداء والأقران

أأمنت حقاً بين قطعان الغثا؟

وأخوك خاف تجبّر الدهقان

وأكلت ما طالت يداك أطايباً

وأخوك ذاق مرارة الحرمان

وشربت حتى قد رويت من الظما

وأخوك ويح أخيك من ظمآن

وكُسيت بين القوم أندى حلةٍ

وأخوك ويح أخيك من عُريان

وبنيت داراً في ديارك غضة

وكأنها في الحسن كالإيوان

وأخوك لا مأوى له بين الورى

لكنما هو في دجى الكثبان

وقد ادخرت المال تخشى من غدٍ

وأخوك مُحتاج إلى الأكفان

أين الأخوة يوم حق عطاؤها؟

أين الأخوة في دنا الذؤبان؟

أين الأخوة يا ابن أم وأب؟

أين الأخوة يا أخا الشيطان؟

أين الأخوة في علاقتنا إذن؟

عقد الأخوة موغل البطلان

إذ ليس يأتي ما أتيت موحدٌ

فالخذلُ ممقوتٌ لدى الديان

وكذاك لا يأتيه من يتنسكو

ن على ضلال في دجى الصلبان

أنا لست أحقد يا سفيه على الذي

كسبتْ يداك من المتاع الفاني

لكنْ أبيّن أن كل مروءةٍ

تأبى الذي تأتيه من بُهتان

وكذا أبيّن أن كل أخوةٍ

حقٌ عليها البذلُ في إمعان

أتقول أني قد فضحتك في الدنا؟

كل الذي قال الكذوب أتاني

فصّلتَ من قيح التدني حُلة

وفجَرتْ قِيعاناً من الخذلان

وبنيت آفاقاً لكل نقيصةٍ

وزرعتَ آماداً من النكران

يا أيها المرذول: قلباً والنهى

حتى متى تختال في الخسران؟

وإلى متى كِبرٌ يروح ويغتدي؟

وإلى متى تنأى عن الإيمان؟

أولست تذكر يوم جئت معزيّاً

وتطيل في ترنيمة السلوان؟

وأراك مغتبطاً بما قد نالني

وسبكتَ عندي رجفة العرفان

فهناك في المَشفى أتيت تزورني

تزجي التأثر مثلما الكهّان

ودفعت بالمئتين من يد شامتٍ

والعذلُ أثقلَ كِفة الميزان

فرددتُ مالك قلت: لا وحلفت لي

ولذا احترمت جلالة الأيمان

لولا يمينك ما أخذت دُريهما

وأخوك يشهد بيننا يا جاني

أين الدراهمُ يوم كنتُ بحاجةٍ؟

خذلانكم ما كان في الحُسبان

أين الدراهمُ يوم طالبني الورى

بديونهم وجُرفتُ في الطوفان؟

أين الدراهمُ يوم غسّلتُ الأذى

بيديّ للعِربيد والسكران؟

أين الدراهمُ يوم زالت هيبتي

ووصِفتُ عند الناس بالنقصان؟

وفقدتُ – عند الناس – عِزة مؤمن

ومضتْ مكانة ثائر صَيّان

أين الدراهمُ يوم أقرضني الغريـ

ـب وصانني؟ قد بات من أعواني

أين الرجولة يوم غابت شرعة؟

وكذا المروءة أين يا إخواني؟

أين الأخوة يوم أعطاني الورى

حق الإخا وأخَيّ ما أعطاني؟

أنا لستُ أبغي منك مالاً والذي

رفع السما ، فالله قد أغناني

لكنْ أبرهن أن فضلك مُنمح

وأراك في مستنقع الأدران

فادفنْ غرورك في سراديب الهوى

واقمع رماحَك في أسى الطغيان

واكبتْ نفاقك ، لا تقل: هذا أخي

ودع التظاهر داخل الأجفان

واكبحْ رياءك ، ما عليك ملامة

أألوم ظلاً ما له من شان؟

وامحقْ تقاعسك الحقير ، فإنه

أبداً يُشوّه رونق الإنسان

واحرقْ تكبّر مُفلس مُتملق

هذا التكبرُ ثروة الأوثان

أنت الدعيّ ، وليس عندي ريبة

لكنما هي قِسمة الديان

والله عندي همة وعزيمة

نبراسُها دُررٌ من الفرقان

أنا ثابتٌ رغم الخطوب ، وقانعٌ

وكما تراني لستُ بالحيران

وأخي كتاب الله فيه كرامتي

أنعم بهذا الذكر والتبيان

فإذا تنكرَ لي الصحاب ، فصاحبي

أبداً كلامُ الله في القرآن

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات