قَصِيدَةُ “الْفَتَى الشَّهْمُ”

١. أَعِينَا فَتَىً شَهْماً تُنَاوِشُهُ الْهُدْبَا

فَلَمْ تُبْقِ قَلْباً مُحْصَناً لَا وَلَا لُبَّا

٢. يَكَادُ يُلاقِي الرَّمْشُ حَاجِبَ عَيْنِها

كَقَوْسِ ابْنِ وَقَّاصٍ فَلَمْ تُخْطِئِ الضَّرْبَا

٣. رَمَتْ بِسِهَامٍ لَا تُرى شَبَحِيّةٍ

مُوَفَّقَةٍ شَقَّتْ بِقَلْبِي لَهَا دَرْبَا

٤. كَأَنِّي كَمِثْلِ “الثَّادِ” أَمْنَعُ خَافِقاً

وَلَكِنَّ “بُولَافَا” يُمَزِّقُهُ إِرْبَا

٥. وَيَجْبُنُ عَنْ حَرْبِي شِيُوخُ قَبَائِلٍ

فَكَيْفَ لِذَاكَ الرَّمْشِ يَتْرِكُنِي نَهْبَا

٦. فَقَالَ عَلِيمٌ بِالْقَبَائِلِ إِنَّهَا

لِأَشْرْفِ بَيْتٍ تَنْتَمِي فَاتْرُكِ الْعُجْبَا

٧. رَأَتْنِي فَغَطَّتْ بِالْكُفُوفِ عُيُونَهَا

وَهَلْ كَحَيَاءِ الْمَرْئِ ذَبَّ الْخَنَا ذَبَّا؟

٨. فَوَاللهِ لَمْسُ النَّجْمِ أَهْوَنُ مَطْلِباً

عَلَى أَنْ تُرِيدَ النَّزْرَ مِنْهَا أَو الْإِرْبَا

٩. وَسَارَتْ كَسَيْرِ النَّحْلِ فِي الْوَرْدِ خِفَّةً

بِلا أَثَرٍ يُقْفَا خُطَاهُ وَلَا لُجْبَا

١٠. وَلَيْسَ غَرِيباً أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهَا

لَتَمْشِي عَلَى الْأَمْواهِ وَامْتَطَيَتْ سُحْبَا

١١. أَتَتْ تِرْبَهَا، وَالْخَدُّ يَسْبِيكَ لَوْنُهُ

كَثَلْجٍ بِهِ تُوتٌ تَشَرَّبَهُ شُرْبَا

١٢. وَقَالَتْ بِصَوْتٍ لَا لِفَيْرُوزَ سِحْرُهُ

إِذَا طَلَبَتْ مِنْ كَاسِرٍ رِيشَهُ لَبَّا

١٣. أَبَلْقَاءُ مِنْ ذَاكَ الْفَتَى بِسِلَاحِهِ؟

يُحَمْلِقُ كَالضَّرْغَامِ يَسْلِبُنِي سَلْبَا

١٤. فَقَالَتْ لَهَا: إِيَّاكِ تَعْنِينَ أَحْمَداً

فَتَىً لَا يَرَى إِلَّا الْمَصَاعِبَ وَالْخَطْبَا

١٥. يَغَارُ فَلَا يَرْضَى بِزِينَةِ لُبْسِنَا

وَيَمْنَعُكِ الْعِطْرَ الّذي يَمْلَؤُ الرَّحْبَا

١٦. يُحَدِّثُكِ بِالْفِقْهِ وَالشِّعْرِ كَاتِبٌ

وَتَارِيخُ أَجْدَادٍ لَقَدْ سَكَنُوا التُّرْبَا

١٧. فَأَيْنَ أَحَادِيثُ السِّنَابِ وَمَنْ بِهِ

كَذَا التِّيكِ تُوكٍّ إِنَّهُ يُبْهِجُ الْقَلْبَا

١٨. وَيَغْضَبُ إِنْ صَوَّرْتِ جِسْماً وَمَأْكَلاً

كَجَلْمُودِ صَخْرٍ عَقْلُهُ فَوَّتَ الرَّكْبَا

١٩. وَتَثْقُلُ بِالْمِيزانِ كَفَّةُ ضَيْفِهِ 

عَلَيْكِ أَلَا تَبّاً عَلَيْهِ أَلَا تَبَّا

٢٠. فَقَالتْ: يَمَينُ اللهِ هَل ذِي عُيُوبُهُ؟

فِإِنْ تَكُ عَيْباً حُبِّبَتْ كَوْنُهَا عَيْبَا

٢١. فَرَدَّتْ: قَطَعْتِ الْأَمْرَ بِالْحَلْفِ إِنَّنِي

حَسَدْتُكِ كَيْ لَا تَعْتَلِي فَوْقَنَا كَعْبَا

٢٢. فَتَىً حُمِدَتْ عِنْدَ الرِّجَالِ فِعَالَهُ

إِذَا مَا ابْتَغَى شَيْئاً يَشِنُّ لَهُ حَرْبَا

٢٣. وَيَبْسّطُ كِلْتَا الرَّاحَتَيْنِ فَلَا يُرَى

عَلَى الْقَبْضِ إِلَّا حِينَمَا يَقْبِضُ الْعَضْبَا

٢٤. بَنُو عُمَرٍ تَرْنُوا بِأَعْيُنِهَا لَهُ

تَرَاهُ كَمَا الْمَهْدِيِّ فَارِسَهَا النَّدْبَا

٢٥. وَأَمَّا أَبُوهُ الْفَذُّ لَا فَذَّ مِثْلُهُ

يَلُفُّ صَدَاهُ الشَّرْقَ بِالْخَيْرِ وَالْغَرْبَا

٢٦. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَاراً لِيُشْعِلَ نَارَهُ

فَيَكْفِيهِ مِنْ عَيْنَيْهِ نَارُ الْغَضَا رُعْبَا

٢٧. وَلَوْ قِيلَ أَنَّ الْمَاءَ يَنْقُصُ قَدْرَهُ

تَرَفَّعَ عَنْ إِتْيَانِهِ لَوْ يَرَى النَّحْبَا

٢٨. وَقَالَتْ: هَلُمِّي كَيْ نَسِيرَ إِزاءَهُ

لَعَلَّ لَهُ قَصْداً فَنَشْغَفَهُ حُبَّا

٢٩. تُنَازِعُنِي عَيْنِي إِلَيْهَا وَمُضْغَتِي

تُقَاوِمُ سِحْراً يَحْمِلُ الزَّيْغَ وَالْعَطْبَا

٣٠. فَأغْضَضْتُ طَرْفِي ثُمَّ قُلْتُ بِخَاطِرِي:

لَإِنْ فَتَنَتْ عَيْناً فَمَا فَتَنَتْ قَلْبَا

٣١. فَإِنِّي عَلَى عَهْدٍ قَدِيمٍ أَصُونُهُ

أَرَى كُلَّ حُبٍّ لَمْ يَكُنْ نَحْوَهَا ذَنْبَا

٣٢. فَلَمَّا رَأَتْنِي لَا أُلَاحِظُ أَمْرَهَا

بَكْتْ عَبْرَةً تَجْرِي لِتَكْفِي الْوَرَى خَصْبَا

٣٣. وَصَاحَتْ: ذَرِينِي لَا أَبَا لَكِ إِنَّكِ

شَرَخْتِ حَيَائِي وَارْتَضَيْتِ لِيَ السَّبَّا

٣٤. فَعَادَتْ إِلَى رُشْدٍ وَعُدْتُ لِعَهْدِنَا

وَصِرْنَا إِلَى الْمَحْمُودِ نَسْتَغْفِرُ الرَّبَّا

٣٥. إِذَا أَنِسَتْ رُوحِي قَلِيلاً يَرُدُّهَا

إِلَى الْحَزْمِ أَمْرٌ سَوْفَ آخِذَهُ رَهْبَا

٣٦. فَأَرْكَبُ هَوْلاً بَعْدَ هَوْلٍ مُصَمِّماً

فِإِنْ لَمْ يَلِنْ طَوْعاً أُليِّنُهُ غَصْبَا

٣٧. فَمَا الْعَزْمُ إِلَّا طَرْقَةً بَعْدَ طَرْقَةٍ

يِذِلُّ لَهَا حَتَّى الْحَدِيدُ الَّذِي صُبَّا

٣٨. وَعادِ وَجَاهِدْ، فَالْأَعَادِي حَوَافِزٌ

تَزِيدُ بِهِمْ بَأْساً وَتَجْتَنِبُ الْعَيْبَا

٣٩. وَبَادِرْ إِلَى الْعَلْيَاءِ بِالِجُهْدِ لَا الْمُنَى

وَكُنْ يَقِظاً، فَالْفَذُّ يَحْتَرِسُ الْخُلْبَا

٤٠. وَمَنْ يَصْحَبِ الآسَادَ يَطْعَمْ طَعَامَهَا

فَصَاحِبْ شُجَاعاً كَالرِّيَاحِ إِذَا هَبَّا

٤١. وَمَا عَزَّ قَوْمٌ دُونَ عِزَّةِ أَهْلِهِمْ

وِإِنْ ظَلَمُوا تَبْقَى الْحَمِيَّةُ بِالْقُرْبَى

٤٢. وَطَلَّقْتُ مَالِي بِالثَّلاثِ فِإِنَّهُ

يُسَوَّدُ مَنْ يُعْطِي وَيُنْبَذُ مَنْ يَأَبْى

٤٣. فَجُودُكَ أَرْضٌ وَالنُّقودُ نَبَاتُهَا

تُزَارُ بِخَصْبٍ لَا إِذَا أُلْفِيَتْ جَدْبَا

٤٤. وَتُذْكَرُ فِي ضُرٍّ وَتُنْسَى بِكَشْفِهِ

فِإِيَّاكَ يُثْنِيكَ الشُّعُورُ إِذَا شَبَّا

٤٥. أَلَسْتَ تَرَى الْمِصْبَاحَ يُنْسَى عَلَى الضُّحَى

وَبِالَّلَيْلِ كُلُ الْخَلْقِ تَطْلُبُهُ طَلْبَا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في شعر، مشاركات الأعضاء، مشاركات عامة

قد يعجبك أيضاً

تعليقات