يقول راجي الصمد

ديوان ابن معصوم

يَقول راجي الصَمدِ

عليٌّ بن أَحمَدِ

حَمداً لمن هَداني

بالنُطق والبَيانِ

وأَشرفُ الصَلاةِ

من واهب الصِّلاتِ

عَلى النَبيِّ الهادي

وآله الأَمجادِ

وبعدُ فالكَلام

لحسنِه أَقسامُ

وَالقَولُ ذو فنون

في الجَدِّ والمجونِ

وروضةُ الأَريضُ

السجعُ وَالقَريضُ

وَالشعرُ ديوانُ العرب

وَكَم أَنالَ من أَرَب

فاِنسِل إذا رُمت الأدب

إِليه من كُلِّ حَدَب

روايةُ الأَشعارِ

تَكسو الأَديبَ العاري

وَترفعُ الوَضيعا

وَتكرمُ الشَفيعا

وتُنجحُ المآربا

وَتُصلحُ الموارِبا

وَتُطرب الإخوانا

وَتُذهِبُ الأَحزانا

وَتُنعشُ العُشّاقا

وَتؤنس المشتاقا

وَتَنسَخ الأَحقادا

وَتُثبِتُ الودادا

وَتُقدمُ الجَبانا

وَتَعطِف الغَضبانا

وَتَنعَت الحبيبا

والرشأ الرَبيبا

وَخيرُه ما أَطربا

مُستَمِعاً وأَعجَبا

وَهذه الأُرجوزَه

في فنِّها وَجيزَه

بَديعةُ الأَلفاظِ

تَسهُلُ للحُفّاظِ

تُطرب كلَّ سامعِ

بحسنِ لَفظٍ جامعِ

أَبياتُها قصورُ

ما شانَها قُصورُ

ضمَّنتُها مَعاني

في عِشرة الإخوانِ

تشرحُ للأَلباب

محاسنَ الآدابِ

فإنَّ حسنَ العِشرَة

ما حازَ قَومٌ عُشرَه

وأكثرُ الإخوانِ

في العصر والأَوانِ

صُحبَتُهم نِفاقُ

ما زانَها وِفاقُ

يَلقى الخَليلُ خلَّه

إذا أَتى محلَّه

بِظاهرٍ مُمَوَّهِ

وَباطنٍ مُشوَّهِ

يَظهرُ من صداقتِه

ما هو فوقَ طاقتِه

وَالقَلبُ منه خالي

كفارِغِ المَخالي

حتّى إِذا ما اِنصرَفا

أَعرض عَن ذاكَ الصَفا

وإن يكن ثَمَّ حَسد

أَنشَبَ إِنشاب الأسد

في عِرضِه مخالبَه

مستقصياً مثالبَه

مُجتَهِداً في غَيبَتِه

لَم يرع حقَّ غَيبتِه

فَهذه صحبةُ مَن

تَراه في هَذا الزَمن

فَلا تكن مُعتمدا

عَلى صديقٍ أَبدا

وان أَطقت أَلّا

تصحبَ منهم خِلّا

فإنَّك الموفَّقُ

بل السَعيدُ المطلَقُ

وإِن قصدتَ الصُحبَه

فخذ لها في الأُهبَه

واِحرِص على آدابها

تُعدّ من أَربابِها

واِستَنبِ عن شُروطها

توقَّ مِن مَسخوطها

وإِن أَردت علمَها

وحدَّها ورَسمَها

فاِستملهِ من رَجَزي

هَذا البَديعِ الموجَزِ

فإنَّه كَفيل

بشرحِه حَفيلُ

فصَّلتُه فُصولا

تقرِّبُ الوصولا

لمنهجِ الآداب

في صحبَة الأَصحابِ

تَهدي جَميع الصَحب

إِلى الطَريق الرَحبِ

سمَّيتُه إِذ أَطربا

بنظمه وأَغرَبا

بنَغمةِ الأَغاني

في عِشرة الإخوانِ

وَاللَّهَ رَبّي أَسأَلُ

وهو الكَريم المفضِلُ

إِلهاميَ الإمدادا

وَمَنحيَ السَدادا

قالوا الصديقُ من صَدق

في حُبِّه وما مَذَق

وَقيل من لن يُطعَنا

في قَوله أَنتَ أَنا

وَقيل لَفظٌ لا يُرى

معناه في هَذا الوَرى

وَفسَّروا الصَداقَة

بالحب حَسبَ الطاقَه

وَقال من قد أَطلقا

هيَ الودادُ مُطلَقا

وآخرونَ نصّوا

بأَنَّها أَخصُّ

وهو الصَحيح الراجح

وَالحَقُّ فيه واضحُ

إِذ خلَّة الصَديقِ

عند أولي التَحقيقِ

محبَّةٌ بلا غَرَض

وَالصدقُ فيها مُفترض

وَمطلقُ الحبِّ أَعم

ومن أَبى فقد زَعم

وَحدُّها المَعقولُ

عنديَ ما أَقولُ

هيَ بلا اِشتباهِ

أُخوَّةٌ في اللَهِ

إِذا صحبتَ فاِصحب

ذا حسَبٍ وَنَسَبٍ

رَبَّ صَلاحٍ وَتُقى

يَنهاه عَمّا يُتَّقى

من غيبةٍ وغدرِ

وَخدعةٍ ومكرِ

مهذَّبِ الأَخلاق

يطرُبُ للتَلاقِ

يحفظ حقَّ غَيبتِك

يَصونُ ما في عَيبتك

يَزينُه ما زانَكا

يَشينُه ما شانَكا

يَظهرُ منك الحَسَنا

وَيذكرُ المُستَحسَنا

وَيكتمُ المَعيبا

وَيحفظُ المَغيبا

يسرُّه ما سَرَّكا

ولا يُذيعُ سِرَّكا

إِن قالَ قَولاً صدقَك

أَو قلتَ أَنتَ صدَّقَك

وإِن شكوتَ عُسرا

أَفدتَ منه يُسرا

يَلقاكَ بالأَمانِ

من حادِث الزَمانِ

يُهدي لَكَ النَصيحَة

بنيَّةٍ صحيحَه

خِلَّتُه مُدانيَه

في السِرّ والعَلانيَه

صُحبتُه لا لِغرَض

فَذاكَ في القَلبِ مَرَض

لَم يَتَغيَّر إِن وَلي

عن الودادِ الأَوَّلِ

يَرعى عهود الصُحبَه

لا سيَّما في النَكبَه

لا يُسلِمُ الصَديقا

إِن نالَ يَوماً ضيقا

يُعينُ إِن أَمرٌ عنا

ولا يَفوهُ بالخَنا

يُولي ولا يعتذرُ

عمّا عليه يَقدِرُ

هَذا هو الأَخُ الثِقَه

المستحقُّ للمِقَه

إِن ظَفِرت يَداكا

به فكِد عِداكا

فإنَّه السِلاحُ

والكفُّ والجَناحُ

وَقَد رَوى الرُواةُ

السادةُ الثِقاةُ

عنِ الإِمام المرتضى

سيفِ الإله المُنتضى

في الصَحب والإخوان

أَنَّهمُ صِنفانِ

إخوانُ صدقٍ وثقه

وأَنفسٌ مُتَّفِقَه

هم الجناحُ واليدُ

وَالكَهفُ والمستَنَدُ

والأَهلُ والأقاربُ

أَدنَتهُمُ التَجارِبُ

ففَدِّهم بالروح

في القُربِ والنُزوحِ

واِسلُك بحيث سَلكوا

واِبذل لهم ما تملكُ

فَلا يَروكَ مالكا

من دونِهم لمالِكا

فصافِ من صافاهم

وَنافِ من نافاهمُ

واِحفظهمُ وصنهمُ

واِنفِ الظنونَ عنهمُ

فهم أَعزُّ في الوَرى

إِن عنَّ خطبٌ وعَرا

من أَحمرِ الياقوتِ

بل من حَلالِ القوتِ

وإخوةٌ للأنسِ

وَنيلِ حظِّ النَفسِ

هُم عُصبة المُجاملَة

لا الصدقِ في المعاملَه

منهم تصيبُ لذَّتَك

إذا الهموم بذَّتَك

فصِلهم ما وَصَلوا

واِبذل لهم ما بَذلوا

مِن ظاهرِ الصداقَه

بالبِشر والطَلاقَه

ولا تَسَل أَن أَظهروا

للودِّ عَمّا أَضمَروا

وأَطوِهم مدَّ الحُقب

طيَّ السجلِّ للكُتُب

وَقال بشرُ الحافي

بل عِدَّةُ الأَصنافِ

ثَلاثةٌ فالأَوَّلُ

للدينِ وهو الأَفضلُ

وآخَر للدُنيا

يَهديك نَجد العُليا

وَثالِثٌ للأُنسِ

لكونه ابنَ جنسِ

فاِعطِ كلا ما يَجِب

وعن سِواهم فاِحتَجِب

صَداقَةُ الإخوانِ

الخلَّصِ الأَعوانِ

لها شُروطٌ عِدَّة

على الرَخا والشِدَّه

الرِفقُ والتلطُّفُ

والودُّ والتعطُّفُ

وكثرةُ التعهُّدِ

لهم بِكُلِّ معهدِ

البِرُّ بالأَصحابِ

من أَحكم الأَسبابِ

والنُصح للإخوانِ

من أَعظمِ الإحسانِ

والصدقُ والتصافي

من أَحسن الأَوصافِ

دع خدع المودَّه

لأَوجهٍ مُسودَّه

فالمحضُ في الإخلاصِ

كالذَهب الخِلاصِ

حفظُ العهود وَالوَفا

حقٌّ لإِخوان الصَفا

عاملهُمُ بالصِدقِ

واِصحب بحسنِ الخُلقِ

والعَدلِ والإنصافِ

وقِلَّةِ الخِلافِ

ولاقِهم بالبِشرِ

وحيِّهم بالشُكرِ

صِفهُم بما يُستحسَنُ

وأَخفِ ما يُستهجنُ

وإن رأَيتَ هفوَه

فاِنصحهُمُ في خَلوَه

بالرَمزِ والإِشاره

وأَلطَفِ العبارَه

إِيّاكَ والتَعنيفا

وَالعَذَلَ العَنيفا

وإِن تُرِد عتابَهم

فَلا تُسئ خطابَهُم

وأَحسنُ العِتاب

ما كانَ في كتابِ

فالعتبُ في المشافَهه

ضَربٌ من المُسافهه

وعن إِمام النحل

قاتِل كلِّ مَحلِ

عاتب أَخاكَ الجاني

بالبِرِّ والإِحسانِ

حافِظ على الصَديق

في الوِسع والمضيقِ

فهو نَسيبُ الروح

ومَرهَمُ الجروحِ

وَفي الحَديث الناطقِ

عن الإِمام الصَادِقِ

من كانَ ذا حَميمِ

نجا من الجَحيمِ

لقول أَهل النارِ

وعصبةِ الكفّارِ

فما لنا من شافع

ولا صديق نافِعِ

والقربُ في الخَلائِقِ

أَمنٌ من البوائقِ

فقارب الإخوانا

وكن لهم مِعوانا

لا تَسمع المَقالا

فيهم وإِن تَوالى

فمن أَطاعَ الواشي

سارَ بليلٍ غاشِ

وضيَّع الصَديقا

وكذَّب الصدِّيقا

وإِن سمعتَ قيلا

يحتملُ التأويلا

فاِحملُهُ خَيرَ محمِل

فعلَ الرجال الكمَّلِ

وإن رأَيت وَهنا

فلا تَسُمهم طعنا

فالطعن بالكلام

عند أُولي الأَحلامِ

أَنفذُ في الجنان

من طعنة السِنانِ

فعدِّ عن زلّاتهم

وسدَّ من خِلّاتهم

سل عنهم إِن غابوا

وزرهم إِن آبوا

واستَنبِ عن أَحوالهم

وعفَّ عن أَموالهم

أَطعهمُ إِن أَمروا

وصِلهُم إِن هَجَروا

فقاطعُ الوِصالِ

كقاطع الأَوصالِ

إِن نصحوك فاقبَلِ

وإِن دَعَوا فأَقبِلِ

واِصدقهمُ في الوَعدِ

فالخُلفُ خُلقُ الوَغدِ

واِقبَل إذا ما اِعتَذَروا

إِلَيكَ مِمّا يُنكَرُ

واِرعَ صلاحَ حالِهم

واِشفق على إِمحالِهم

وَكُن لهم غياثا

إِذا الزَمان عاثا

وأَعطِهم ما أَمَّلوا

إِن أخصَبوا أَو أَمحَلوا

حَقيقةُ الصَديقِ

تُعرفُ عند الضيقِ

وَتُخبرُ الإِخوانُ

إِذا جَفا الزَمانُ

لا خَيرَ في إِخاء

يَكونُ في الرَخاءِ

وإنَّما الصَداقَه

في العُسر والإِضاقَه

لا تُدخَرُ المودَّه

إِلّا ليوم الشِدَّه

ولا تُعدُّ الخِلَّه

إِلّا لِسَدِّ الخلَّه

أَعِن أَخاك واِعضدِ

وكن له كالعَضُدِ

لا سيَّما إِن قَعدا

به زَمانٌ وعَدا

بئس الخَليلُ مننَكَل

من خِلِّه إِذا اتَّكل

لا تجفُ في حالٍ أَخا

ضنَّ الزَمانُ أَو سَخا

وَإِن شَكا من خَطبِهِ

فزِد من اللُطف بِهِ

واِسعَ لكشف كُربتِه

واِحفَظ عهودَ صُحبتِه

وَكُن له كالنور

في ظُلمَةِ الدَيجورِ

ولا تَدع ولا تَذر

ما تَستَطيعَ من نَظر

حتّى يَزولَ الهمُّ

وَيُكشَفَ المُلِمُّ

إِنَّ الصَديقَ الصادِقا

من فرَّج المَضايقا

وأَكرمَ الإِخوانا

إذا شَكوا هَوانا

وأَسعفَ الحَميما

وَحَمَل العَظيما

وَأَنجدَ الأَصحابا

إِن رَيبُ دَهرٍ رابا

أَعانَهم بمالِهِ

وَنَفسِهِ وآلِهِ

ولا يُرى مُقصِّرا

في بذل مالٍ وقِرى

فعلَ أَبي أمامَه

مَع خِلِّهِ الحَمامَه

فإن أَردتَ فاِسمَعِ

حديثَه كيما تَعي

رَوى أُولو الأَخبارِ

وَناقِلو الآثارِ

عن سِرب طيرٍ سارب

من الحَمام الراعبي

بكَّرَ يوماً سَحرا

وَسار حتّى أَصحَرا

في طَلَبِ المعاشِ

وهو ربيطُ الجاشِ

فأَبصَروا على الثَرى

حبّاً مُنقّى نُثِرا

فأَحمَدوا الصَباحا

واِستيقَنوا النَجاحا

وأَسرَعوا إليهِ

وأَقبَلوا عليهِ

حتّى إِذا ما اصطَفّوا

حذاءَهُ أَسفّوا

فَصاحَ منهم حازمُ

لنُصحِهم مُلازمُ

مهلاً فكم مِن عَجَلَه

أَدنَت لحيٍّ أَجلَه

تمهَّلوا لا تَقعوا

وَأَنصِتوا لي واِسمَعوا

إِليَّةً بالرَبِّ

ما نثرُ هَذا الحَبِّ

في هذه الفَلاةِ

إِلّا لخَطبٍ عاتِ

إِنّي أَرى حبالا

قد ضُمِّنَت وبالا

وَهذه الشِباكُ

في ضِمنِها الهلاكُ

فَكابدوا المجاعَة

وأَنظِروني ساعَه

حتّى أَرى وأَختَبِر

والفَوزُ حظُّ المصطَبِر

فأَعرَضوا عن قَولِهِ

واِستضحكوا من هَولِهِ

قالوا وقد غَطّى القدر

للسَمعِ منهم والبَصَر

لَيسَ على الحَقِّ مِرا

حبٌّ مُعدُّ للقِرى

ألقيَ في التُرابِ

للأَجرِ والثَوابِ

ما فيه من محذورِ

لجائعٍ مضرورِ

أَغدوا على الغداءِ

فالجوعُ شَرُّ داءِ

فَسَقطوا جَميعا

للقطه سَريعا

وما دروا أَنَّ الرَدى

أكمِنَ في ذاك الغَدا

فوقعوا في الشَبَكَه

وأَيقَنوا بالهَلَكه

وَنَدِموا وما النَدم

مُجدٍ وقد زلَّ القدَم

فأَخذوا في الخَبطِ

لحلِّ ذاكَ الرَبطِ

فاِلتوتِ الشِباكُ

واِلتفَّت الأَشراكُ

فقالَ ذاكَ الناصحُ

ما كُلُّ سَعيٍ ناجحُ

هَذا جزاءُ من عَصى

نَصيحةً واِنتَقَصا

للحرصِ طَعمٌ مُرُّ

وشرُّه شِمِرُّ

وكم غَدَت أمنيّه

جالِبَةً مَنيَّه

وَكَم شقاً في نِعم

وَنقمٍ في لُقَمِ

فَقالَت الجَماعَه

دَعِ الملامَ الساعَه

إِن أَقبل القنّاصُ

فما لنا مناصُ

وَالفكرُ في الفَكاكِ

من ورطةِ الهَلاكِ

أَولى من الملامِ

وكثرة الكَلامِ

وما يُفيدُ اللاحي

في القَدَر المُتاحِ

فاِحتل على الخلاصِ

كحيلةِ ابن العاصِ

فقال ذاكَ الحازِمُ

طوع النَصيح لازِمُ

فإن أَطعتُم نُصحي

ظفرتُم بالنُجحِ

وإِن عصيتُم أَمري

خاطرتُمُ بالعُمرِ

فَقالَ كُلٌّ هاتِ

فكركَ في النَجاةِ

جميعُنا مطيعُ

لما تَرى سَريعُ

وَليس كُلُّ وَقتِ

يضلُّ عقلُ الثَبتِ

فقالَ لا تَرتَبِكوا

فَتَستَمرَّ الشَبَكُ

واتَّفِقوا في الهمَّة

لهذه المُلِمَّه

حتّى تَطيروا بالشرك

وتأَمنوا من الدَرك

ثمّ الخَلاصُ بَعدُ

لكم عليَّ وعدُ

فقبلوا مقالَهُ

واِمتَثلوا ما قالَهُ

واِجتَمِعوا في الحركَه

واِرتفَعوا بالشَبكَه

فقال سيروا عَجَلا

سيراً يَفوتُ الأَجَلا

ولا تَملّوا فالمَلَل

يعوقُ وَالخَطبُ جَلل

فأمَّهُم وراحوا

كأَنَّهم رياحُ

وأَقبَلَ الحَبّالُ

في مشيهِ يَختالُ

يحسبُ أَنَّ البَركه

قد وَقَعَت في الشَبكَه

فأَبصرَ الحَماما

قد حلَّقَت أَماما

وقلَّت الحِبالَه

وأَوقَعَت خَبالَه

فعضَّ غيظاً كفَّه

على ذَهاب الكُفَّه

وَراح يَعدو خَلفَها

يَرجو اللَحاقَ سفها

حتّى إِذا ما يَئِسا

عادَ لها مُبتَئِسا

وأَقبلَ الحَمامُ

كأَنَّه الغَمامُ

على فلاة قفرِ

من الأَنام صفرِ

فَقالَت الحمامَه

بُشراكُم السَلامَه

هَذا مقامُ الأَمنِ

من كُلِّ خوفٍ يَعني

فإن أَردتُم فقَعوا

لا يَعتَريكم جَزَعُ

فهذه المَوماةُ

لنا بها النَجاةُ

وَلي بها خَليلُ

إِحسانُه جَليلُ

يُنعمُ بالفِكاكِ

من رِبقةِ الشِباكِ

فلجأَوا إِليها

ووقَعوا عليها

فنادتِ الحمامَه

أَقبل أَبا أمامَه

فأَقبلت فوَيره

كأَنَّها نُوَيره

تَقول من يُنادي

أَبي بِهَذا الوادي

قال لها المُطوّقُ

أَنا الخَليلُ الشيّقُ

قولي لها فليخرجِ

وآذنيهِ بالمجي

فرجعت وأَقبلا

فأرٌ يهدُّ الجَبَلا

فأبصرَ المطوَّقا

فضمَّه واِعتَنقا

وَقال أَهلاً بالفَتى

وَمَرحباً بمن أَتى

قدمت خَيرَ مقدم

على الصَديق الأَقدمِ

فاِدخل بيمنٍ داري

وشرِّفَن مِقداري

واِنزل برحبٍ ودعه

وجَفنةٍ مُدَعدَعَه

واِشفِ جوى القلوبِ

بوصلكَ المطلوبِ

فالشوقُ للتَلاقي

قد بَلَغ التَراقي

فقال كيفَ أَنعَمُ

أَم كَيفَ يَهنى المَطعَمُ

وَهَل يطيبُ عيشُ

أَم هَل يقرُّ طيشُ

وأسرَتي في الأَسرِ

يَشكونَ كلَّ عُسرِ

أَعناقُهم في غلِّ

وكلُّهم في ذلِّ

فقال مُرني أَئتمِر

عَداك نحسٌ مُستَمِر

قال ِاقرض الحِبالَه

قَرضاً بلا مَلالَه

وخلِّص الأَصحابا

واِغتنم الثَوابا

وحُلَّ قيدَ أَسرِهم

وَفُكَّهم مِن أَسرِهم

قال أَمرت طائِعا

وَعبدَ ودٍّ سامِعا

فقرَضَ الشِباكا

وَقَطَّع الأَشراكا

وَخلَّصَ الحماما

وَقَد رأَى الحِماما

فأَعلَنوا بحمدِه

واِعترَفوا بمَجدِه

فَقال قُرّوا عَينا

ولا شكوتُم أَينا

وقدَّم الحُبوبا

للأَكلِ والمشروبا

وَقام بالضِيافَه

بالبِشر واللَطافَه

أَضافَهم ثَلاثا

من بعدِ ما أَغاثا

فقال ذاك الخِلُّ

الخَيرُ لا يُمَلُّ

فُقتَ أَبا أمامَه

جوداً على ابن مامَه

وجئتَ بالصَداقه

بالصِدق فوقَ الطاقه

أَلبستنا أَطواقا

وزدتَنا أَطواقا

من فعلكَ الجَميلِ

وفضلك الجَزيلِ

مثلُك من يُدَّخَرُ

لِرَيب دهرٍ يُحذَرُ

وَيَرتَجيه الصَحبُ

إِن عنّ يوماً خطبُ

فأذَن بالانصرافِ

لنا بلا تجافي

دامَ لك الإنعامُ

ما غرَّد الحَمامُ

وَدمتَ مشكور النِعم

ما رنَّ شادٍ بنَغَم

فقال ذاكَ الفارُ

جَفا الصَديقَ عارُ

وَلَستُ أَرضى بُعدَكم

لا ذقتُ يَوماً فقدَكم

وَلا أَرى خِلافَكم

إِن رمتُمُ انصِرافَكم

عمَّتكُمُ السَلامَه

في الظعن والإِقامَه

فودَّعوا وانصرفوا

وَالدَمعُ منهم يذرفُ

فاِعجب لِهَذا المَثَل

المُعرَب المؤثَّل

أَوردتُه ليُحتَذى

إذا عرا الخلَّ أَذى

الصدقُ في الودادِ

يَقضي بالاتِّحادِ

في النَعتِ والصِفاتِ

والحالِ والهيئاتِ

فَيَكتَسي المشوقُ

ما كُسيَ المعشوقُ

حتّى يُظَنُّ أَنَّه

من الحَبيب كُنهُهُ

لشدَّةِ العلاقَة

وَالصدقِ في الصَداقَه

وَهذه القضيَّة

في حُكمها مَرضيَّه

أَثبتَها البَيانُ

وَالنَقلُ والعيانُ

لذاكَ قال الأَوَّلُ

وَالحقُّ لا يؤوَّلُ

نحن من المساعَدَه

نَحيا بروحٍ واحِدَه

وَمثَّلوا بالجَسَد

وَالروحِ ذي التجرُّدِ

فالروح إِن أَمرٌ عَنا

تَقولُ للجسم أَنا

وقال جدُّ الناظم

مستَنَدُ الأَعاظِمِ

من للعلومِ قد نَشر

منصور أستاذُ البَشر

ولمُّ هَذا الحكم

لم يقترن بعلِمِ

وأَنَّه قد ظهرا

مُشاهَدا بِلا مِرا

فمنه ما جَرى لي

في غابر اللَيالي

أَصابَني يوماً أَلَم

من غير إِنذارٍ أَلَم

فاِحترتُ منه عَجبا

لمّا فقدتُ السَبَبا

واِستغرقَتني الفِكَرُ

حتّى أَتاني الخبَرُ

أَنَّ صَديقاً لي عَرض

لجسمه هذا المرض

فاِزداد عندَ علمي

تصديقُ هَذا الحُكم

فالصِدق في المحبَّة

يوجبُ هذي النِسبَه

فكن صَديقاً صادِقاً

ولا تكن مُماذِقا

حتّى تَقولَ معلِنا

إِنّي ومَن أَهوى أَنا

تزاوُرُ الإخوانِ

مِن خالِص الإيمانِ

إِنَّ التآخي شجَرَه

لها التَلاقي ثمَرَه

لا تترك الزِيارَه

فتركُها حَقارَه

كُلُّ أَخٍ زَوَّارُ

وإِن تَناءَت دارُ

وَقَد رأوا آراءَ

واِختَلَفوا أَهواءَ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان ابن معصوم، شعراء العصر العثماني، قصائد

قد يعجبك أيضاً

تعليقات