هي ما علمت فهل ترد همومها

ديوان الشريف الرضي

هِيَ ما عَلِمتَ فَهَل تُرَدُّ هُمومُها


نُوَبٌ أَراقِمُ لا يُبِلُّ سَليمُها


أَرواحُنا دَينٌ وَما أَنفاسُنا


إِلّا قَضاءٌ وَالزَمانُ غَريمُها


فَلِأَيِّ حالٍ تَستَلِذُّ نُفوسُنا


نَفَحاتِ عَيشٍ لا يَدومُ نَعيمُها


يَمضي الزَمانُ وَلا نُحِسُّ كَأَنَّهُ


ريحٌ تَمُرُّ وَلا يُشَمِّ نَسيمُها


لَم يَشفَعِ الدَهرُ الخَؤونُ لِمُهجَةٍ


في العُمرِ إِلّا عادَ وَهوَ خَصيمُها


وَكَأَنَّما الدُنيا الغَرورَةُ بُردَةٌ


بِيَدَي بِلىً وَيَروقُنا تَسهيمُها


يا دَهرُ كَم أَسهَرتَني مِن لَيلَةٍ


قَد كُنتُ فيكَ أَنامُها وَأُنيمُها


وَالأَرضُ دارٌ لا يَلَذُّ نَزيلُها


عُمرَ الزَمانِ وَلا يَذيمُ مُقيمُها


كَم باعِ أَبّاءٍ تَفُلَّ بُطونُها


وَأَديمِ جَبّارٍ يَقُدُّ أَديمُها


قَبرٌ عَلى قَبرٍ لَنا وَأَواخِرٌ


يَلقى رَميمَ الأَوَّلينَ رَميمُها


إِنَّ الوَزيرَ وَإِن تَطَرَّقَهُ الرَدى


وَعَدا عَليهِ مِنَ الخُطوبِ ذَميمُها


مُستَلئِمٌ لَقِيَتهُ أَو لَم تَلقَهُ


بِنَوائِبٍ بيضُ المَنونِ وَشيمُها


الدَمعُ أَعظَمُ مَن تُحارِبُ جُرأَةً


فَاِنظُر لِعَينٍ ما أُبيحَ حَريمُها


وَتَعَزَّ إِن مِنَ العَزاءِ شَجاعَةً


وَأَعَزُّ ما عَزّى نُفوساً خيمُها


بِمَكارِمٍ غُرَّ الوُجوهِ تُنيلُها


وَمَقاوِمٍ غُلبِ الرِقابِ تَقَومُها


كَم ذاهِبٍ أَبكى النَواظِرَ مُدَّةً


وَمَضى وَطابَ لِمُقلَةٍ تَهويمُها


أَو ثَغرِ مَحزونٍ تَبَسَّمَ سَلوَةً


وَالعَينُ لَمّا يَرقَ بَعدُ سُجومُها


إِنّي لَأَرجو أَن يَكونَ مَقامُها


في حُفرَةٍ خَضَلُ الغَمامِ نَديمُها


مِن كُلِّ غادِيَةٍ سُلافَةُ بارِقٍ


وَمِنَ الرِياضِ رَطيبُها وَعَميمُها


في رِفقَةٍ لا يَستَطيلُ سَفيفُها


أَبَداً وَلا يَدري المَقالَ حَليمُها


مِثلُ الكَبيرِ مِنَ الرِجالِ صَغيرُها


يَبلى وَلا يَدري المَقالَ حَليمُها


ما ضَرَّ راحِلَةً وَأَنتَ وَراءَها


مِن أَن يَكونَ عَلى المَنونُ قَدومُها


تَرَكَتكَ طَوداً لا يُرامُ وَجَمرَةً


لا تُصطَلى وَيَداً يُذَلُّ مُضيمُها


هَل خَبَّرَت لَمّا أَتَت بِكَ ما الَّذي


في مَهدِها أَو ما يَصُمُّ حَزيمُها


أَم هَل دَرَت أَنَّ الحُسامَ جَنينُها


طَلقاً وَإِنَّ أَبا العَلاءِ فَطيمُها


وَكَأَنتَ فَلتَلِدِ النِساءُ نَباهَةً


أَو لا فَمُنجِبَةُ النِساءِ عَقيمُها


صَبراً فَما اِعتاضَ المُصابُ كَصَبرِه


شَيئاً إِذا غَمَرَ القُلوبَ هُمومُها


في الذاهِبِ المَوروثِ سَلوَةُ وارِثٍ


وَأَمَرُّ ما وَرِثَ الرِجالُ غُمومُها


ما ساجَلَتكَ مِنَ المَقاوِلِ عُصبَةٌ


إِلّا وَضَلَّ مَقالُها وَغَريمُها


إِن قيلَ إِقدامٌ فَأَنتَ شُجاعُها


أَو قيلَ إِعطاءٌ فَأَنتَ كَريمُها


هَذا وَكَم لَكَ مِن عَزائِمَ جَمَّةٍ


في كُلِّ حادِثَةٍ تُضيءُ نُجومُها


وَتَهُزُّ أَحشاءَ البِلادِ بِضُمِّرٍ


يَرِدُ الطِعانَ أَغَرُّها وَبَهيمُها


غَرثى يُنازِعُها النَجاءَ نَجائِبٌ


قَد هَلَّلَت بَعدَ الرِواءِ جُرومُها


إِن كانَ رُزؤُكَ ذا جَسيماً فَالَّذي


يُنمى إِلَيكَ مِنَ الأُمورِ جَسيمُها


وَلَأَنتَ أَنجَدُ صابِرٍ لِمُلِمَّةٍ


وَأَعَزُّ مَن يَنجابُ عَنهُ أَرومُها


لِلنَإِباتِ مِنَ الرِجالِ جَريئُها


يَومَ اللِقاءِ وَلِلعَظيمِ عَظيمُها

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان الشريف الرضي، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

بديع الزمان الهمذاني – المقامة الدينارية

حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشامٍ قَالَ: اتَّفَقَ لي نَذْرٌ نَذَرْتُهُ في دِينَارٍ أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلى أَشْحَذِ رَجُلٍ بِبَغْدَادَ، وَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَدُلِلْتُ عَلى أَبِي الفَتْحَ الإِسْكَنْدَرِيِّ، فَمضَيْتُ…

تعليقات