هجر الوساد فبات غير موسد

ديوان بشار بن برد

هَجَرَ الوِسادَ فَباتَ غَيرَ مُوَسَّدِ

وَأَذابَهُ وِردُ الحِمامِ المورَدِ

شَرَعَ المَكارِهَ مَن تَوَجَّهَ غادِياً

يا لَلرِجالِ لِما يَروحُ وَيَغتَدي

وَبَياضِ يَومٍ قَد سَحَبتُ وَلَيلَةٍ

قَد بِتُّها غَرَضَ الهُمومِ العُوَّدِ

وَكَأَنَّ هَمّي وَالظَلامَ تَواعَدا

عِندي فَكُلٌّ قَد وَفا بِالمَوعِدِ

جاشَت جُنودُهُما عَلَيَّ فَلَم أَنَم

وَبَدا وَقَد بَلَغَت بِغَيرِ تَبَدُّدِ

إِنَّ الَّتي سَبَعَت عَدُوَّهُ أَصبَحَت

عَمّا لَقيتَ كَغائِبٍ لَم يَشهَدِ

مَلَأَت حَشاكَ وَرُبَّما مَلَأَ الحَشا

وَجدٌ بِحَمدَةَ مِثلُهُ لَم يوجَدِ

إِذ أَنتَ مُشتَغِلُ الفُؤادِ بِذِكرِها

صَبٌّ وَإِذ هِيَ مِن بَناتِ المَسجِدِ

لَو أَنَّ أَرمَدَ لا يُجَلّى نَظرَةً

تَبدو لَهُ كانَت شِفاءَ الأَرمَدِ

أَيّامَ يَحسُدُها الثَنا جاراتُها

وَسطَ النِساءِ وَمِثلُها فَليُحسَدِ

خاهُ لا في الَّتي

تَصِلُ النِساءَ لَهُ هَوى المُتَأَوِّدِ

شَفَق مِن هَواكِ وَلَم أَخَف

عَجلَ المَنايا وَالرَدى في المَرصَدِ

يَخزُنُكِ الثَرى

رَيّا كَغُصنِ البانَةِ المُتَأَوِّدِ

لا تَبعَدَنَّ وَأَينَ مَن فارَقتُهُ

أَمسى بِمِثلِ سَبيلِها لَم يَبعَدِ

إِنَّ الَّتي كانَت هَواكَ فَأَصبَحَت

تَحتَ السَفائِفِ في الثَرى المُتَلَبِّدِ

لَيسَت بِسامِعَةٍ وَإِن نادَيتَها

مِنكَ السَلامَ كَذَلِكَ المَيتُ الرَدي

أَحُمَيدَ إِن تَرِدِ المُصابَ فَإِنَّنا

رَهنُ النُفوسِ بِمِثلِ ذاكَ المَورِدِ

وَالناسُ كُلُّهُمُ وَإِن بَعُدَ المَدى

عَنَقٌ تَتابَعَ كُلُّهُم في مِقوَدِ

أَصبَحتُ بَعدَكَ كَالمُصابِ جَناحُهُ

يَبكي لِجانِبِهِ إِذا لَم يَسعَدِ

حَرّانَ فارَقَ إِلفَهُ وَنَأى بِهِ

دَهرٌ يَعودُ عَلى سَوادِ المَوجِدِ

مِمّا يُعَزّي القَلبَ بَعدَكِ أَنَّني

في اليَومِ جارُكِ يا حُمَيدَةُ أَو غَدِ

نَفِدَ الزَمانُ وَمِن حُمَيدَةَ لَوعَةٌ

بَينَ الجَوانِحِ حَرُّها لَم يَنفَدِ

يُبدي الضَميرَ إِذا عَرَفتَ لَهُ بِهِ

لَوناً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسوَدِ

بَيضاءُ لَبَّسَها الحَياءُ عَفافَهُ

فَضلَ القِناعِ إِذا خَلَت لَم توصَدِ

فَأَتَتكَ في جَدَثِ الضَريحَةِ خُلَّةٌ

يا خُلَّةً لَكِ في الضَريحِ المُلحَدِ

فَالآنَ أَغدو ما يَكونُ بِغَيرِهِ

غَلَبَت وَطولُ صَبابَةٍ وَتَبَلُّدِ

قَد كُنتُ أَذكُرُ مِن عُبَيدَةَ بَصَّةً

وَأَعِفُّ عَن شَغَبِ اللِسانِ وَفي اليَدِ

وَأَرى حَراماً أَن يَحِلَّ مَحَلَّها

مِنّي اِمرُؤٌ بِصَداقَةٍ وَتَوَدُّدِ

وَلَقَد أَقولُ غَداةَ يَنأى نَعشُها

صَلّى الإِلَهُ عَلَيكِ أُمَّ مُحَمَّدِ

فَلَقَد تَرَكتِ كَبيرَةً مَحزونَةً

وَأَخا إِخاءٍ عَينُهُ لَم تَجمُدِ

بَرَدَت عَلى كَبِدِ المُصابِ وَأَصبَحَت

مِنّي نَوافِذُ حَرِّها لَم تَبرُدِ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان بشار بن برد، شعراء العصر العباسي، قصائد

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات